IMLebanon

هل يكسب عون من انتقاد “الحزب”؟

كتب عمَار نعمة في “اللواء”:     

يجهد رئيس الجمهورية ميشال عون لإنقاذ عهده، او ما تبقى منه، خلال سنته الأخيرة في الحكم وهو وأنصاره يعلمون مهما كابروا، بأن العهد لم يكن على مستوى آمالهم وشابه التعثر وصولاً الى الفشل في مقاربة الكثير من القضايا.

فالسنة الأخيرة من عهد السنوات الست، أو لنقل الفترة الثانية من كل عهد، قد تُرسِّخ، في حال تحقيقها بعض الإيجابيات، صورة تعديلية اكثر قبولا قد تحفر في ذاكرة الأجيال المقبلة وفي كتب التاريخ

ففي عهود عديدة ماضية شكلت فتراتها الختامية نقطة تحوّل في الحكم عليها. واذا تناولنا بعضها بعد الاستقلال العام 1943، نرى مثلاً ان بطل هذا الاستقلال بشارة الخوري نفسه تعرضت صورته للتهشيم لدى الاجيال عند تمديد ولايته ذات السنوات الست ما انتهى الى عدم اكماله اياها في العام 1952 بعد تمريره نصفها على اثر معارضة شعبية وسياسية عريضة.

ونذكر هنا رئاسة كميل شمعون التي اتسمت، بعد ازهار اقتصادي، بثورة شعبية عليه وبتزوير للانتخابات فغادر القصر الرئاسي مرغماً، وإن استمر لاعبا رئيسيا في السياسة اللبنانية وليس على غرار بشارة الخوري الذي انتهى فعلياً في اداء دور محوري في تلك السياسة مع إسقاط حُكمه.

كما نذكر من العهود التي باتت محط سخط اللبنانيين ذلك المتعلق بالرئيس سليمان فرنجية الذي حلّ بداية بطلا لدى كثيرين في العام 1970 في انتخابات رئاسية بفارق صوت واحد في وجه المرشح الشهابي الياس سركيس، قال كثيرون إنها الانتخابات الرئاسية الديموقراطية الوحيدة التي تمّت محلياً بين النواب اللبنانيين (طبعاً لم يكن الأمر كذلك).

فقد رفع فرنجية شعار محاربة حكم المخابرات اللبنانية او ما كان يعرف حينها بـ«المكتب الثاني» الذي ازدهر في مرحلة الحكم الرئاسية لفؤاد شهاب بين العامين 1958 و1964، ثم في عهد شارل الحلو بين 1964 و1970، برغم ان الحلو الذي كان وديعة شهابية في الحكم في مرحلته الاولى عاد وتمرد على «النهج» أي الحكم الشهابي، في مراحله التالية في الحكم.

ويذكر التاريخ ان اندلاع الحرب الاهلية في العام 1975 جاء قبيل نهاية عهد فرنجية، الذي اتخذ في ايامه الاخيرة اصطفافا في الحكم الى جانب اليمين المسيحي، ليسلّم الدفة الى سركيس نفسه في العام الذي تلاه. ويُفسر سوء إدارة فرنجية لما حدث عدم الحماسة الشعبية والسياسية التي قابل بها اللبنانيون محاولة فرنجية نفسه العودة مجددا الى الرئاسة في العام 1988 وكان حينها قد لامس الثمانين من عمره.

طبعا تتوجه المقاربة هنا الى العهود التي طغت على تقييمها فتراتها الأخيرة، سلباً أم ايجاباً، وليست فقط العهود التي شابها في الأصل الفشل نتيجة ظروف ذاتية لرئيس الجمهورية او اخرى ايضا موضوعية كعهدي الياس سركيس بين العامين 1976 و1982 وأمين الجميل بين 1982 و1988.

وفي مرحلة ما بعد الطائف دفع الرئيسان الياس الهراوي وإميل لحود ثمنا شعبيا لقبولهما تمديد ولايتهما، الاول حكم في الرئاسة بين 1989 و1998 ويعود إليه بعض من نجاح بناء الدولة بعد الحرب الأهلية، والثاني بين العامين 1998 و2007 ويعود إليه بدوره فضلاً في محاولة ترسيخ عهد مؤسسات بعد توحيده الجيش اللبناني على أثر انقسامه طائفيا..

من هنا تتسم المراحل الاخيرة من كل عهد بما يمكن ان يطلق الحكم النهائي عليه، لكن الرئيس ميشال عون يريده تطورا إيجابياً يخرق ليل عهده، وهو يؤكد أنه سيغادر قصر بعبدا مع فتحه باب الاحتمالات حول البقاء على مصراعيه، تلميحا في هذه الآونة، وتأكيدا ربما في مراحل أخرى.

