IMLebanon

متحرّشون “بلا مخّ”… وCool!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

لا، لا… هو لا يفعل ذلك. لا أصدق كل ما يقال. هو رجلٌ كامل الأوصاف. ميسور، متعلّم، مثقف، ذو مكانة إجتماعية مرموقة. لا يمكنني أن أصدق. ننكر؟ نرفض؟ نشفق؟ نتابع؟ نغض النظر؟ أفكارٌ كثيرة تجتاحنا، ظنونٌ تخضّنا، تقلب كياننا كلما سمعنا عن فلان او علتان، ومن لف لفيفهما، ممن كشفوا عن “أنيابهم” ومارسوا أفعالاً “حيوانية”. أخبارٌ يشيب لها شعر الرأس ورؤوسٌ قد تكون “بلا مخّ”. إنه التحرّش. إنه المتحرّش. إنه بيت قصيد “روايات” هذه الأيام. فهل الذلّ حين يضرب في مكان ما يعمّ في كل مكان ويُصيب كل البلاد وكثيراً كثيراً من العباد؟

فلنحسم الأمر منذ البداية. لا ولن نُصدر أحكاماً بالبراءة او بالإعدام. لكن، من حقنا أن نسأل ونراجع ونستقصي ونستبين. فما يحصل في البلاد ليس قليلاً وتتالي أسماء من “يتحرشون” تفاجئ الكبير والصغير. فهل نظلمهم في مكان؟

آخر عنقود المتهمين المعلنين بالتحرّش الغطّاس يوسف جندي. هو كابتن. هذا ما يُطلق عليه. وفي المناصب يشغل موقع مدير المركز اللبناني للغوص. يُقال، بحسب ست شهادات لصبايا، أنه اصطحبهن الى عمق بحر صور وقام بلمس أجسادهن خلافاً لرغباتهنّ. هو اتهام بشع. هو أكثر الإتهامات فظاعة. نصدّق؟ فلنتريث ونتصل به:

– آلو، الكابتن يوسف الجندي؟

من يريده؟

– نداء الوطن.

نعم، تفضلي؟

– كابتن أنت متهم بالتحرّش الجنسي؟

ماذا قلتِ… لم أفهم

– ألم تسمع باسمك مدرجاً من قِبل صبايا ذكرنَ أنك تحرشت بهن؟

هي صبيّة واحدة وتراجعت عن أقوالها وانتهى الموضوع.

– لا، هنّ صبايا عديدات؟

متل ما بدك، صبايا وتراجعن عن أقوالهنّ.

– لماذا قلن ما قلن إذا كان الأمر غير صحيح؟

فيكِ تسأليهن.

– أنت، ألم تسأل نفسك هذا السؤال؟

المسألة معقدة ولا تُحلّ في الإعلام فعذراً لن أتكلم أكثر. (إنتهى الإتصال)

غريبٌ أمر “المتهم” حتى إثبات العكس. يتكلم وكأن شيئا لم يكن. نراقبه عبر صفحات السوشيل ميديا فيبدو، في آخر مشاركاته، هادئاً، غير مبالٍ، يوزع “القلوب الحمراء”. فهل هو براء من الإتهام الذي وُجّه إليه أم هو يستخدم أسلوب الإنكار وإنكار الخطيئة معناه ارتكابها مرتين؟

ليس سهلاً أبدا توجيه تهمة التحرش الى أيٍّ كان. فكيف إذا كان المرء شخصية معروفة، لها باع طويل في الشأن العام على اختلاف المشارب؟ في كل حال، كل الأنباء تشير الى أن “المتحرش” قد يكون في كل مكان. والسؤال البديهي هنا: من أين امتلكت “الضحايا” كل تلك القوة لينتفضن في آن واحد كما “حبات السلسلة” للإعلان عن تعرّضهن للتحرش؟ سؤال آخر، هل الأنثى وحدها ضحية أم أن هناك رجالاً ضحايا أيضا؟

