IMLebanon

“فائض قوّة” غير قابل للصرف حتى الآن!

كتب طوني كرم في نداء الوطن:

“قبع” المحقق العدلي طارق البيطار شرطٌ أساسي لالتئام الحكومة. أعلنها الثنائي الشيعي “المُرتاب” من مسار التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. “إرتياب” دخل صلب “المساومة” على العديد من الملفات القضائية والسياسية، ومعه صار فائض “قوة” الحزب على المحك. فهل يتحمل “حزب الله” المزيد من الإخفاقات؟

أغفل الرئيس ميشال عون مسألة امتناعه عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية المرفوع إليه موقعاً من وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم، منذ ما يقارب السنتين، قبل أن يعلن أمام نقيب المحامين ناضر كسبار وأعضاء مجلس النقابة أن “القضاء في لبنان ليس بخير وعلى الجميع العمل من أجل حمايته ومنع الضغوط على القضاة”. في إشارة مباشرة إلى الضغوط المتواصلة على المحقق العدلي لكف يده عن متابعة التحقيق، و”الحزب” مستعد لفعل أي شيء، لوقف هذا المسار، كما فعل لمنع إقرار قانون المحكمة الخاصة بلبنان في مجلس النوّاب وضرب صدقيتها.

والفارق بين الزمنين، أن تطيير التحقيق والمحقق اليوم، يترافق مع انهيار مؤسسات الدولة وسقوط مقومات الصمود الإجتماعي.

“الحزب” والخط العسكري

وحول المعضلات والمشاكل التي يعانيها القضاء كسلطة مستقلة ( مبدئياً) رأى الوزير ونقيب المحامين السابق رشيد درباس في حديث إلى “نداء الوطن”: “أن التمادي في تعطيل الإستحقاقات ساهم في تعطيل أدوات الدولة ومنها القضاء الذي أصيب مؤخراً كسواه من مؤسسات الدولة”، ولفت إلى “أن القاضي الذي يَفرض نفسه عند دخوله إلى معهد الدروس القضائية يجد نفسه مضطراً عند خروجه إلى الإنغماس في الطرق “الملتوية” التي تدار من قبل السياسيين من أجل الحصول على مركزٍ ما”. مشيراً إلى ان القضاء بقسم كبير منه يتأثر بالمحسوبيات والإنتماءات، كون التشكيلات القضائية بطبيعة الحال مرهونة بمرسوم يتطلب تواقيع القوى السياسية التي تعمد إلى تعطيل التشكيلات القضائية التي لا تخدم استدامة مصالحها.

وتوقف النقيب درباس عند الجرائم التي تحال إلى المجلس العدلي والمنصوص عنها في المادة 356 أصول المحاكمات الجزائية، مبدياً تأسفه التام لخروج النيابة العامة التنفيذية وقضاة التحقيق عن القانون (المادة 356). وإعتبر أن ابتكار إجراءات من خارج السياق استناداً إلى المادة 547 معطوفة على القصد الإحتمالي في “قضية المرفأ” أتى فقط من أجل إرضاء الغضب الشعبي والحدّ من النقمة على الطبقة السياسية والقضاء.

وأشار درباس، إلى أن سياق التحقيق “الخاطئ” في قضية “انفجار المرفأ” تتم معالجته عبر الأصول القانونية التي نصّ عليها القانون، مبدياً رفضه القبول والقيام بأي ضغوط سياسية على القضاء من أجل كف يد المحقق العدلي طارق البيطار. وقال: “في حال ثبوت خلل قضائي، يجب الإقدام على معالجة الخلل في القضاء وليس عبر طرق أخرى تقوم بها القوى السياسية”. وهذا كان مدار بحث مع الرئيس نجيب ميقاتي.

استقواء على القضاء

واوضح نقيب محامي الشمال السابق أنّ وكالته عن رئيس الحكومة السابق حسان دياب أتت بعد خروج ورقة الإحضار التي صدرت بحق الرئيس دياب عن “المنطق”، واصفاً ما يحصل في التحقيق بـ “الخطأ الجسيم”.

درباس الذي تقدّم من محكمة التمييز حسب الأصول القانونية، برفع دعوى أصليّة على الدولة اللبنانية، أشار أن محكمة التمييز ردّت الدعوى التي تقدم بها لأنه لم يستنفد كافة “الوسائل” ومنها تقديم دفوع شكليّة أمام القاضي طارق البيطار قبل الوصول إلى محكمة التمييز.

وأعلن درباس “أنه سيتابع المسار القضائي لتصويب عمل المحقق العدلي، عبر تقديم دفوع شكلية أمام القاضي البيطار، وفي حال ردّ الطعن، سيقوم درباس مجدداً بمداعاة الدولة. لافتاً “إلى أنّ إستقواء “حزب الله” على القضاء اليوم يأتي كنتيجة طبيعية لإنهيار الدولة، مبدياً تخوفه من إنهيار “الوطن”، وتقديم “اللبنانيين” هدايا للمتصارعين الإقليميين.

وعن الدعاوى التي يقوم بها “حزب الله” على خصومه في القضاء، رأى درباس أن جوهر المشكلة تكمن في إزدواجية السلطة في لبنان، واستخدام الحزب فائض قوته من أجل تعطيل المؤسسات.

الاحتلال… للأرض والقضاء!

بدوره، أوضح المحامي الدكتور أنطوان سعد لـ “نداء الوطن” أن التهديد المباشر الذي يمارسه “حزب الله على القضاء عبر إطلالاته المتكررة، يضعه في خانة المشتبه به أو الفاعل الحقيقي للجريمة.

