IMLebanon

ثمن ترئيس باسيل ليس رأس البيطار… بل لبنان كله!

كتب منير الربيع في “المدن”: 

في أوائل العام 2017، وبعد أشهر على إنجاز التسوية الرئاسية وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل سعد الحريري حكومته، تفاءل اللبنانيون وتأملوا خيراً. لماذا؟ لأنهم وضعوا ذلك في سياق التسويات الإقليمية والدولية، التي نجم عنها الاتفاق النووي الإيراني في ولاية باراك أوباما.

رجل الطمأنينة والقلق

ودفعت هذه الوقائع أحد اللبنانيين المطمئنين إلى إيداع 70 ألف دولار أميركي نقداً في أحد المصارف. قبل التسوية كان الرجل ينظر إلى الوقائع الجارية في المنطقة، وتحديداً في سوريا، مستشعراً خطر انعكاسها على لبنان، فعمل على إبقاء وديعته المالية في متناول يده، خوفاً من الآتي ومن احتمال سوء الأحوال، فيضطر إلى ترك منزله وبلده، أسوة بالسوريين. لذا، كان لا بد من اكتناز مبلغ معتبر من المال، ليستخدمه الرجل في حال هُجّر من منزله.

وبحلول التسوية أعاد المبلغ إلى المصرف. وبعد سنتين وقعت الواقعة. فخسر ثروته وغرق في قلق مقيم. وعلى وقع الأزمة المالية والاقتصادية والانهيار الكبير، أقلقه مجدداً احتمال خروجه من منزله، ولكن فارغ اليدين هذه المرّة.

رهان الفريق

تستعاد هذه الواقعة حالياً على وقع تجدد مفاوضات فيينا، ورهان اللبنانيين على انعكاساتها الإيجابية على الواقع اللبناني. ربما يكون الرهان من الأمنيات، أو خيطاً سرابياً يبصره في الأفق غريق في بحر متلاطم.

فلبنان في سنة الاستحقاقات الكبرى، وفي خضم الانهيار الأكبر والتطورات الأسرع والتحولات الأخطر. وينتظر اللبنانيون مصير المفاوضات النووية، وتجتاحهم أسئلة كثيرة: هل يُسلم لبنان لإيران وحزب الله، لاعتبارات دولية؟ أم هناك مجال للدخول في تسوية جديدة تعيد التوازن العربي مع الوجود الإيراني، ما يؤدي إلى بعض التفاؤل والاستقرار؟

والأرجح أن التسوية الإقليمية لن تقلب الأحوال في لبنان رأساً على عقب. ولا يمكنها أن تستعيد أموال اللبنانيين وتنقذ لبنان من الغرق. فالقوى السياسية لا تزال على حساباتها ومشاريعها المعروفة والواضحة. وكان الانهيار نتاج تحالف التيار العوني وحزب الله، الذي أدى إلى تكريس تنازل الطرف المعارض لهذا التحالف -أي السنّة- وانخراطه فيه.

وتفاقم التدهور على وقع تقدّم إيران مع حزب الله في المنطقة. والأرجح أن ذلك مرشح لأن يتمدد ويتوسع أكثر في المرحلة المقبلة، ومع تجدد الاتفاق النووي. وفي العام 2015 كان الاتفاق على وقع التقدم الإيراني العسكري. واليوم أي اتفاق سيكون مقدمة تفاهم على ترسيم النفوذ الإيراني وقبض ثمنه سياسياً.

حزب الله وباسيل

هذه هي خلفية المعضلة اللبنانية، وانعدام أي تقدم سياسي، وعرقلة عمل الحكومة، واحتمال تأجيل استحقاقات آخرى، كالانتخابات الرئاسية والتي يريد حزب الله أن تكون في غمرة انتصاره السياسي، فلا يريد التفريط بها.

لذا، ستكون المعركة الرئاسية هي الأكبر، ويخيم عليها طموح جبران باسيل في استكمال عهد الرئيس ميشال عون. لذا تتركز الأنظار كلها على حزب الله، وإليه توجه الأسئلة. ويشير مسار الحزب السياسي إلى أن إيصال باسيل إلى رئاسة الجمهورية، هو خياره الأفضل، لما يمثله باسيل من غطاء مسيحي واسع. ولكن المشكلة بين الطرفين حتى الآن هي استعجال باسيل انتزاع الموقف من حزب الله، الذي يفضّل التريث والانتظار.

تقتضي مصلحة حزب الله انتخاب باسيل رئيساً للجمهورية. لكنه لا يفضل إطلاق أي موقف حتى الآن بهذا الخصوص. فهو يبعث عداوات مجانية له، سواء من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أو من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أو القوى الأخرى، إسلامية ومسيحية. فأي خطوة مبكرة في إعلان دعم باسيل تؤدي إلى جمع المسيحيين ضد حزب الله وخياره.

أما ترك أمر الحسم إلى اللحظة الأخيرة، فقد يوفر له تخريجة ما وأرضية سياسية معينة قائمة على وقائع مستجدة، قد تسهل هذا الخيار.

فحزب الله لا يمكنه الالتزام بباسيل قبل الانتخابات النيابية المجهولة النتائج. وهو يحتاج إلى خوضها بكل دقة لتوفير فوز حلفائه، وبقائه محتفظاً بالأكثرية النيابية. لذا، لن يتورط في بموقف قد يؤدي إلى التسبب بخسائر.

عون وثمن البيطار

قد يعتبر عون أن ثمن البيطار مرتفع، أي يساوي ترئيس باسيل. لكن حزب الله لا يمكن أن يدفع ثمناً مرتفعاً إلى هذا الحدّ. فهناك أوراق قضائية وقانونية كثيرة يمكن اعتمادها ويتم البحث فيها، لتعطيل التحقيق أو تجميده أو حرفه عن مساراته. لذا، لا داعي لأن يكبل حزب الله خياراته السياسية.

بمعنى أوضح: الثمن الذي يريده عون لا يبدو موازياً للواقع الذي تفرضه المسألة القضائية. فالمسألة تتعلق بدور لبنان وكيفية تغييره. وهذه قاعدة المقايضة الأساسية بالنسبة إلى حزب الله.