IMLebanon

“مقلع سبلين” يُهدّد مشروع جرّ مياه الأوّلي

كتبت هديل فرفور في الأخبار:

تنوي شركة ترابة سبلين إقامة مقلع لصناعة الترابة فوق النفق الذي يربط بين منطقتَي جون والقبة العقاريتين. وعليه، ثمّة مخاطر جدية على سلامة مشروع جرّ مياه الأولي، سواء على صعيد المُنشآت أو على صعيد نوعية المياه التي ستصل إلى بيروت. وفيما خلص تقرير «دار الهندسة» إلى التوصية بعدم إقامة المقلع، لا تزال كلّ من وزارتَي الطاقة والبيئة «تتريّثان» في إبداء رأيهما، ما يطرح مخاوف من «تمرير» المقلع بمعزل عن أكلافه.

«من الأفضل عدم إقامة أيّ مقلع فوق الممر الملحوظ للنفق ولمسافة تبعد 200 متر على الأقل من كل جهة من النفق. وفي حال تم السماح بإقامة المقلع المطلوب، يتوجّب على صاحب المقلع تقديم دراسة متكاملة تشمل كيفية استعمال العقار المذكور، إضافة إلى دراسة الأشغال المنويّ القيام بها وتأثيرها على سلامة النفق (ضمن شرط عدم السماح بالتفجير أو بالتكسير فوق ممر النفق ولمسافة 200 متر على الأقل من كل جهة)». هذه هي خلاصة الاستشارة التي قدّمتها «دار الهندسة» لمجلس الإنماء والإعمار بشأن «تأثير استثمار مقلع لصناعة الترابة في العقار 25 من منطقة سبلين العقارية على مشروع إنشاء نفق بين منطقتَي جون والقبة العقاريتين (مشروع جرّ مياه الأولي)».

ويمتد مسار النفق لنحو 300 متر تحت العقار المذكور وعلى عمق يُراوح بين 70 متراً و141 متراً، وفق ما يرد في الكتاب المُرسل من قبل المجلس إلى المديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة (الرقم 2815/1)، مُشيراً إلى أن «أعمال الحفر والتدعيم الأولي لهذا النفق أُنجزت بالكامل بانتظار استكمال أعمال الغلاف الداخلي له (تلبيس بالخرسانة)».

في المبدأ، ووفق عدد من المعنيين في قطاع المياه، فإنّ الاحتياطات القصوى تقتضي إلغاء مشروع إقامة المقلع نهائياً نظراً إلى الأضرار التي سيُلحقها بمنشآت المشروع، «في حين تبدو كل الجهات المعنية، من مجلس الإنماء والإعمار مروراً بوزارة الطاقة ووزارة البيئة، غير حاسمة وتحمل نوايا خفيّة بتمرير المشروع»، على ما تقول مصادر مطّلعة على الملف، مُلمّحة إلى وجود نية بـ«محاباة» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كونه رئيس مجلس إدارة شركة ترابة سبلين.

في الكتاب المرسل إلى مديرية الاستثمار نفسه، يقول رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر إنه في حال تم السماح بإقامة المقلع وفق الشروط المنوّه عنها، فإنه «يقتضي بنتيجة ذلك القيام بمراقبة دقيقة ودورية في المنطقة الممتدة أعلى النفق، ضمن الممر المشار إليه آنفاً (200 متر عن كل جهة) كما يقتضي إجراء مراقبة دقيقة دورية داخل النفق لمراقبة الوضع الداخلي له ليتم أخذ الإجراءات اللازمة وبالسرعة الممكنة في حال حدوث أي خلل ممكن أن يؤثر على سلامة وثبات النفق». ورغم أن هذه التوصيات تعكس قلقاً ضمنياً من تداعيات إقامة المقلع، إلا أن الجسر لم يوصِ بشكل واضح بضرورة إلغاء المشروع كلياً.