لكن النيّة هذه تبدو جد صعبة في سنته الأخيرة في الحكم، وهو ما يثير حنقه كما توتر مناصريه نتيجة عجزه عن ذلك ناهيك عن الحكم الفعلي في ولايته حيث لا صلاحيات كبرى لديه بعد اصلاحات اتفاق الطائف، اضافة الى محاربته من قبل أخصامه وعدم وقوف حليفه شبه الوحيد معه في المفاصل الرئيسية لحكمه، أي حزب الله»، كما يشير من حوله.

في الأيام الماضية (وفي غيرها قبلاً)، سمّى عون الحزب مباشرة منتقدا إياه لعرقلته المسار السياسي في البلاد وعدم عقد الحكومة التي تبدو البلاد في حاجة ماسّة لها في هذه الظروف.

حتى أنه وجّه هذا الانتقاد لحليفه من دون ذكر خصمه الاهم في افشال عهده كما يعتبر مناصروه، رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهذا بات أمرا مسلماً به كون الاخير أقسم على ذلك منذ اعتلاء عون سدة الحكم.

كان عون بسيطا ومباشرا في انتقاده الحزب في الموضوع الخلافي الكبير المتعلق بالتحقيق في قضية المرفأ من قبل القاضي طارق البيطار، والمشكلة تتمثل في تعَمُّد تعطيل الحلول وعدم فصل المسار القضائي في التحقيق عن ذلك السياسي ما يؤدي الى تعطيل الحكومة التي انتظرها اللبنانوين طويلاً.

أشهر معدودة تبقى على نهاية عهده الرئاسي، وفي الفترة التي يبدو في أمسّ الحاجة الى المساعدة، لا يعمد الحليف الى فتح ثغرة كبرى في جدار التعطيل في البلاد الذي قد يتخطى زمنيا نصف عهده وسط الازمة الاقتصادية الاكبر في تاريخ لبنان.

طبعا ليس الحزب وراء كل مدة التعطيل تلك، لكنه حسب رئيس الجمهورية وانصاره وخليفته رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لم يشكل عاملاً مساعدا في حكم رئيس الجمهورية، والشكوى دوما ان الحزب لم يناصر عون على حساب بري في خلافهما الابدي الذي تعود بدايته الى الثمانينيات وخاصة خلال تعاركهما عسكريا في حرب التحرير العام 1988، والتي للمناسبة، اشترك فيها الحزب مقاتلا عون، حليف اليوم عدوّ الأمس، ثم اتخذ الخلاف بين عون وبري اشكالا متعددة خلال مرحلة نفي عون الطويلة في فرنسا معارضا للحكم الذي شكل بري احد اعمدته الرئيسية، قبل عودة «الجنرال» حين لم تتخذ العلاقة بين الجانبين منحى ايجابيا يطوي صفحة الماضي بين الرجلين.

ويرى العونيون ان «حزب الله» الذي يُقرّون دوره الرئيسي في ايصال عون الى الرئاسة، لم يفعل شيئاً في معارك الاخير ضد منظومة الحكم التي لم يشارك فيها الحزب سوى مؤخراً وعلى مراحل. وقد تغاضى الحزب عما يمكن ان يشكل دعامة لعون خاصة في السنتين الاخيرتين، ومن ذلك التغاضي مؤخرا الوقوف متفرجاً أمام مماطلة الزعيم «المستقبلي» رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تشكيلها، فكان الزمن الضائع أحد اسباب فشل العهد ما أثار التوتر في اوساط العونيين.

وكأنه لم يكفِ كل هذا الإهدار من الزمن لتتعطل الحكومة اليوم على خلفية موضوع جد حساس هو التحقيق في انفجار المرفأ حيث يحتفظ الحزب بموقف متشدد تجاه المحقق العدلي طارق البيطار.

لا يستطيع العهد حتى لو أراد، مجاراة مطلب ضرب المحقق العدلي كون المأساة تتخذ منحى مسيحياً صارخاً، برغم ان الكارثة أتت على جزء وازن من املاك المسلمين سنة وشيعة، وارواحهم، وضربت بيروت عاصمة اللبنانيين جميعا.

لذا فالموضوع في هذه اللحظة غير قابل للعلاج، ويمكن اضافته الى لائحة القضايا الخلافية التي لم تكن آخرها تلك المتعلقة باستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي التي أيدها العهد وعارضها الحزب، أو قضية عمالة اللاجئين الفلسطينيين التي استجدت اخيرا حين خرج وزير العمل المحسوب على الحزب لتوسيع هامش عمالة الفلسطينيين، بينما يقف التيار الحر جانبا لا يخرج عن النظرة المسيحية التقليدية المواجهة للفلسطينيين تاريخيا وهو التيار الذي صاغت جانبا منه تيارات مسيحية يمينية تقليدية معادية للفلسطينيين باتت اليوم جزءا من التاريخ..

