IMLebanon

انتخابات 2022 بين الاستقرار والنار!

جاء في “اللواء”:

بين ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله من أن بعض القضاء، يغطي بعض القضاء، في إشارة غير ملتبسة إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود يغطي المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، امتداداً إلى القاضي نسيب ايليا وسائر القضاة الذين ردُّوا الدعاوى لتنحية بيطار.. من دون أن يغفل الإشارة إلى بعض القضاة الأسوياء، مثل القاضي حبيب مزهر، وهو عضو في مجلس القضاء الأعلى، الذي اتخذ قراراً بردّ المحقق العدلي في دعوى الوزير السابق يوسف فنيانوس.. في الإعلان هذا اشتباك واضح للحزب مع رئيس السلطة القضائية عبود، وهو الماروني، بصرف النظر عن المناقبية والتحدّر والانتماء وما شاكل.

في اليوم التالي كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، يتفاخر أمام طلاب من حزبه ربحوا المعركة الطلابية في جامعة اللويزة. وهو يعتبر ذلك إقصاء أو انتصاراً على التيار الوطني الحر، المفترض انه حليف حزب الله، كان وما يزال منذ تفاهم مار مخايل 2006.

في كلمته حدَّد جعجع سقف معركته المقبلة، أو التوجه الاستراتيجي لتجمعات 14 آذار، وهو يقضي بإقصاء الأكثرية النيابية عن المجلس النيابي، ولا بأس بدءًا من الرئيس الحالي نبيه برّي، الذي لا تشوب علاقته مع «القوات» شائبة، إلى هيئة مكتب المجلس، على أن يسمي المجلس رئيساً للحكومة، ويشكل الحكومة الجديدة، الفريق الرابح أو المكوّن للمجلس على مستوى الأكثرية وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت يسبق 31 ت1 (2022)، ولا بأس من أن يكون جعجع نفسه، الذي ترشح بعد العام 2014 المرشح الأوفر حظاً للرئاسة.

وبعد يوم، أطلَّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من لقاء حزبي في إقليم الخروب، ليعلن على الملأ أنه من الطبيعي أن يكون حلفه الانتخابي المقبل مع تيّار «المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري، ومع «القوات اللبنانية» بزعامة جعجع نفسه، تحت شعار «كفى»، ولا لإبقاء لبنان أو سقوطه في حضن المحور الإيراني- السوري.

في بكركي، حسم البطريرك مار بطرس بشارة الراعي أمره إلى غير رجعة، وقرّر المضي إلى نهاية المطاف، في الدعوة إلى الحياد، مما يعني نصب اشتباك دائم، مع حزب الله على خلفية تدخله عسكرياً وقتالياً، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً في العراق واليمن، وربما في أماكن أخرى، يعرفها البطريرك أكثر من غيره..

لم يكن السيّد نصر الله بعيداً عن الاقتراب من الاشتباك مع بكركي، فلا بأس، فالمواقف آخذة بالتشظي، ومن يطرق الباب يسمع الجواب.. ولكن هذه المرة، من مسألة التدخل، ليس فقط في التحقيقات الجارية في مرفأ بيروت، بل تحقيقات المحكمة العسكرية، بقضاتها على شتى انتماءاتهم في ما خصَّ حوادث الطيونة – عين الرمانة في 14 ت1 الماضي.. عندما دعا الجهات الدينية عن الكف من التدخل لدى القضاء للإفرج أو تخفيف الأحكام عن عناصر «القوات اللبنانية» المتهمين أو الملاحقين بإطلاق النار في تلك المنطقة، والتسبب بسقوط ضحايا وجرحى، وإن بدا أن الحل البديل هو أن يأخذ ذوو الضحايا حقوقهم بأيديهم.. وهنا مكمن الخطورة برأي نصرالله.

دعك، من التباين الواضح، مع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل- وهذا التباين لا يُفسد في الودّ قضية – من مسألة مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي الخمسة جلسات مجلس الوزراء لغاية تاريخه، وعدم انعقاد المجلس هو أشبه بالجريمة الموصوفة، بتعبير باسيل نفسه..

