IMLebanon

مراهنات كرة القدم تتفشى في لبنان

كتبت أسرار شبارو في “الحرة”:

“كنت أعيش حياة طبيعية، أعمل وأجني قوت عائلتي، إلى أن تورطت بمراهنات كرة القدم عبر الإنترنت، من ربح أولي إلى خسارات متراكمة، غرقت في دوامة الديون اللامتناهية”. هكذا عبّر حسين لموقع “الحرة” عن “الجرثومة” كما وصفها التي تغلغلت في المجتمع اللبناني.

المراهنات الرياضية قديمة، فهي تعود إلى تاريخ بدء المنافسات، سواء كانت كرة قدم أم سباق الخيول أم مصارعة حرة وغيرها، لكنها انتقلت من الرهان المباشر إلى شبكة الإنترنت، التي أصبحت مليئة بتطبيقات خاصة بها.

ويمنع القانون اللبناني ألعاب القمار التي يعرفها في المادة 632 منه، وفق ما قاله المحامي، زكريا الغول، لموقع “الحرة” بأنها تلك التي “يتسلط فيها الحظ على المهارة والفطنة”.

وفي ذات الوقت، يعطي القانون اللبناني الحق الحصري لكازينو لبنان في المقامرة، من دون أن يتوقع أن تصل الرهانات إلى شاشات الهواتف وتصبح في متناول الكبير والصغير، في كل مكان وزمان.

تفشّ بين المراهقين

“يربط البعض الفساد في إدارة الألعاب الكروية بالرهانات المنتشرة لاسيما بين ذوي الأعمار الصغيرة لرغبتهم في الربح السريع والخيالي” بحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، طلال عتريسي لموقع “الحرة” معتبرا أن لذلك “تداعياته على المجتمع، كونه يرسخ فكرة الربح بلا جهد، على عكس القانون البشري الذي يقوم على أساس أن عائد الإنسان يكون بحسب جهده”.

يملك علي مقهى صغيرا في الضاحية الجنوبية، وبعد أن تورط بالمراهنات أصبح سمسارا لها، وهو يعمل على جذب المراهقين الذين يقصدون محله لتمضية الوقت على الكمبيوتر للسير على خطاه، بحسب ما قاله ابن عمه عباس لموقع “الحرة” شارحا “هدفه من ذلك الحصول على نسبة 40 في المئة من الأرباح عند خسارة زبون لديه، إذ دائما يحصل السماسرة على هذه النسبة فيما الوكيل يحصل على 60 بالمئة”.

أخطر ما في المراهنات وفق رئيس بلدية الصرفند، المهندس علي حيدر خليفة، الذي رفع صوته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبدأ في التحرك العملي والمتابعة مع الأجهزة الأمنية أن “القمار الإلكتروني انتشر كالنار في الهشيم بين المراهقين والمراهقات، والأمر لا يقتصر فقط على مراهنات كرة القدم بل على جميع ألعاب القمار”.

لمس خليفة كما قال لموقع “الحرة” انتشار القمار بين المراهقين والمراهقات بعد “ورود شكاوى عدة إلينا عن عمليات سرقة لمنازل حصلت من دون خلع وكسر، لتضع الصورة أن الأبناء يلجأون إلى سرقة أهلهم بالدرجة الأولى للحصول على المال من أجل المقامرة”.

واعتبر عتريسي أن المراهن يصبح كمتعاطي المخدرات “يفعل أي شيء من أجل الحصول على المال، واعدا نفسه أنه في المرة القادمة سيربح، لكنه يتورط، ينحرف، يسرق وقد يقتل”، وهذا ما أكدته القوى الأمنية لموقع “الحرة” وقالت “دخول المراهقين في هذه المراهنات يشكل خطورة على المجتمع، فقد يتحول من مراهق صغير إلى مجرم، كما قد ينتقل إلى نوع آخر من الإدمان كالمخدرات وغيرها”.

خيارات عديدة

وعن كيفية الاشتراك بالمراهنات على مباريات كرة القدم عبر الإنترنت في لبنان، شرح حسين (أحد المهووسين بالمراهنات) “يوجد عدد من المواقع الالكترونية في دول تشرّع القمار، لكل منها وكيل في لبنان، هو رأس الأفعى، لديه عدد كبير من السماسرة يديرون المراهنات من مكاتبهم أو مقاهيهم، ومحالهم، وحتى عبر الهاتف”، وهو ما أكده الغول بالقول: “انطلاقا من أن المراهنات غير شرعية في لبنان، فهي تحتاج الى واجهة التي في الغالب تكون مقهى أو صالونا للحلاقة وغيرهما”.

