IMLebanon

حصاد 2021 حراكياً: التغيير من الداخل بدل الانقلاب

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:  

حمل العام 2021 صعوبات جديدة بالنسبة الى مجموعات وشخصيات الحراك الشعبي وقد حلّ بعد أشهر قليلة على كارثة انفجار المرفأ في الرابع من آب من العام 2020، والذي شكل بتطوراته الصعبة العائق الأول والأهم أمام الدفق الشعبي للانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول العام 2019.

خلال الأشهر الاولى للانتفاضة الشعبية، سعى الحراكيون الى استثمار أخطاء لا بل خطايا السلطة المعهودة التي تتالت منذ 17 تشرين وما قبلها طبعا ولم تتوقف حتى هذه اللحظة.

وكان تراكم الاحتقان الشعبي على منظومة فساد متكاملة سياسيا واقتصاديا، وأثر انتفاضة النفايات في العام 2015 التي شكلت مجموعاتها نواة انتفاضة 17 تشرين، العاملان الرئيسيان لتفجر الغضب الشعبي على الحاكمين الذي أطلق شرارته القرار الذي بدا بسيطاً بزيادة تعرفة الواتساب.

الطوفان الكبير خمد في شتاء العام الماضي مع هبوب وباء كورونا مُضافا الى قمع السلطة وتقسيمها للمنتفضين ناهيك عن عوامل شابت بعض التحركات من عنف وطائفية وانقسامات ونقص للخبرة التنظيمية، وسط أوهام التغيير السريع والحتمي لدى كثيرين.

والحال ان عدم نضج التغيير الدراماتيكي لإسقاط نظام سياسي طائفي عمره من زمن نشوء الكيان، شكل عاملا مُحبطا لكثيرين لكن محفزا للبعض، ومع الوقت بدأ الحراكيون في إنضاج رؤية أخرى قوامها التغيير عبر النظام نفسه وان كان في آليته الطائفية والمذهبية التي تمت الثورة عليها.

وبعد اضاعة الوقت على الحوارات والندوات والتصرف وكأن التغيير حصل ومناقشة طبيعة النظام الذي سيحل بديلا عن الحالي، تجهد المجموعات اليوم لتوحيد الجهود والهدف الأول يتمثل في الانتخابات النيابية. والواقع ان المجموعات تعلم أن عامل الوقت ليس لصالحها كون التدهور يسير باضطراد خاصة مع كون البلاد لا تعمل على «أرض مسطحة» على حد تعبير قيادي في الحراك بل نزولاً نحو القعر، والهامش يكبر مع الايام لتصبح الناس في هوة عميقة تبحث معها عن اولويات الحياة المطلبية المجتمعية بدلا من إيلاء الثورة والسياسة الأولوية، وهو ما يطمئن السلطة بطبيعة الحال التي تعمل على استثمار الأزمة المعيشية لاقتناص التأييد حتى من قبل شرائح تكرهها في الصميم لكنها مجبرة على مجاراتها رغما عن مشاعرها.

وبذلك فقد اتخذ الحراكيون العام 2020 درسا لكيفية اعادة اطلاق تجربتهم في العام 2021 لكن على أسس مغايرة للسابق، أو هكذا تأمل المجموعات. وجاء العام الحالي ليؤطر الحراكيون أنفسهم وليطلقوا تحضيراتهم للانتخابات النيابية عن طريق مأسسة النضال والاختبار سيكون في العام 2022.

لقد وعى الناشطون ان الدعوات المثالية لإسقاط النظام هي دعوات غير واقعية، فكان القرار في المواجهة من الداخل على صعوبتها ومع العلم بضرورة اتخاذها أجيالا متعددة ونضالات طويلة.

وبذلك كانت أولى اللبنات تتمثل في تجميع الجهود في جبهات تحفظ وحدة المجموعات قدر الإمكان مع علم الحراكيين ان لا امكانية لتوحيد الجميع في بوتقة واحدة. وشكلت جبهة «نداء 13 نيسان» الإئتلاف الأهم والأكثر جديّة على هذا الصعيد مع وجود جبهات أخرى أقل رسمية لم تتخذ شكلها النهائي.

بالنسبة الى «13 نيسان» ستكون الرمز الأهم لـ 17 تشرين، وهي تتشكل من مجموعات ذات حضور حراكي مثل «تحالف وطني» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» و«الكتلة الوطنية» و«بيروت مدينتي» و«ثوار بيروت» وغيرهم. وتتصدر بولا يعقوبيان مشهدها وتتخذ من دائرة بيروت الأولى معركتها الأبرز حيث يتردد أنها تنطلق من حاصلين انتخابيين.. وصولاً الى الرابع! وسيكون لها جولات في دوائر مثل مجموعات أخرى في جبهات متعددة وخاصة في بيروت الثانية والشمال وبعبدا والبقاع بدوائره المختلفة..