سامريات منوّعة

أستاذ التربية والإنسانيات، “المربي”، سامر مولوي متحرّش أيضا. تلاميذه إعترفوا واعتصموا وطردوه. والسوشيل ميديا امتلأت بأخباره. وزملاؤه في الجامعة وفي التعليم بدأوا يحللون في صفاته “كان خجولاً، لا أحد يسمع صوته، لديه ثلاثة أولاد، زوجته وشقيقته في سلك التعليم أيضاً. يسكن في شقة فخمة. راتبه 2250 دولار على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة (يعني 120 دولاراً اليوم). لديه مجموعات على الواتساب باسم سامريات. طالما عانى من صعوبة “التجغيل” وإرضاء غرور البنات. كان يبدو مهذباً. وكان غريب الأطوار قليلاً… في المقابل هناك من راح يتوغل في نفسية المتحرّش وهو يحكي عنه. كل الناس حكوا عن المتحرشين من خلال الأسماء التي تتالت أخيراَ: “التحرش مرض نفسي علمياً وهو جريمة إجتماعياً”.

فلنحلْ السؤال الى الإختصاصي في علم النفس أنطوان سعد لنعرف عن “قوة الصبايا الناجيات” ونفسية المتحرش الذي يفترض أنه يمتلك كل القوة ونراه في أقصى ضعفه. يتحدث سعد عما نراه و “نقرف” منه بالقول: “هناك فئة من التحرّش تندرج في خانة السلوكيات المرضية وفئة أخرى في خانة السلوكيات غير المرضية”. فماذا يعني ذلك؟ يجيب: “هناك نوع يسمى sexual abuse أي الإستغلال الجنسي أو التحرّش ويمارسه غالبا من يتمتع بالقوة على ضعفاء. أستاذ المدرسة ربما على تلميذاته أو رب العمل على عاملات يحتجن الى البقاء في عملهن. هذا المتحرّش قد يكون يعاني، حتى لو كان مثقفاً وواعياً إفتراضياً، من الجنوح الجنسي. هو يريد ان يفرض رغباته الجنسية بطريقة ملتوية على شخص آخر مستخدماً الترغيب والترهيب”. هنا نتذكر قول إحداهن ان سياسياً لبنانياً انقض عليها وحين امتنعت وأبعدته سألها عن ماركة سيارتها وعمرها (للإيحاء باستعداده لشراء سيارة جديدة لها) يُحدثون ضجة كبيرة حين تُفشى أفعالهم لأن الناس يكونون يعرفونهم، وحين يعرفون أكثر، عمن يعتبرونهم “أيقونات” ،عن أفعالهم الشاذة يأتي الوقع أكبر. هؤلاء يتمتعون بخلطة نفسية بيولوجية غريبة وهورمونات معينة أو ربما ضعف في النفسية، في التركيبة البيولوجية، وبمكونات مرضية فيريدون ان يثبتوا لأنفسهم بتمتعهم بقدرات سلوكية معينة تجعلهم يقومون بسلوكيات ولذات معينة مستخدمين مواقعهم الإجتماعية وسلطاتهم المهنية والوظيفية على أشخاص يتبعون لهم تسلسلياً في الوظيفة والمرتبة والمكانة. وهذا ما يجعل الأمر أسهل لهم”. هم يفعلون ما يفعلونه مستخدمين ما يعتبرونه “قوة فائضة” لديهم ونحن حين نعرف بهم نُصعق.

سؤالٌ آخر يحيّرنا: هل هؤلاء يكونون طبيعيين في عائلاتهم؟ يجيب سعد “نعم، ونادراً ما قد يظهر عليهم أنهم قد يمارسون أفعالاً مشينة وتحرشاً بالأشخاص الأقل ضعفاً”. هل هؤلاء شخصيات مرضية؟ “بالتأكيد، هم شخصيات مرضية ويعانون من إضطرابات في الشخصية او من إضطرابات في القدرات الجنسية”.