وما على المراهن الذي لا يعلم بداية أنه يسير في طريق دماره إلا التواصل كما قال حسين “مع السمسار لفتح حساب له على الموقع، إما بالليرة اللبنانية أو بالدولار، إذ أن اللجوء إلى البطاقات الائتمانية للرهان في مواقع عالمية تراجع بشكل كبير مع أزمة الدولار وانتشار السماسرة الذين سهلوا العملية كثيرا لاسيما على أبناء المناطق الشعبية والأولاد، مع العلم أن دولار المراهنات بـ10 آلاف ليرة لبنانية”.

لكن الإعلامي والمختص بمواقع التواصل أمين أبو يحيى قال لموقع “الحرة” إن “أغلب هذه التطبيقات موجودة خارج لبنان وتستخدم العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأميركي”.

ويشرح حسين “بعد فتح الحساب لدى السمسار وتعبئته بمبلغ مالي، يختار الشخص المباريات في أي بقعة من أصقاع الأرض، يراهن ليس فقط على فوز فريق على آخر، بل هناك مروحة واسعة من الخيارات، سواء على الأهداف، أم البطاقات الحمراء والصفراء، ضربات الجزاء وغيرها الكثير، كما أن قيمة الربح تختلف بحسب الرهان”.

كذلك يمكن لأي شخص أن يراهن كما قال حسين “من دون أن يفتح حسابا على الموقع من خلال تحديد المباريات ونوع الرهان على ورقة وتسليمها للسمسار، والجدير ذكره أن مواقع مراهنات كرة القدم تشمل كذلك جميع أنواع ألعاب القمار فهي كازينو في اليد تأخذه معك أينما تشاء”.

دوامة الغرق

ويجني السمسار أموالا طائلة من المراهنات كون الغالبية العظمى من المراهنين يخسرون، لكن كما قال عباس عندما يجمع الشخص بين السمسرة واللعب يصبح حاله كبقية المتورطين ومنهم ابن عمي علي الذي “هدم بيته، حيث نهشه الفقر، انفصلت عنه زوجته تاركة ولدين له، وأصبح كالمجنون لا يرفع عينيه عن هاتفه، حديثه الوحيد عن المباريات ونتائجها”.

ويذكر حسين كيف دخل هذا العالم بالقول “فتحت حسابا بالليرة اللبنانية، راهنت بداية على 500 ألف ليرة، فربحت 5 ملايين ليرة، فرحت كثيرا بالمال السريع، وكذلك في المرة التالية حالفني الحظ، لكن بعدها بدأت الخسارات تتوالى، وفي كل مرة كنت أحاول فيها التعويض عن الأموال التي فقدتها كنت أغرق أكثر”.

وانتقل حسين إلى مرحلة المراهنة بأرقام كبيرة، بين 20 و30 مليون ليرة، وقال “استدنت بالفائدة وكلي أمل أن أربح مبلغا كبيرا لأعوض كل خساراتي، لكن دوامة الغرق في الديون شدتني أكثر فأكثر إلى الأسفل، وبعد أن وصلت المبالغ المترتبة عليّ إلى 300 مليون ليرة، بدأت ألعب بوحشية، فتحت حساب مراهنات بالدولار فهو الباب الوحيد الذي أصبح أمامي للخلاص، لكن بدلاً من ذلك خسرت فوق المبلغ الأساسي 12 ألف دولار”.

كذلك تحدث محمد لموقع “الحرة” كيف بدأ الرهان على المباريات قبل ثلاثة أشهر من باب التسلية وإذ بحياته تنقلب رأسا على عقب، ويقول: “أصبحت متوترا طوال الوقت، تفكيري كله بنتائج الفرق الرياضية التي راهنت عليها، اضطر عندما لا أملك المال إلى رهن بطاقة هويتي وغيرها من البطاقات الرسمية لدى السمسار، الديون أثقلت كاهلي، وفي كل يوم أتوقع أن أربح لأسدد ما عليّ من مال، لكن حتى لو ربحت أجد نفسي أراهن من جديد، فهذه اللعبة سوسة تنخر دماغ الانسان لا أعرف كيف أتخلص منها”.

والغالبية العظمى من أصدقاء محمد عالقون في ذات الدوامة وقال “ما صدمني أن صديقا لي باع منزله بـ60 ألف دولار في الصباح، راهن ليلا على 20 ألف دولار، خسرها، حاول تعويضها من خلال الرهان على 20 ألف دولار جديدة فخسر المبلغ ولتعويض الـ40 ألف دولار لعب بالـ20 ألف دولار المتبقية لديه، فلم يبق معه فلسا، كاد أن يصاب بنوبة قلبية واستدان 20 ألف ليرة للعودة إلى البيت، وبعدما عرفت زوجته بالأمر وانفصلت عنه”.