في كل الاحوال ثمة من يسعده مشهد الخلاف هذا، ويذهب الى اعتبار ان تفاهم مار مخايل يلفظ أنفاسه الاخيرة والذي سيطفىء بعد أسابيع شمعته السنوية الـ 16.

لكن نظرة واقعية للأمور تشير بوضوح الى ان سقوط التفاهم بعيد المنال، ولكنه في المقابل يحتاج الى الكثير من المراجعات الجديّة والصريحة والتي لم تحصل حتى اللحظة برغم كل التصاريح حول تحديث ذاك التفاهم، لا سيما ان المواد الخلافية تتكاثر يوم بعد الآخر وقد يضاف عليها غيرها في المستقبل..

على ان مشاكل عون لا تقتصر على كل ذلك، فقد عادت الى العلن مشكلة تنازع الصلاحيات مع رئاسة الحكومة التي شابت علاقته مع الحريري ومع الرئيس حسان دياب. واليوم يرى العهد ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «المرتاح على وضعه» يتصرف وكأنه يملك ترف الوقت. يرمي كرة عقد الحكومة لدى ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، يشرع في اتصالات دولية وعربية، يُحضّر للانتخابات من دون اعلان خوضها، يتعاطى على اساس وراثة الحريرية السياسية، يريد مصالحة الجميع وفي الوقت نفسه عدم المواجهة مع احد بمن فيهم عون نفسه.

ومع هذا الخلاف الذي ما زال مُسيطرا عليه مع ميقاتي، يتضح ان عون يواجه اليوم جميع الكبار ويفتقد للسند، على ان ثمة من يعتبر انه لن يخسر «حزب الله» بينما قد يفيده الخلاف معه مسيحيا لاستعادة بعض ما فقده شعبيا تحضيرا للانتخابات النيابية.

هنا ثمة مواجهة ستكون الاكبر منذ اولى المواجهات بعد عودة عون من المنفىالعام 2005.

يعلم عون وباسيل ان «التيار الوطني الحر» تراجع دراماتيكيا، الا ان اوساط التيار تؤكد ان رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي زايد مسيحيا وتمكن من اكتساب عطف المسيحيين كثيرا بعد احداث الطيونة – عين الرمانة، سرعان ما سيتراجع بعد هدوء الأنفس ومرور الوقت.

وبالنسبة الى اخصام العهد في الشارع المسيحي من حراكيين، فهم لن يقاسمونه حصته بل حصة القوات، كما يؤكد التياريّون، لذا فالمعركة هي بين المسيحيين التقليديين والمجتمع المدني والحراك. وهكذا يُظهر عون وباسيل الهدوء قبل الانتخابات النيابية خاصة وانهما ياملان بأن «حزب الله» قد يسلّفهما مقاعد نيابية بديلة عن التي سيخسرونها.

والأمل هنا بمقاعد مسيحية اضافية او الحفاظ على تلك الموجودة، كما في بعلبك الهرمل وحاصبيا مرجعيون وبيروت الثانية والشوف وعاليه وحتى كسروان جبيل حيث يمكن للطرفين الإفادة من تحالف غاب في الانتخابات الماضية وأدى الى أذيّة الحزب قبل التيار.

هذا يشير الى ان العهد والتيار لم يتخذا قرارا بالقطيعة مع الحزب، فلا مصلحة لهما بذلك، ويشبِّه أحد المراقبين للحالة المسيحية انتقادات العهد المتصاعدة للحزب بـ«النّق» أو حتى بـ«النكد» السياسي، فهي إذاً «فشّة خلق» ليس أكثر بعد كل ما قدمه عون وباسيل للحزب لا سيما بعد ذهاب الاخير ضحية عقوبات أميركية وجّهت له ضربة في الصميم.

وقد تشهد الفترات المقبلة انتقادات اخرى واكثر جرأة تُعبِّر من ناحية عن مرارة من اداء الحزب، ومن ناحية اخرى تستميل مشاعر مسيحيين كثر ضاقوا ذرعا بـ»انحياز» الحزب، الذي يحتفظ بدوره بانتقادات للعهد في الأروقة المغلقة، الى حليفه الشيعي بري.

وعلى المدى القريب سيمتثِل الكباش على مستوى الصلاحيات والتوقف عن توقيع المراسيم الجوالة والموافقات الاستثنائية وحتى رفض عقد دورة استثنائية للمجلس النيابي، وقبل ذلك في دعم القاضي البيطار في تحقيقه، وعلى المدى الطويل، وهذا الأهم، سيكون دعم الحزب لباسيل رئاسيا المنحى الأساس الذي ستتخذه العلاقة بين الجانبين، وعندها يمكن الحديث جدّياً عن مستقبل تفاهم مار مخايل.