وقد برزت إئتلافات أخرى من بينها خاصة ذلك الذي يعمل حزب «الكتائب» عليه، اضافة الى أخرى مثل «شمالنا» و«الشمال ينتفض» وغيرها في المناطق لكن تلك المجموعات هي التي تركت أثرا اكبر من غيرها مع التوقف عند الائتلاف الذي سيجمع اليسار ورأس حربته «الحزب الشيوعي» وأسامة سعد والحراك المدني في الجنوب حيث المهمة الأصعب للتغيير.

والجديد الذي طرأ على المشهد تمثل في بروز منصات كثُر الجدل حولها وتهدف الى رعاية المشهد الانتخابي للمجموعات من فوق بعد اعلان المجموعات ترشيحاتها، من دون ان تتدخل المنصات في الاسماء على ان تختار هوية من ستدعم، كما تقول.

الكلام هنا عن «كلنا إرادة» و«نحو الوطن» قبل ان يحدث الشقاق بينهما نتيجة رفض أعضاء في الثانية للتحالف مع أي من السياسيين الذين تورطوا في السلطة، والكلام هنا عن «الكتائب» وميشال معوض ونعمت إفرام وكل من لبس لبوس الثورة وهو من الطبقة التي تمت الثورة عليها..  وهذا ما دفع «نحو الوطن» الى الاعتراض على تولي ألبرت كوستانيان الكتائبي الهوى قيادة الدفة، بينما تعتبر «كلنا إرادة» ان الامر لا يعدو كونه صراعا على الحصص ما دفع البعض الى الخروج من «نحو الوطن» بعد إخفاقهم في الحصول على غالبية تؤيد طروحاتهم وسيرهم في طريق خلق منصة جديدة تحت عنوان جديد، بينما تمكن آخرون في «نحو الوطن» من الانفراد في المنصة وإيجاد حلف مع «كلنا إرادة» على ان تتقاسم المنصتان المقاعد التي ستُخاض المعارك عليها.. مع احتمال ان تبرز خلافات جديدة حول الاسماء والتحالفات التي تعمل عليها المنصتان للتوفيق بين الطامحين للنيابة..

ويبدو من مسار الاحداث ان الناشطين والمجموعات سيحققون خرقا غير محدد في المجلس النيابي، وهذا الأمر سيختلف على صعيد تقييم الحراك بين مدني وسياسي. ذلك ان المدنيين الذين أطلقوا 17 تشرين ليسوا على رأي واحد في مسألة التحالفات والموضوع الاكثر اثارة للجدل هو الحلف مع من سبق ان تلوثت يداه في السلطة ويحاول استثمار «الثورة» كما يؤكد هؤلاء.

وبغض النظر عمّا اذا افترق المعارضون للسلطة أو تحالفوا، فإن المعترضين قد ينالوا مقاعد دسمة تتراوح بين مقاعد عشرة وثلث المجلس كحد أقصى وهذا سيكفي للإدعاء بوجود قوة تغييرية تشاغب السلطة وتستطيع التمثُل في الحكومة.

ماذا عن الوحدة بعد الفوز؟

لكن أسئلة تُطرح حول استمرار وحدة هؤلاء الى ما بعد الخرق الانتخابي وهو ما ليس واضحا وسيتمظهر في المجلس عبر كتل متعددة غير كبيرة لكنها ستكون وازنة في حال توحيدها الموقف في المفاصل الاساسية ومن غير الضروري ان تشكل كتلة واحدة، وهذا الامر يسقط نفسه على اللائحة التي ستترشح فيها للانتخابات التي لن تكون موحدة بطبيعة الحال.

كل ذلك يجب أن يؤسس على ما تحقق قبلاً بعد ما حققته 17 تشرين في مرحلة صعبة جدا كان مقدرا لها ان لا تتحقق خلال عشرات السنين، مع العلم ان ضرب أسس النظام الطائفي ستشكل الاختبار الأهم لناحية القوى التي تقف على يمين الانتفاضة ومدى احتمال انخراطها مجددا في محاصصة طائفية مع قوى المنظومة الحاكمة الحالية وقد كانت تلك القوى دوما رافعة لنظام الطائفي كان سبب ولادة ومن ثم فشل الكيان في آن!