صعوبة القضاء على الآفة                                

وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، كما يقول عتريسي، فإن “الناس ستفكر في كيفية الحصول على المال ليس فقط من خلال الرهان بل بأي طريقة سريعة، وهنا الخطورة، إذ تخلق المراهنات أجيالا لا يمكنها تحمل المسؤولية والصبر ومواجهة المشكلات”.

وللقضاء على هذه الآفة، تواصل خليفة مع المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، وطلب منه كما قال “التدخل لإغلاق المواقع المدمّرة” مشددا: “لا يمكن سوى للأجهزة الامنية أن تضع حدا لها، عليها متابعتها ومراقبتها ومعرفة مشغلها، فقد أصبح هناك كازينو في كل بيت”.

مكتب مكافحة القمار في وحدة الشرطة القضائية مختص في تطبيق القانون فيما يتعلق بألعاب القمار خارج كازينو لبنان ومن ضمنها المراهنات على الألعاب الرياضية، حيث يتواصل كما قالت القوى الأمنية “مع هيئة الاتصالات اللبنانية (أوجيرو) لحجب مواقع القمار الإلكترونية التي بمعظمها منشأة من خارج لبنان، من هنا ليس من السهل ضبطها، فهي تحتاج إلى تقنيات عالية، إذ بإمكان منشئها الانتقال من IP إلى آخر بسهولة”.

وفي الوقت الذي أكد فيه حسين أن الوكلاء والسماسرة يحظون بغطاء من أحزاب سياسية، شددت القوى الأمنية “هناك متابعة وملاحقة للموضوع على الرغم من صعوبته، ونحن ندعو كل من لديه معلومات عن هكذا مواقع إلكترونية عدم التردد في تبليغنا، كما أننا مجرد أن نعلم عن تطبيق خاص بالمراهنات يجري العمل عليه نقوم بتحويل الملف إلى هيئة اوجيرو بناء على إشارة القضاء المختص”.

لكن أمين أبو يحيى قال: “للأسف يمكن الدخول إلى مواقع المراهنات غير المرخصة عبر تطبيقات وبرامج التفافية، ولا يمكن بل من المستحيل السيطرة عليها”

تطور مرعب

يعاقب القانون اللبناني في المادة 633 – معدلة- كما قال الغول “من تولى محلا للمقامرة أو نظم ألعاب مقامرة ممنوعة سواء في محل عام أو مباح للجمهور أو في منزل خاص اتخذ لهذه الغاية، والصرافون ومعاونوهم والمدراء والعمال والمستخدمون، وذلك بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائتي ألف ليرة إلى مليوني ليرة”.

ويستهدف المجرمون بحسب هذه المادة “منع الإقامة، وإذا كانوا غرباء استهدفوا الطرد من البلاد اللبنانية تصادر فضلا عن الأشياء التي نتجت عن الجرم أو استعملت أو كانت معدة لارتكابه الأثاث وسائر الأشياء المنقولة التي فرش المكان وزين بها. ويمكن القضاء بإقفال المحل”.

أما المادة 634 – معدلة فنصت على أن “كل شخص اشترك باللعب في الأماكن المذكورة أعلاه أو فوجئ فيها أثناء اللعب يعاقب بغرامة من خمسين ألف إلى أربعمائة ألف ليرة.”

وإضافة إلى حجب هذه المواقع، فإن دور القوى الأمنية كما قالت هو “توعية المجتمع على خطورتها، وكما يوجد جمعيات لمعالجة المدمنين على المخدرات نحن بحاجة إلى جمعيات ومراكز إيواء لهذا النوع من الإدمان، فالمتورط بالمراهنات مريض نفسي بحاجة إلى علاج، إذ أن الغرامة المالية لا تكفي عند توقيفه”.

وفي الوقت الذي يأمل فيه أهالي المتورطين بالمراهنات عبر المواقع الإلكترونية أن يتم وضع حد لهذه الآفة بسرعة، حذر أمين أبو يحيى من أن “العالم الافتراضي سيشهد تطورا مرعبا في العام 2022 بسبب برنامج “ميتافيرس” الذي هو ابتكار ثوري للإنترنت حيث يمكن للشخص الدخول إلى مساحات ثلاثية الأبعاد وبيئات افتراضية وإجراء اتصالات متطورة وبالتالي الرهان كيفما شاء من دون أن يمكن لأحد في الكون كشف الأمر”.