مدير الاستثمار في وزارة الطاقة غسان نورالدين قال في اتصال مع «الاخبار» أن المديرية لم تصدر لغاية اليوم التقرير النهائي لتقديمه للمجلس الوطني للكسارات والمقالع «بسبب شغور وظيفة الجيولوجي بالوزارة بوفاة من كان يشغل المركز»، لافتاً إلى أن «موضوع النفق ووجوده تحت المقلع موضع متابعه من الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار الذي أوصى بالترتيبات والمسافات الاحتياطية للابتعاد عن النفق». كلام نورا لدين يتوافق وما قاله مُستشار وزير الطاقة خالد نخلة لجهة أن الرأي النهائي للوزارة متوقف على موقف الاستشاري الذي تعاقدت معه الوزارة أخيراً والمتخصص في البت في هذه المعاملات، مُشدّداً على أن رأي الوزارة «غير ملزم»، و«أن القرار النهائي يصدر عن المجلس الوطني للمقالع والكسارات»، ولافتاً إلى أن الوزارة «لن ترضى حكماً بأي نوع من النشاطات التي قد تؤثر على المشروع». ولكن، لماذا لا تكتفي وزارة الطاقة برأي «دار الهندسة» كونها الاستشاري المستعان به من قبل مجلس الانماء والاعمار؟ يجيب نخلة بأن لكل وزارة اجراءاتها وانظمتها الادارية التي يجب اتباعها، فيما يلفت نورالدين الى ان رأي الاستشاري ارفق بمعاملة دراسة الطلب وأن رأي الجيولوجي سيكون اضافياً.

قانوناً، يرأس المجلس الوطني للمقالع وزير البيئة المعنيّ بطبيعة الحال بهذا الموضوع. في اتصال مع «الأخبار»، اكتفى وزير البيئة ناصر ياسين بالإشارة إلى وجوب مراجعة الملف، لافتاً إلى أن المقلع لا يحصل على رخصة في حال كان له تأثير على مصادر المياه. «لكن هذه الحالة لا تتعلق بالتأثير على مصدر المياه وإنما تتعلق بالتأثير على أنفاق جرّ المياه وهي منشآت هندسية وليست مصادر طبيعية»، وفق المصادر نفسها، مُضيفةً: «أما عن الترخيص فإن مقالع معامل الترابة غير مرخّصة وتستفيد من مهل إدارية من مجلس الوزراء، وفي إطار التسوية التي بدأت في ظل الحكومة السابقة بدأ العمل على إعطاء تراخيص لتلك المقالع بموجب المرسوم رقم 8803 المتعلق بتنظيم المقالع والكسارات عبر المجلس نفسه».

وتتساءل: «هل قامت وزارة البيئة بالكشف على الموقع ومعرفة مدى عمق الحفر؟ هل طلبت تقرير الاستشاري؟ وهل أُبلغت من «الإنماء والإعمار» بالتقرير؟ وهل طلبت من مجلس الإنماء والإعمار خريطة النفق واستملاكه؟ وماذا عن تأثيره على سلامة المنشآت وعلى النفق وعلى سلامة ونوعية المياه التي سيتم جرّها عبر النفق؟ ثم لماذا لم يُثر مجلس الإنماء والإعمار الموضوع خلال تنفيذ الأعمال ولماذا لم يلاحظ وجود المقلع أو أعمال الحفر التي امتدّت لسنوات؟».

هذه التساؤلات من شأنها أن تعزز المخاوف من الاستهتار بتداعيات إقامة المقلع خدمةً للشركة التي كان أصحابها حتى الأمس القريب، «غيارى» على البيئة ومناهضين لسدّ بسري.

370 مليون دولار

هي كلفة مشروع جرّ مياه الأولي إلى بيروت الذي تولى تنفيذه كل من مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان ومجلس الإنماء والإعمار بتمويل من البنك الدولي وبإشراف وزارة الطاقة والمياه. ويقضي المشروع بجرّ نحو 40 مليون متر مكعب من مياه الأولي إلى بيروت على ارتفاع 300م من خلدة حتى نهر الموت، وهو يتألف من شقين أساسيين؛ الأول يقضي بجر المياه عبر قناة من الأولي إلى خلدة، والثاني يتعلق بشبكات التوزيع والخزانات الكبيرة، وهي عبارة عن 200 كلم من الشبكات و16 خزاناً بسعة 1000 متر مكعب، وخزانين كبيرين (50 ألف متر مكعب و20 ألف متر مكعب) في كل من الحازمية والحدث.