IMLebanon

زينة الميلاد… بلديات تتحدّى وأخرى تنحني

كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”: 

شجرة الميلاد. وعليكم السلام. بهذه الروحية ومن منطلق “همّ وشلناه عنّا” تتصرف بعض البلديات مع مواطنيها، فلا تتعذب حتى لتنير الشارع، او لتغير ملابس “بابا نويل”. جونية، التي كانت تعد عاصمة كسروان، من المناطق التي لا تريد الا ان تدشّن مركزاً جديداً لشجرة حزينة على مدخل المدينة من الخط السريع في حارة صخر. هذه الشجرة التي تنقلت مراراً من شارع مرفأ جونية، بعدها تمركزت في ملعب فؤاد شهاب احتلت مكاناً آخر لها وانتهى الامر عند هذا الحد وكأن سيناريو بـ”نص جونية”، المعرض الصيفي، الذي افتتح رئيس بلدية جونية جوان حبيش ولايته به، الذكرى الوحيدة التي سيخلّدها له مجلسه البلدي في سجله. والسبب؟ جلسات المجلس البلدي لم تفضِ خلال العامين المنصرمين الى اضاءة لمبة ولا تنفيذ أي وعد من الوعود لتكون العلة الوحيدة: الوضع!

جونية ليست اليتيمة بالـ”خاطر” المكسور فالدكوانة تحذو حذوها. رئيس البلدية أنطوان شختورة فضّل مساعدة المواطنين بدل صرف المال على النشاطات.

ولكن الأزمة لا تطال كل البلديات الأخرى. فثمة بلديات أصرت على تخطيها رغم كل الصعوبات. فبلدية جبيل برئاسة وسام زعرور استضافت معرض النبيذ الساخن المجاني الأول في لبنان يومي الجمعة والسبت المنصرمين فحضر اكثر من خمسة آلاف شخص وذلك في الهواء الطلق قرب الشجرة الذي يجاورها تمثال لجمعية “ابعاد” لمناهضة العنف ضد النساء كقضية إنسانية تعتنقها البلدية. هكذا وبين كل الزوار الفرحين بالاضواء ونفس العيد تتجول كل خميس، جمعة، سبت، واحد فرقة موسيقية متنقلة. نجح زعرور بتحقيق شعار هذا العام “ايد بايد منحتفل بالعيد” بالتعاون مع لجنة مهرجانات جبيل وتجار المنطقة الذين نظموا معرضاً ميلادياً في السوق القديم إضافة الى نشاط في الشارع. هذا الشعار سببه مساهمة تجار جبيل في التمويل، ويخبر كيف انه بجهد شخصي جال على فاعليات المنطقة وكانت مساهمة مادية منهم. بعد عامين من تنغيص فرحة العيد، اللبنانيون بحاجة الى التجديد والتعبير وذلك لكسر الجمود في حياة المواطن على حد تعبيره. مشهد المدينة التي تعج بالناس ورواد المطاعم يبث الامل، امل بشئ ما لدى اللبنانيين. تسأل احدهم في جبيل ما هو؟ فيجيب: ولادة المسيح! ومن مذود ميلاد المسيح ورمزيته اصرّ رئيس بلدية زوق مكايل ايلي بعينو، هذا العام الحفاظ على التقليد السنوي عند كل اول كانون الأول بافتتاح الشجرة المرافقة للمغارة مع سلسلة من النشاطات المجانية في بيت الشباب والثقافة من ريسيتال، معرض للرسم ومعرض للكتب للشبيبة خلال هذا الشهر. هذه الحركة التي بدأ بها بيوم تذوق للنبيذ مع تقليل عدد الحاضرين خوفاً من كورونا كانت مجانية، تمكن من القيام بها عبر التواصل مع شركات نبيذ. يقدر بعينو القدرة الشرائية المعدومة لدى أهالي المنطقة ليكون الهدف من استقطاب أهالي الزوق الى بيت الشباب والثقافة “التنفيس عن المواطنين مجاناً”.

من البلديات الناشطة ابداعياً البترون هذا العام التي اختارت شعاراً لها: “البترون عاصمة الميلاد” التي انطلق العيد منها منذ خمسة عشر يوماً. تلك المنطقة التي أصبحت كالجزيرة النائية الأوروبية عن المناخ المتشنج للبنان تمتهن الـ “أهلاً وسهلاً” على حد تعبير احد الفاعلين سياحياً فيها. تقفل الزحمة الى البترون تخوم المدينة، اذ يصل عدد الزوار اليها في عطلة نهاية الأسبوع الى خمسة وعشرين الف شخص فيتجمعون في الأسواق القديمة، وساحات الكنائس المزروعة بمنازل خشبية صغيرة، أي “الكيوسك” لبيع المنتوجات البترونية: من صناعة يدوية او حرفية او مواد غذائية. هذه المنازل الصغيرة المصنعة حديثاً تكلفة كل منها قرابة الالف دولار تبرع بها أحد المقتدرين من البترون وقد أراد الساهرون على “البترون عاصمة الميلاد” من بلدية البترون، جمعية تجار البترون وقضائها ولجنة مهرجانات البترون الدولية تزيينها بأشجار محروقة، شحّلت من البساتين المحروقة، ولوّنوها بالابيض كرسالة سلام مفادها ان لا شيء يرمى ويذهب هباء من الطبيعة. الدخول الى هذه القرية، التي امتدت فترة التحضير لها شهرين ونصف، غير مغلق على أي طبقة اجتماعية فكل النشاطات من مسرحيات او نشاطات فنية مجانية. لا شيء يعيق حماس القيمين على هذا النشاط لتشجيع أولاد الاحياء البترونية القديمة على التحرك والفرح، لجذب المواطنين اللبنانيين من مختلف المناطق الذين يزورون المطاعم. هكذا تعاون عدد كبير من أبناء المنطقة من مهن متعددة تطوعياً لانجاح هذا المشروع بدون تحميل تكلفة كبيرة على البلدية اذ توزعت التكاليف على هبات من أبناء البلدة ومقتدرين كما يخبر احد المنظمين.

وحتى لو ان الوضع الاقتصادي مزرٍ مصرّ رئيس بلدية درعون – حاريصا نزار الشمالي على اضاءة الفرحة في قلوب الأطفال بما تيسر من إمكانات لديه، فافتتح الخميس السوق الميلادي في ساحة درعون الذي يحوي على منازل خشبية موجودة وحاضرة لدى البلدية بدون أي تكلفة على أهالي الضيعة لعرض بضائعهم من منتوجاتهم. يركز السوق على الأطفال واهاليهم. هذا النشاط يحدث في الضيعة للمرة الرابعة هذا العام مع الاخذ بكل الاحتياطات ضد كورونا. الشمالي قال لـ”نداء الوطن”: “شو ذنب الأولاد لحرمانهم من العيد بسبب كل الازمات؟ نحن مستمرون ولن نيأس ونجلس في المنزل اذ نريد ان تتكسر الحواجز بين أهالي الضيعة بعد ان ابتعدوا عن بعضهم البعض”.

إذاً من “جدّ وجد” من البلديات فالتي تتحجج بالوضع وكورونا ستلقى ثورة في أسواقها، من تجارها قبل روّادها وسكانها، ومن رفض “الخمول” مبدأ، وخلق “فرصاً” لاولاد مدينته رغم الصعاب، مزيحاً الستارة عن اليأس، لم يربح الآخرة لكنه ربح قلوبهم!