ورأى سعد أن “الحزب” الذي يتعامل بإستنسابية مع السلطة القضائية، يعمد إلى مقاضاة خصومه السياسيين أمام قضاة “ينفذون” رغباته، وفي الوقت عينه يمارس شتّى أنواع التعطيل في حال خروج “قاضٍ” عن إملاءاته رافضاً التدخل في مسار التحقيق.

وأشار سعد الذي يتابع التحقيقات في ملفي خلدة وعين الرمانة، إلى أن السياق الذي يقوم به “حزب الله” يؤكد على أنّ المحتلّ لا يتوقف عند بسط نفوذه العسكري على مناطق معينة، إنما يحاول فرض نفوذه إدارياً ومالياً وإقتصادياً كما عبر القضاء.

ورأى سعد أنه على الرغم من الترهيب التي تتعرض له السلطة القضائية (في مكان ما)، فإن الأمل يبقى على القضاة الأحرار القادرين على قلب الطاولة على المنظومة السياسية ككل، بما فيها “حزب الله”، مشدداً على وجوب استعادة السلطة القضائية هيبتها وعدم الرضوخ أمام التهديدات التي تمارسها القوى السياسيّة.

“القاضي” على القضاء

من جهته، شدد المحامي والمدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونية” نزار صاغية، على أن النظرة إلى القضاء تختلف بين الشعب والسلطة. وأشار إلى أنّ الطبقة السياسية تسعى إلى ايصال القاضي المطيع إلى الوظائف الأساسية لضمان تلاؤم الأحكام التي سيتخذها ومصالحهم، في حين يتطلّع المواطنون إلى قضاة يضعون حدّاً لتجاوز السلطة للقوانين، ويضمنون تطبيق القانون على الجميع.

وإذ إعتبر صاغيّة أن نظرة القوى السياسيّة إلى القضاء تنمّ عن ثقافة الإستكبار السائدة بين جميع المكونات السياسيّة، أكّد أنّ هجوم السيّد حسن نصرالله الذي يعتبر نفسه الأقوى بين السياسيين، يكون دائماً الأقوى، ويشكل تدخلاً جرمياً في القضاء حسب المادة 419 من قانون العقوبات.

وبالنسبة لصاغية هذا التدخل ليس حكراً على “حزب الله”، موضحاً أن مستوى التدخل يتفاوت بين القوى السياسية والملفات المطروحة. بحيث يبدو جلياً هجوم “الثنائي الشيعي” على المحقق العدلي طارق البيطار، في حين تتولى جهات سياسية أخرى الهجوم على القضاة الذين يتابعون الملفات المالية المرتبطة بأموال المودعين والتحويلات المالية إلى الخارج.

وإذ شدد صاغية على أن القوى السياسية تريد أن يكون القضاء أداة في يدهم لمحاربة خصومهم وإلحاق الضرر بهم، رأى أن المشكلة تكبر مع السياسيين عندما يخرج قاضٍ ويرفض الإنصياع لإملاءاتهم، ما يؤدي بهم إلى حالة من “الجنون”، لإقدام أيّ أحد على تحدي النظام بأكمله.

وشدد صاغيّة على أنّ تدخل الأمين العام لـ”حزب الله” في القضاء يتخطى الإنتقاد المقبول في السياسة، لينصّب “نصرالله” نفسه قاضياً على القضاة عبر إطلالاته المتلفزة، وإعطاء شهادات حسن سلوك وتقييم لهم. وأوضح أنّ هذا الضغط يهدف إلى التأثير على كافة النظام القضائي من أجل قبع قاضٍ لا يريده “الحزب”، والتأثير على عمل قاضٍ آخر، وبالتالي تجاوز فاضح لحدود الإنتقاد المتاح، والوصول إلى التأثير المباشر على القضاء الذي يعد جريمة.

وعن نسف التحقيق في قضية المرفأ، أشار صاغية إلى أنه بدا واضحاً وجود بوادر لتكرار التسوية والمحاصصة بين السياسيين من أجل المقايضة على القاضي طارق البيطار مقابل ملفات أخرى قد تكون مرتبطة بالمصارف والإنتخابات وغيرها من العناوين… ليبقى السؤال والتحدي الأساسي عن كيفية تصدي “المجتمع” لهم.

ورأى صاغية أنّ نزاهة الإنتخابات ليست مرتبطة بإستقلالية ونزاهة السلطة القضائية فقط في لبنان، إنما ترتبط بعوامل أخرى منها الإنفاق الإنتخابي، والترهيب والتخويف بقوة السلاح في بعض المناطق، ما يشير إلى صعوبة الحديث عن إنتخابات نزيهة وديموقراطية في لبنان، تحديداً في ظل التدخل الواضح في القضاء. وشدد صاغيّة على وجوب خوض الإنتخابات من أجل كشف القواعد المغشوشة، والعملية اللا ديموقراطية في لبنان.

بين قوة الكلمة وقوة السلاح

من المتوقع أن يحضر رئيس “لقاء سيدة الجبل” الدكتور فارس سعيد إلى دائرة التحقيق في جبل لبنان يوم الإثنين بدعوى تقدم بها «حزب الله» ضد النائب السابق بتهمة إثارة النعرات الطائفية وإشعال حرب أهلية، والدعوى هذه حلقة من مسلسل التهويل الذي يمارسه الحزب في كل الإتجاهات، مرة على القضاء المستقل ومرة على السياديين. فأي نتائج سيحصد؟