IMLebanon

ميشال عون… والتواريخ والجغرافيا

كتب خيرالله خيرالله في العرب اللندنية:

ممكن أن نضع جانبا غياب أيّ علاقة لرئيس الجمهوريّة ميشال عون بالتواريخ، تاريخ انتخابه رئيسا وتاريخ نهاية ولايته، بين تواريخ أخرى. كان ذلك ممكنا لولا أن الحديث الذي أدلى به عون إلى قناة “الجزيرة” في أثناء وجوده في الدوحة من أجل حضور افتتاح دورة “كأس العرب” في كرة القدم، كشف أيضا جهله بالجغرافيا. هذا يعني جهله بما يدور في المنطقة وأبعاد الأزمة اللبنانيّة – الخليجية، فضلا بالطبع عن مدى سيطرة “حزب الله” على لبنان.

لا علاقة لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة لا بالأرقام ولا بالتواريخ. لا يعرف، على سبيل المثال وليس الحصر، أنّه انتخب رئيسا للجمهوريّة في نهاية تشرين الأوّل – أكتوبر 2016. يصرّ على أنّ ولايته بدأت في 2017. لا يعرف أنّ ولايته الرئاسيّة تنتهي في 2022، يعتقد أنّها تنتهي في 2012، أي قبل ست سنوات من بدايتها. لا يعرف عون في أي سنة يعيش وما الذي يدور في لبنان والشرق الأوسط والخليج هذه الأيّام.

بالنسبة إلى الأرقام، لا اطلاع من أيّ نوع لدى عون على الأرقام. يقول مثلا إنّه ورث حملا ثقيلا وإنّ الدين العام كان 158 مليار دولار يوم وصوله إلى قصر بعبدا. الدين اللبناني العام كبير، لكنه لم يصل بعد خمس سنوات من بدء الولاية الرئاسيّة الحاليّة إلى مئة مليار دولار!

أثبت رئيس الجمهوريّة من خلال مقابلة استمرّت نحو عشرين دقيقة أنّه لا يمتلك المؤهلات الذهنيّة التي تسمح له بالبقاء في موقع رئيس الجمهوريّة، هو الذي قال ذات يوم من آب – أغسطس في العام 1988 عن الرئيس سليمان فرنجيّة الجدّ “كيف يعني سليمان فرنجية بدو يرجع يعمل رئيس جمهورية. رئاسة الجمهورية منها مزحة أبدا، بدها شخص يكون قادرا على أن يشتغل 20 ساعة على 24 وسليمان فرنجية عمره 80 سنة وما بيقدر يركّز أكتر من ساعة أو ساعتين بالنهار. بهذا العمر ما بتعود تعرف أيمتى بيكون خرفان وأي متى بيكون واعي، والرئاسة بدها حدا يكون شابّا ومنتجا”.

يخضع المرشحون لتولّي رئاسة الجمهوريّة في بلدان العالم المتحضّرة لفحوصات بدنيّة ونفسية. هذا ما يقوله الاختصاصيون. تستهدف الفحوصات التأكّد من عدم إصابة أيّ منهم بمرض مزمن أو مرض ذهني يؤثر على أدائه للمهمات المطلوبة، وللتعرف على القدرات المعرفية للمُرشّح ومنهجيّته في حلّ المشاكل ومرونته في التفكير ومعالجته للمعلومات. كما يخضع رؤساء الجمهوريّات إلى متابعة طبيّة دائمة هدفها حمايتهم والمحافظة على حياتهم، وحماية الوطن ومواطنيه ومؤسساته من أخطار الممارسات والتصرفات غير السوية وغير المتزنة مع تقدّم العمر. وقد استنتج باحث أميركي معروف في علم الاجتماع وأستاذ في علم النفس في جامعة كاليفورنيا أن السلطة سبب مباشر لتلف خلايا الدماغ وأنّ “سلوك شخص يتبوأ منصبا سلطويا يشبه سلوك إنسان يُعاني إصابة دماغ ناتجة عن رضوض، وهو ما يجعله أكثر اندفاعا وأقل إدراكا للمخاطر، وأقل قدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين، بدرجة كارثية”.