لا حاجة لاستكمال عرض عناصر المتغيّرات الحاصلة في المشهد، من رفع شعارات: شعب، جيش، قضاء، في إشارة إلى الارتكاز في الأمن والدفاع وردّ الاعتداءات على الجيش اللبناني، وإسقاط مقولة شعب، جيش، مقاومة، ولا مضي المصرف المركزي، ومجلسه المركزي من التفرج المفضوح على لعبة الحرب المعلنة على الليرة في السوق السوداء، عبر الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، والذي ينعكس لهيباً قوياً في انهيار القوة الشرائية لليرة، المتآكلة أصلاً..

في المشهد المتفاقم منذ 17 ت1 (2019)، وبعد تصفية بنك جمّال، الذي كان يشرف عليه ورثة علي الجمال (أبو عبد الله)، الذي اعتبر بمثابة ضربة قوية «للمال الشيعي» إذا صحَّ القول، بترتيبات أشرف عليها حاكم المركزي، بدأ أن الانهيار الكبير أو ما يسمى «بالارتطام الآتي» يستهدف، من جملة ما يستهدف «حزب الله» وإن كان أمينه العام، لاحظ في إطلالته يوم الجمعة الماضي أنه «في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية هناك هجمة كبيرة على حزب الله، وهذا ليس جديداً، لكن الجديد هو التكثيف، وما يقولون إنها وثائق».

حزب الله لم يخشَ على المقاومة يوماً.. فالحقبة الأميركية الحالية، ولتاريخه أيضاً، هي حقبة دبلوماسية، تترك المجال أمام المفاوضات، والضغوط، من نوع القوانين الأميركية، مثل قانون قيصر.. وغانستي، وغيرهما، حيث الحصار المالي، وحجب الأدوية، وتجميد الحسابات، وفرض العقوبات المالية، وإن كانت بعض الضربات هنا وهناك تبدو ضرورية، من خلال المسيرات أو القصف بالصواريخ الدقيقة والذكية، لأهداف في سوريا أو العراق، وربما لاحقاً في لبنان، تبقى واردة.. لكن الحزب يعرف تمام المعرفة أن الأجواء الدولية والعربية والإقليمية وضعته على سكة مصيرية.. من زاوية الاستحقاقات المقبلة، وفي مقدّمها الانتخابات النيابية المقبلة..

يسعى حزب الله لطمأنة حليفه باسيل وتياره بأنه لن يتركه

«جَزَر السباع ينشنه يقضمن حسن بنانه والمعصم» الشعر من معلقة عنترة في حب عبلا ابنة عمه، والجَزَر في لعبة عرب الجاهلية، هي جمع جزرة وهي الشاة التي أعدت للذبح..

والمقصود هنا، أن الحزب الذي يُجري مفاوضات دورية مع التيار الوطني الحر، لن يتخلّى عن باسيل، لسبب أو لآخر، في مواجهة خصم شرس هو «القوات اللبنانية» وخصوم آخرين، في الساحة المسيحية، لا يقلون شراسة، وإن ارتدوا ثياب الحمل، التي لم تعد للذبح أو التضحية!

في المعركة الكبرى الجارية في لبنان، لن يكون بمقدور باسيل الانضمام إلى المحور الآخر، وهو صاحب الطموحات الكبرى في وراثة الرئاسة الأولى، بعدما وضع يده على التيار الذي أنشأه ميشال عون، وكان باسيل مجرّد ناشط فيه ليس إلَّا..

وعليه، يسعى حزب الله المستهدف «بشظايا كبرى» آتية من الخارج، تحت بريق مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني، سواء نجح التفاوض أم أخفق إلى إعادة بناء جبهته، بما في ذلك حياكة تخريجة العودة إلى مجلس الوزراء، بعد أن تكون الترتيبات السياسية لعقد جلسة للمجلس قد أنجزت، لأن المواجهة التي تستفز القوى، وتحدِّد التحالفات من أجلها، تقترب مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، الفاصلة بين حقبة الاستقرار أو اللاستقرار، أو البرد والنار!