IMLebanon

اقتراع المغتربين “دستوريًا”: القارّات الست ليست “مناطق لبنانيّة”

كتبت هيام القصيفي في الأخبار:

في انتظار قرار المجلس الدستوري الطعن باقتراع غير المقيمين، ثمة كلام عن قوة الدستور الذي وزع المقاعد النيابية نسبياً بين المناطق، في مقابل قوة القانون الذي أقرته الكتل النيابية عام 2017، وتوزيعه النواب الستة على القارات الست.

تنتظر القوى السياسية المؤيّدة لاقتراع غير المقيمين لـ 128 نائباً قرار المجلس الدستوري في الطعن الذي قدّمه التيار الوطني الحر، من ضمن البنود الأخرى المطعون بها. ومنذ ما قبل إصدار وزارة الخارجية أرقام المسجلين في القارات الست قبل تنقيحها، تحوّل هذه القوى أرقام المسجلين وتوزعهم الطائفي والمذهبي والجغرافي إلى معركة مصيرية، فتعوّل على قرار المجلس الدستوري ردّ الطعن بهذه المادة تحديداً حتى ولو أرجئت الانتخابات الى أيار. وهي تراهن على أن الضغط الشعبي والدولي المؤيد لإجراء الانتخابات ولاقتراع غير المقيمين سعياً لتغيير خريطة المجلس النيابي، قد يكون عنصراً مؤثراً على «الدستوري».

وهذه القوى يمكن أن تحوّل قرار المجلس الدستوري بالطعن إلى معركة طاحنة سياسياً، بدأت الاستعداد لها مسبقاً، مبدية تخوفها من حجم التأثيرات السياسية من طرف واحد والتي قد تكون فاعلة لدى أعضاء المجلس، في ظل مقايضات سياسية فوق رأسه. لكن هذه القوى، بحسب أوساط سياسية تابعت نقاشات قانون الانتخاب حين أقرّ عام ٢٠١٧، تأخرت أربع سنوات في التعامل بجدية مع هذا الشق من قانون الانتخاب. والأكثر أهمية، أنها سبق أن تجاهلت ملاحظات أعطيت حول الاقتراح الذي أخذ به حينها، وأضيف الى القانون لتثبيت اقتراع غير المقيمين للنواب الستة.

حينها جرى التذكير بأن المادة ٢٤ من الدستور التي تتحدث عن تأليف المجلس النيابي في انتظار وضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي «توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية: أ، بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. ب، نسبياً بين طوائف كل من الفئتين. ج، نسبياً بين المناطق». أما قانون الانتخاب فنصّ في المادة 112 على أن المقاعد المخصصة لغير المقيمين هي ستة تحدد بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين موزعين كالآتي: ماروني، أرثوذكسي، كاثوليكي، سني، شيعي ودرزي. وبالتساوي بين القارات الست». وهذا يعني أنه إذا أريد قانون الانتخاب، كما أقرّ وبالفقرة المذكورة موضع الطعن الحالي، فإنه يتعارض مع الدستور. إذ لا يمكن اعتبار القارات الست المشار إليها مناطق لبنانية، بحسب المادة 24. وليس منطقياً أن يتم التعامل مع أوستراليا أو أوروبا أو آسيا كمناطق في الدائرة 16 بوصفها مناطق لبنانية كبيروت والنبطية وجبيل وزغرتا وجبيل. ولو أن القوى السياسية المعترضة اليوم على هذا البند قدمت طعناً حينها لدى المجلس الدستوري في هذا التعديل لكان المجلس أخذ به حكماً. وبغض النظر عن جوهر الاقتراع للمغتربين لستة نواب، عملاً بما تعتمده بعض الدول، فإن التعارض مع الدستور يبقى هو المحك الأساس.

وبحسب هذه الأوساط، فإن القوى السياسية التي توافقت في حينه على إقرار قانون الانتخابات على عجل، وقعت اليوم في المأزق الذي كان يمكن تفاديه، علماً بأن بعض الذين وافقوا على الفقرة على مضض، كانوا يعوّلون على تعديلها لاحقاً، فيما اعتبر المتحمسون للفكرة حينها أنهم يقومون بخطوة استثنائية «حضارية» تجاه المغتربين، من دون إيلاء النص عناية كافية، وتسابق الجميع الى الإشادة به في رحلته من الحكومة الى المجلس النيابي، حتى إن بعضهم دعا الى تطبيق فوري للمادة المذكورة في انتخابات عام 2018. لكن ما يجري اليوم من كباش حول الإعداد والتوزع الطائفي أظهر أن هذا البند هو أولاً وآخراً ملف خلافي آخر، لاستخدام أصوات غير المقيمين في لعبة التجاذب السياسي، وليس احتضاناً للمغتربين وحقهم الدستوري في الاقتراع.

مع تقديم الطعن بهذه المادة، أصبحت الكرة اليوم في ملعب المجلس الدستوري، لأن هذا الطعن هو الملاذ الأخير، ونهاية المطاف للدوران الذي يحيط باقتراع المغتربين منذ خمس سنوات. فهو بين قوة القانون والأخذ بالطعن بمواد في قانون الانتخاب الذي وافقت عليه الكتل النيابية حينها، وجرت الانتخابات عام 2018 على أساسه، وبين قوة الدستور، يستطيع أن يرجح كفة الدستور. رغم الحجة المعطاة التي اعتمد عليها التيار في مراجعته من «أن المشترع يكون من خلال التعديل الوارد في القانون المطعون فيه قد ألغى حقاً أساسياً مكتسباً، مكرساً لفئة محددة من اللبنانيين وتراجع عنه صراحة». لكن المشكلة في لبنان، ومهما كانت نيات أعضاء المجلس الدستوري الصافية أو تحكيمهم لمسيرتهم المهنية والقانونية، تبقى المكانة الأعلى للعبة السياسية التي هي نفسها أقرت القانون قبل أربع سنوات، وهي نفسها التي حذفت المادة المتعلقة باقتراع غير المقيمين، بتبريرات مختلفة، باطنها سياسي، وهي نفسها التي تطعن به اليوم لأسباب سياسية بحت، أو ترفضه بالمطلق، بعدما باتت تنظر الى أعداد المنتشرين بعين الريبة.