IMLebanon

سلطة فاشلة وميليشيا مستحكمة: لبنان على مفترق طرق

كتبت راوية حشمي في صحيفة “عكاظ” السعودية:

مع بدء عداد العام الجديد ٢٠٢٢ في إحصاء المزيد من الأزمات التي ستتوالد وتتكاثر في لبنان بعدما أدمنت سلطته الحاكمة ترحيل ملفاتها وقنابلها الموقوتة من عام إلى آخر، اعتقادا منها أنها «تشتري الوقت»، وكما فعلت «السلطة الفاشلة» التي تستولد نفسها منذ عقود، فإن فشلها سينسحب على العام الجديد الذي لن يحمل جديداً، طالما أنها هدمت هيبتها بفعل خضوعها لأجندة «حزب الله». وكل التوقعات تشير إلى أن لا حلول جذرية لأي ملف شائك، حتى تحين ساعة الصفر غير معروفة التوقيت، ويسير الجميع إلى إعادة صياغة تسوية جديدة قائمة إما على محاصصة أو على أنقاض انفجار، خصوصا أن العد العكسي لانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قد بدأ. ويتوقع مراقبون أن يؤدي هذا الاستحقاق إلى بروز مجموعة أزمات وارتدادات ليس أقلها «الفراغ الرئاسي»، خصوصا أن حزب الله لم يمنح الصهر جبران باسيل حتى الآن الضوء الأخضر لتولي سدة الرئاسة بعد نهاية ولاية عمه، الأمر الذي يترك أبواب أزمة الفراغ مفتوحة على مصراعيها بمعزل عن حسابات الداخل والخارج. وحتى يبدأ العد العكسي لانتهاء ولاية عون، ستتضخم الملفات ودائما الحلول المرتقبة لن تخرج عن إطار المساومات التي تغرق بها السلطة حتى أذنيها بحجة درء مخاطر التفجير الأمني عن البلاد. ومن أبرز الملفات العالقة من عام ٢٠٢١ التي لا تعد ولا تحصى، التي ستساهم في توتير الاستحقاقات المرتقبة في ظل حكومة معطلة؛ التحقيقات في انفجار المرفأ، الأزمة المعيشية الضاغطة، ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، الإصلاحات، الأزمة المالية وصندوق النقد الدولي، الانتخابات النيابية، والانتخابات الرئاسية التي قد تفتح على لبنان أبواب جهنم التي تحدث عنها عون نفسه.

الانتخابات النيابية ومخاوف الأحزاب

إن احتمال تأجيل الانتخابات النيابية بقرار سياسي بات معدوماً بعدما تحدد موعد إجرائها منتصف مايو القادم، ولم يبق أمام المتضررين إلا قرار أمني ينسفها ويكرس «التمديد»، إلا أن هناك خشية لدى بعض الأحزاب من أن أي قبول أو السير لأي سبب بالتمديد ستطالها العقوبات التي باتت شبه جاهزة أوروبيا وأمريكيا.

كما أن هناك خشية من نوع آخر في حال جرت الانتخابات لدى التيار الوطني الحر الذي سيتقزم حجمه، ولدى تيار المستقبل على وجه التحديد الذي بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان انسحابه كتيار من الانتخابات والإبقاء على المشاركة السنية بشكل فردي لملء المقاعد لصالح لوائح باقي الطوائف، ففشل سعد الحريري في مواجهة السلطة بعدما انغمس بتسوياتها أضعف شعبيته وأضعف الصوت السني، وبات الحريري يدرك تماما أن الطائفة التي تزعمها بعد اغتيال والده ستحاسبه في الانتخابات المرتقبة، لذلك قرر الانسحاب.

أما حزب الله فيدرس جيدا سيناريوهاته، للإطباق على قرار الطائفة الشيعية كما درجت العادة، وعينه على تمثيل «الثنائي» المكتمل النصاب للبيئة الشيعية بـ(27 نائباً) ليجدد شرعيته الداخلية والخارجية.

وحدها القوات اللبنانية تنتظر الانتخابات للفوز بأكبر كتلة نيابية مسيحية بعدما بات وضع جبران باسيل ضعيفا جدا في وراثة رئاسة الجمهورية.

هل تستقيل الحكومة؟

يؤكد المراقبون أن حكومة نجيب ميقاتي باقية بعدما قدم الطاعة والغطاء لحزب الله في رسالته الأخيرة للبنانيين بمناسبة انتهاء عام ٢٠٢١ حين اعتبر أن الحزب مكون سياسي لبناني وأن لا سطوة خارجية على لبنان، المخطوف باعتراف العالم من قبل إيران. فتقديم ميقاتي الطاعة الكاملة لحزب الله سيمدد عمر حكومته ربما إلى ما بعد العام ٢٠٢٢ في حال وقع الفراغ الرئاسي.

أما عن تعطيل عمل الحكومة فمرشح أن يستمر بفعل تضخم أزمة تحقيقات المرفأ، التي لن تجد حلا إلا بمقايضة، التشكيلات والتعيينات الإدارية، موازنة العام ٢٠٢٢ التي يجب أن تقدمها الحكومة لصندوق النقد الدولي في غضون الأيام القليلة القادمة كي يوافق عليها أو يرفضها.

والسؤال: هل تكون الموازنة التي ينتظرها صندوق النقد مدخلا لعودة التئام مجلس الوزراء؟ والإجابة ثمة من يؤكد عليها بأن حزب الله يرفض فكرة الصندوق الدولي رفضا قاطعا ولا مانع لديه من الاستمرار في منع انعقاد مجلس الوزراء، وقد أكد الحزب في أغلب تصريحاته أن المفاوضات مع الصندوق لن تكون سهلة وأن الشروط ستدرسها الدولة (أي هو) قبل اتخاذ القرار بشأنها.

ولاية عون.. وأبواب جهنم

وبالعودة للانتخابات الرئاسية المرتقبة في ٣١ أكتوبر 2022، إذ تنتهي ولاية عون وتفتح جهنم أبوابها أمام لبنان إذا «ترأس الفراغ القصر»، أما إذا سار الجميع باتجاه إجراء الانتخابات النيابية فسيكون هناك رئيس جديد، ولكن السؤال من سيحدد هويته؟

حزب الله من جهته يحضر لهذه اللحظة وفق سيناريوهين (وجود انتخابات، وعدم وجودها)، ففي حال سار مع موجة الانتخابات النيابية فسيعمل على كسب الجولة الأولى من معركة امتلاكه السلطة عبر مجلس النواب، ليحدد هو هوية الرئيس الجديد مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الخارجية التي ستلعب دورا إضافيا بحسب نتائج الاتفاق النووي الايراني. أما السيناريو الثاني في حال فشلت المفاوضات عبر إدخال لبنان نفق الفراغ الرئاسي حتى تحين ساعة «التسوية»، فتكون للبنان صيغة جديدة التي يتحضر لها الجميع منذ فترة، إلا أن الضبابية ما زالت تلف التسمية الجديدة للصيغة المذكورة، فهل هي «الطائف الجديد»، أو «المؤتمر التأسيسي»، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فإن الداخل والخارج يناقشون كل الأطروحات بدءا من اتفاق الطائف ومرورا باتفاق الدوحة، إضافة إلى طرح المثالثة.