IMLebanon

“بابا نويل” يغيب عن أطفال لبنان

جاء في “العرب” اللندنية:

أقل من شهر يفصل اللبنانيين عن الاحتفال بعيد الميلاد، المناسبة التي تقام فيها صلوات في الكنائس، واجتماع العائلات، وتقديم هدايا للأطفال وملء الشوارع والمنازل بالزينة والأضواء، بالبلاد كما في أرجاء العالم.

في بلد الأرز، بدأت العائلات تحضير منازلها للمناسبة، من خلال وضع شجرة عيد الميلاد وتزيينها، إلّا أن “بابا نويل” لن يستطيع دخول كل المنازل وتقديم الهدية التي يحلم بها كل طفل.

فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للأهالي الذين يقفون عاجزين عن شراء ولو هدية واحدة لأطفالهم خلال العيد.

تقول جوسلين، وهي موظفة وأم، إن “فرحة الأطفال لا تكتمل في العيد إن لم تكن هناك هديّة، لذا فإنها أمر لا بد منه”.

وتؤكد “هناك، اليوم، أمور أكثر إلحاحا وأهم من الهدايا، مثل الطعام والشراب والطبابة والتعليم، لكن الهدية ضرورية للأطفال، ولو بكلفة وكمية أقل مقارنة بالأعوام الماضية”.

وفي أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، جاء أنه “في مواجهة التضخم الهائل وتزايد الفقر وندرة توافر الوظائف، تضطر 7 من كل 10 أُسر لبنانية لشراء الطعام من خلال مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو عبر الاقتراض المباشر”.

كما أفادت بأن “نحو 34 في المئة من الأطفال لم يتلقوا الرعاية الصحية التي احتاجوا إليها، فضلا عن أن ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير جعل الكثير من الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية المناسبة لأطفالها”.

ويشير فريد، وهو من سكان أحد الأحياء الشعبية، بحزن وأسى، إلى أنه لن يستطيع شراء الألعاب لأطفاله الثّلاثة هذا العام، ولن يحضر بابا نويل إلى منزلهم، فبالكاد يستطيع “تأمين لقمة العيش اليومية لهم”.

ويوضح فادي قشوع أحد كبار تجار لبنان أن “أسعار الألعاب لم ترتفع بالعملة الأجنبية، إلا أن السعر يرتفع مع العملة الوطنية”.

بمعنى آخر، لا يزال سعر لعبة معينة 5 دولارات، لكن بعد انهيار الليرة اللبنانية أمام العملة الأميركية ارتفع السعر. ففي السابق كانت الـ5 دولارات توازي 7500 ليرة، أما اليوم فتتجاوز 100 ألف.

ويقول قشوع إن “أسعار الألعاب ارتفعت 10 مرات أكثر من السنوات السابقة في لبنان”.

ويكشف قشوع أن “استيراد الألعاب تراجع بنسبة 50 في المئة عما كان عليه في السنوات السابقة”، مضيفا “بتنا نتجه إلى استيراد الألعاب المنخفضة السعر، أي التي يتراوح سعرها بين 4 و6 دولارات”.

ويشير إلى أنه “بعد بدء الأزمة الاقتصادية، اتجه المستهلك أو الزبون نحو الأصناف والسلع الأقل سعرا، لأنه لا قدرة لديه لشراء الألعاب الباهظة الثمن، فالقدرة الشرائية تدنت إلى مستوى غير مسبوق”.

ويرى أن “85 في المئة من الناس يشترون الألعاب الرخيصة، و15 في المئة منهم لا يزالون قادرين على شراء الألعاب المرتفعة السعر”.

وفي العادة، تنطلق التحضيرات لعيد الميلاد منتصف تشرين الثاني من كل عام، فتتلألأ رفوف المتاجر بالزينة والأضواء، وتُعرض “تشكيلة” أوسع من الألعاب، تحضيرا لبدء توافد الزبائن لاختيار هدايا العيد لأطفالهم.

وعن إقبال الأهل على التحضيرات لهدايا العيد، يبيّن قشوع أنها “بدأت ولكن بشكل خجول، لأن الأعباء الاجتماعية تطغى على شراء ألعاب وهدايا العيد”.

ويذكر أن معظم الناس كانوا يحجزون هداياهم في وقت مبكر، إلا أن الوضع تبدل اليوم.

قشوع الذي بدأ العمل في القطاع منذ عام 1987، يشدد على أن “الوضع الاقتصادي الذي نعيشه اليوم لم يمر علينا طوال سنوات عملنا السابقة”.

وتلاحظ جوستينا أبوالياس، وهي موظفة في محل لبيع الألعاب، أن “الإقبال على المتجر في إطار التسوق الميلادي بدأ، فبعض الأشخاص يأتون بهدف شراء الألعاب، والبعض الآخر يأتي ليقارن الأسعار بين المتاجر”.

وتلفت إلى أن أبرز التعليقات التي تسمعها، هي عن سبب اختلاف الأسعار بين يوم وآخر، إذ تبرر للزبون أن السبب يعود لتغير سعر الصرف في البلد.

وتكشف أن “الأهل باتوا يشترون الألعاب التثقيفية أكثر من غيرها لأطفالهم، خاصة تلك التي يُعتبر سعرها مقبولا لهم”.

وأطلق الإعلامي اللبناني ريكاردو شدياق، بمشاركة مجموعة شبان وشابات من مختلف المجالات والاختصاصات، مبادرة فردية لتأمين الألعاب للأطفال في عيد الميلاد.

ويوضح شدياق أنه بعد انتشار الفقر وارتفاع أسعار الألعاب في لبنان، قرر “القيام بمبادرة فردية، لتأمين هدية لكل طفل خلال العيد، كخطوة معنوية، لأن الطفل لا ينتظر أكثر من هدية”.

وبدأت المبادرة بوضع منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتوالى بعدها الاتصالات من لبنانيين ومغتربين راغبين في المساعدة المالية أو تقديم ألعاب، وفق شدياق.

ويضيف “نتلقى اتصالات يومية من الأهالي الراغبين في المساعدة، ولا نزال نعمل لتحديد مسار توزيع الهدايا على الأطفال”، لافتا إلى الثقة التي بدأت تتمتع بها مبادرات كهذه من جانب المواطنين.

ويقول “انتهى دور القيادات في لبنان، ونحن من موقعنا كإعلاميين ومهندسين وناشطين، نتجمع لتوفير ثقة لدى المواطنين والمغتربين، لمساعدة بعضنا”.

وعن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذه الخطوة، يفسر أن “راتب الكثير من الآباء لا يتخطى مليونا و200 ألف ليرة، وبالمقابل سعر أرخص هدية يقارب 500 ألف”، مؤكدا أن “أطفال لبنان يجب ألا يدفعوا ثمن الوضع الذي وصلنا إليه في بلدنا”.

ويشدد على أن “هدف هذه المبادرة هو إعطاء الأطفال أملا بلبنان، لأنهم مستقبل البلد”.

بالمحصلة، لن يشبه عيد الميلاد المقبل في لبنان أيا من الأعياد في السنوات السابقة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، إلا أن الأهل وأصحاب المبادرات الفردية يكافحون ويعملون بجد لرسم البسمة على وجه كل طفل خلال فترة العيد.