IMLebanon

أعياد لبنان… بيوت باردة وشوارع هجرتها الفرحة

كتبت أنديرا مطر في القبس:

في ركن من غرفة المعيشة المتواضعة، وضعت وفاء رزق (ربة منزل وأم لاربعة أبناء) شجرة صغيرة، زيّنتها ببضعة كرات ملونة، وعلى الرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة، أصرت وفاء على تحضير أجواء الاحتفال بالعيد، من أجل أولادها، كي لا يشعروا بالحرمان.

في شهر كانون الاول، قبيل عيدَي الميلاد ورأس السنة الجديدة، تلاشت مظاهر الفرح والاحتفال في لبنان، نتيجة الظروف الاقتصادية والأزمة المعيشية.

تقول وفاء لـ القبس إن الشجرة طبيعية، أحضرها زوجها من أحد الأحراج القريبة من مكان عمله، لأن أرخص شجرة ميلاد صناعية تخطى سعرها مليون ليرة في السوق، بما يوازي نصف راتب زوجها، العامل في أحد مصانع الألمنيوم.

وتضيف: «قبل سنتين، كنت أُمضي أسبوعاً في التسوّق وتزيين الشجرة وإعداد وليمة العيد. أما هذه السنة، فأعددت كل شيء في ساعة فقط، كأني أقوم بواجب مفروض عليّ، دون فرحة ولا أجواء احتفالية. لم أشتر أدوات الزينة، لأن طعام أولادي أهم. حتى هذا الحطب الذي يحوّط المغارة والشجرة اقتصدت في استخدامه، لأنني سأحتاجه للتدفئة، بعدما حوّلت مدفأة المازوت إلى مدفأة حطب، بسبب ارتفاع سعر المحروقات، فصفيحة المازوت التي كنا نشتريها قبل عامين بـ 13 ألف ليرة يبلغ سعرها اليوم 320 ألفاً».

عدد من ربات البيوت اللاتي التقتهن القبس لسؤالهن عن تحضيرات العيد، قلن إن البهجة هجرتهن منذ أصبحن يحرمن ابناءهن من أكلة يشتهونها، أو لباس يتمنون شراءه.

وقالت إحداهن إنها تفكر منذ أيام بوضع علب هدايا فارغة تحت الشجرة، كي لا ينتبه أولادها إلى الحال التي وصلوا إليها.

دعوة سعيدة

الجندي في الجيش ميلاد سمعان، أب لثلاث بنات، اثنتان منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، راتبه مليون و750 ألف ليرة، أي ما يعادل 60 دولاراً، يوزعه بين فاتورة المولد التي تخطت الميلون، مع ارتفاع أسعار المحروقات، ونفقات الطعام اليومية.

يقول ميلاد إنه يضطر أحياناً إلى ترك سيارته في المنزل، لعدم قدرته على تعبئتها بالبنزين، ويتوجه إلى مركز عمله سيراً على الأقدام، أو بصحبة أحد زملائه، ليوفر بدل النقل.

انفرجت أسارير زوجته ريتا وهي تخبرنا أنها مدعوة وعائلتها ليلة الميلاد إلى منزل والدتها التي تعيش وحيدة، بعدما تزوج كل أبنائها. اثنان منهم يعملان في قطر وكندا، ما يسمح لها بدعوة عائلتها إلى وليمة فاخرة «بفضل ما يصلها من دولارات المغتربين»، تقول ريتا وهي تبتسم.

وتضيف: «منذ أشهر لم أقصد الجزّار في الحي. توقفنا عن أكل اللحوم منذ أن أصبح سعر الكيلو مئة ألف ليرة. أسمع من جاراتي أنه ارتفع اليوم إلى 250 ألفاً، وأتظاهر أني لا أسمع».

نعيش بالممكن من الأشياء، وكل ما لا قدرة لنا على شرائه بات من الكماليات بالنسة لنا. أنام وأصحو وأنا أردد: «يا رب استر فقرنا بالعافية. أصلي كي لا يمرض أحدنا، لأننا قد نضطر إلى بيع السيارة للاستشفاء. حتى ثياب العيد حذفناها من قائمة المشتريات هذا العام، وسنستعين بثياب اشتريناها السنة الماضية، ولم نرتدها بسبب الحجر الذي فرضته جائحة كورونا».

بهجة على استحياء

اللافت أن بهجة الأعياد وزينتها حضرت بخفر داخل البيوت، وغابت بشكل شبه تام عن الشوارع الرئيسية.

قبل عامين من الأزمة الاقتصادية كانت شوارع العاصمة والمدن اللبنانية تتلالأ بالأنوار وبصنوف من الزينة، تنافس فيها عواصم العالم الكبرى. أما هذا العام، فقد طغت العتمة والوحشة على الشوارع، التي خلت من روادها، ومن الحركة، مع بدء ساعات المساء الأولى.

وقبل أسبوع من موسم الأعياد تفتقد بيروت زحمة أسواقها. مشهد اكتظاظ الشوارع بالسيارات عشية العيد كان محل شكوى وتذمر دائمين للبنانيين، الذي يعلقون ساعات في طوابير السيارات على الطرقات.

الزحمة المعهودة في المحال التجارية تحولت إلى حركة خجولة مع تدني القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين، حتى أن كثيراً من أصحاب المحال أقفلوا مع بدء الأزمة المالية لعدم استطاعتهم تأمين الإيجار ورواتب الموظفين.

العابر سيفتقد الإعلانات الضخمة التي كانت تهيمن على مساحات واسعة من الشوارع الرئيسية، وتروج للعطور والمجوهرات والأطعمة الفاخرة التي ترافق الأجواء الاحتفالية. هذه كلها اختفت لأن زبائنها فقدوا قدرتهم على الاستهلاك، وحلت محلها إعلانات لشركات تحويل الأموال.

يقول كاتب لبناني لاحظ كيفية انتظام اللبنانيين أمام شركة تحويل الأموال إن هذه الشركات حلت محل خزينة الدولة، وبات يحق للمغتربين انتخاب 100 نائب وإبقاء 28 فقط للمقيمين في لبنان. ويحق لهم تشكيل حكومة وإدارة البلد من المهجر، مردفاً: ألا يدير سياسيونا البلاد من المهجر أيضاً؟.

في أزمة لبنان الحالية وحدهم المغتربون وتحويلاتهم ينجون مئات آلاف الأسر اللبنانية من العوز، وفي موسم الأعياد تتجه الأنظار مجدداً إلى المغتربين القادرين على ضخ الحياة مجدداً في شرايين القطاعات المتهالكة، كما حصل في الصيف الماضي، مع تدفق مئات الآلاف منهم إلى لبنان.

الأمين العام لاتحاد النقابات السياحيّة جان بيروتي يتوقع نسبة حجوزات مهمة في عيد الميلاد «باعتبار أن نسبة كبيرة من المغتربين تأتي لقضاء الأعياد مع الأهل. أمّا ليلة رأس السنة، فالأمور رهن بالعوامل المناخية والثلوج التي من شأنها أن تنعش الحجوزات».