تحرّش بكل الإتجاهات

هل نفهم من ذلك أنهم لا يكونوا قادرين على لجم اضطراباتهم والتفكير بتاريخهم وأسرهم وحضورهم وعواقب ما يفعلون؟ يجيب الأستاذ في علم النفس “لا، لأنهم يكونون تحت تأثير هواجس تظهر في شكلٍ إنفعالي على شكل تصرفات وسلوكيات مثلها مثل الكلمة، التي حين تخرج من الفم لا يعود ممكناً التراجع عنها” ويستطرد سعد بالقول: “الملفت أن الكثيرين حين يسمعون بشخصية ما، شخصية معروفة، قامت بعمل شائن يسارعون للقول: “لا، لا، ولا ممكن ذلك”، مع العلم أن 9 من كل 10 رجال لديهم إستعداد للتحرش. أما النساء فقد يتحرّشن أيضا بالرجال لكن بنسبة أقل. سلوكيات المرأة في هذا الإطار تكون عاطفية على غرائزية. أما سلوكيات الرجال فغرائزية” يضيف سعد “الأمراض والإضطرابات الشخصية تملأ البلد. وما نراه علناً ليس شيئاً أمام حقائق كثيرة غير ظاهرة. هناك أشخاص يظهرون في غاية الأخلاق لكن إذا ركّزنا كاميرا خفية عليهم نرى الأعاجيب. سنرى إذا فعلنا ذلك مشهدين مختلفين تماماً”.

ماذا عن طبيعة من يتحرشون بالأطفال؟ يجيب سعد: “التركيبة النفسية الغرائزية والسلوكية مرتبطة بالتجارب الأولية في الحياة. فكلّ ما يمرّ به الشخص في طفولته يوجه حياته. فمن عانى من الاستغلال في طفولته من الممكن جدا أن يكبر مدافعاً عن الضحايا أو أن ينتقم مما حدث معه بالقيام بنفس الممارسات المرضية”.

هل هذا معناه إستحالة تجاوز ما يحصل في الطفولة؟ الغريزة، بحسب سعد، تغلب. وإذا كان الشخص واعياً على حاله وقرر السيطرة على نزواته فعليه أن يطلب المساعدة. ونسبة من يطلبون ذلك لا تتعدى 10 في المئة. ويسمون أصحاب نزوات غير مقبولة في حين أن هناك من يتأقلمون مع نزواتهم. ويعود ويكرر الإختصاصي في الطب النفسي “نحن لسنا قديسين وتركيبة الإنسان نصفها خير ونصفها شرّ، وإحدى هاتين التركيبتين ستغلب. وما يجهله كثيرون أن من يتمكنون من العمل على حالهم “قلال” جدا فالوعي لديهم يكون محدوداً ويكونون غالباً خجولين”.

 

بالنسبة الى الفتيات اللواتي يكسرن الصمت ويتكلّمن فقد يبالغن أحياناً، ومنهن من تتخيّل أموراً لم تحصل، لذا لا يمكن الإعتماد على مصدر واحد للمعلومات، بل يفترض أن يحصل ذلك على فترة زمنية كافية. في المقابل، حين تتجرأ الضحية وتتكلم تشجع سواها وهذا ربما ما حصل في لبنان في الآونة الأخيرة. ثمة فتيات كثيرات تكلمن، كتبن، اعترفن وهذا ما جعل أسماء كثيرة تدخل الى لائحة المتحرّشين.

التحرّش جريمة. القانون يعاقب. المتحرشون كثيرون في بلاد تتوالد فيها الأزمات على وقع الساعة. فهل بات لزاماً إضافة ظاهرة التحرّش الى أزمات لبنان التي “تفقع” نزولاً وصعوداً في وجه البلاد والعباد؟