صدر هذا الكلام عن عون عندما طرح موضوع انتخاب سليمان فرنجيّة الجد رئيسا للجمهوريّة مرّة ثانية بعدما سبق له أن شغل هذا الموقع بين 1970 و1976. هل يدرك رئيس الجمهوريّة الحالي أنّ ما ورد على لسانه في 1988، ينطبق عليه حرفيا في السنة 2021؟

من سوء حظ لبنان أنّ عون لا يمتلك أي ذاكرة من أي نوع. قد يكون الاستثناء الوحيد في هذا المجال امتلاكه لذاكرة الحقد. الحقد على كل ناجح وكلّ نجاح. الأخطر من ذلك كلّه أنّه لا يعرف شيئا عن المنطقة. كان كلّ همّه في الحديث إلى “الجزيرة” الدفاع عن “حزب الله”. يتجاهل أنّ لبنان تحوّل بفضل “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، إلى دولة ممانعة معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة. هل يعرف عون أنّ بيروت ثاني أهمّ مدينة للحوثيين، بعد صنعاء؟ هل يعرف أن فضائية الحوثيين، الذين يعتدون على المملكة العربيّة السعوديّة يوميّا، تبث من بيروت؟

هذا غيض من فيض الاعتداءات اللبنانية على دول الخليج، وهي تشمل، بين ما تشمل، تصدير مخدرات وغير مخدرات بهدف إلحاق الأذى بالمجتمعات الخليجية التي لم ترد، يوما، سوى الخير للبنان واللبنانيين.

مسكين لبنان، بمسيحييه خصوصا، أن يكون لديه رئيس للجمهوريّة في هذا المستوى، رئيس لا همّ لديه سوى استرضاء “حزب الله” لعلّ الحزب يفرض الصهر جبران باسيل رئيسا للجمهوريّة كما حصل مع عون شخصيّا في خريف العام 2016.

وجد عون منفذا، هو افتتاح دورة رياضيّة، للذهاب إلى قطر. كانت الزيارة مفيدة من زاوية أنّها كشفت كم أن الرجل يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بالواقع. كانت مفيدة في سياق التأكّد من الأسباب التي جعلت “حزب الله” يراهن عليه ويوصله إلى موقع رئيس الجمهوريّة. اختبر الحزب، الذي يمثّل إيران على أرض لبنان، عون طوال عشر سنوات. اختبره في تغطية حرب صيف العام 2006، وهي حرب افتعلها الحزب مع إسرائيل من أجل تحقيق انتصار على لبنان بعد سنة وأشهر قليلة من تخلّصه من رفيق الحريري.

لم يكتف عون بتغطية الحرب على لبنان وانتصار “حزب الله” على لبنان واللبنانيين. عمل كلّ ما هو مطلوب منه عمله، بما في ذلك تجاهل غزوة بيروت والجبل في أيّار – مايو 2008. شارك قبل ذلك في الاعتصام في وسط بيروت بغية تعطيل الحياة في المدينة تمهيدا لاجتياحها…

تطول لائحة الارتكابات العونيّة في حق لبنان واللبنانيين. لكن ما لا يطول هو الخلاصة التي يمكن الخروج بها بعد خمس سنوات من تحوّل مرشّح “حزب الله” رئيسا للجمهورية في لبنان. تقول الخلاصة إنّ لبنان في حال يرثى لها. انهار البلد انهيارا كلّيا. انهارت كلّ المقومات التي قام عليها منذ ما قبل الاستقلال في العام 1943. كانت المقابلة مع عون أفضل تعبير عمّا آل إليه بلد لا علاقة لرئيس الجمهوريّة فيه بما يدور على أرض الواقع الإقليمي وأرض لبنان…