IMLebanon

عون وباسيل: الفدرالية… آخر المعارك

من أهمّ ما ورد في كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون الأخيرة حديثه عن اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة، وعن “تعديلات دستورية”. هو العنوان الوحيد الذي يمكن أن يرسم حوله مساراً سياسيّاً سبق أن بدأ الكلام عنه في الكواليس الداخلية كما الخارجية.

يتزامن هذا الكلام مع استحقاق مفصليّ بعد موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وقبل موعد الانتخابات الرئاسية، التي تبدو متعثّرة حتى الساعة. إنّه موعد مفصليّ حول ما يُدعى “عقداً اجتماعياً جديداً” أو ما يحلو للبعض تسميته “مؤتمراً تأسيسيّاً”. ومهما اختلفت تسمياته، غير أنّه يعبّر عن واقع واحد، وهو أنّ النظام السياسي الحالي عجز عن رعاية أوضاع الطوائف مجتمعةً، بعدما دخل لبنان في زمن “الشيعيّة السياسية” التي تشكو منها الطوائف الأخرى.

ولو فسّر البعض كلام عون بأنّه قد يكون ورقة للمساومة عليها مع حليفه الشيعي، فإنّه عبّر عن حقيقة موجودة في المزاج العام بعد كلام طويل عن دويلات، أو “دويلة”، داخل الدولة. دويلات كلٌّ منها له واقع خاصّ يتعلّق بمدى حضور “الدولة والجباية والنظام”.

فهل يكون هذا العنوان عنوان المرحلة المقبلة؟ أم واحداً من العناوين التي تسقط في التسويات والصفقات السياسية؟

على الرغم من انزعاج حزب الله من إثارة عون “اللّامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة”، فإنّ خطاب الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصرالله سيكون تهدويّاً اتجاه حليفه المسيحي، ومتفهّماً لأزمته، ولا سيّما بعد قرار المجلس الدستوري الذي كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يعوّل عليه في الإعداد للمرحلة المقبلة انتخابياً وسياسياً. فحزب الله يدرك عمق أزمة التيار الوطني الحر. وهو ما عبّر عنه الدكتور صادق النابلسي متسائلاً: “لماذا يصعِّد التيار ضدّ الحزب وهو يعرف أن لا حلفاء له غيره؟!”.

بيد أنّ حزب الله يدرك جيّداً أيضاً أنّه يشبه التيار الوطني الحر في حاجته إلى حليفه. فكما هي خيارات باسيل ضيّقة، كذلك هي خيارات الحزب. وهذا أيضاً ما عبّر عنه النابلسي حين أشار إلى تفهّم الحزب لتصعيد باسيل بأنّه “محاولة لخلق توازن في الخطاب مع القوات اللبنانية قبيل الانتخابات النيابية”.

وبينما تشير المعلومات إلى خطاب تهدويّ لنصرالله على الرغم من إشارات عون “غير التهدويّة”، لا تبدو كذلك أبداً مؤشّرات كلمة النائب جبران باسيل اليوم. لا بل تبدو معاكسة ومكمّلة لكلمة عون بعناوينها، على أن يكون سقفها أعلى، وتحديداً في الكلام عن اللامركزية الإدارية والماليّة التي تحدث وقعاً محبّباً لدى الرأي العامّ المسيحي الذي “وصل إلى حدّه الأقصى في احتمال الأزمة الاقتصادية من جهة، وفي الكلام عن فوارق في الجباية بين المناطق من جهة ثانية”.

غير أنّ مقاربة التصعيد في الخطاب لدى التيار الوطني الحرّ لا تكتمل من دون مناقشة تموضع التيار العالق بين تحالفه مع حزب الله وبين عودته إلى قواعده ما قبل التحالف. وكأنّه في تحالفه قطع تذكرة ذهاب لا إياب فيها. فلا قوى سياسية تنتظره على المقلب الآخر، ولا قدرة له على مواجهة الاستحقاق الانتخابي وحيداً. تماماً كما هو واقع حليفه. فلا خيارات أمامه إقليميّاً أو دوليّاً سوى الرهان على مفاعيل التسوية الكبرى في سوريا ومع روسيا، وانعكاسها على حزب الله في الداخل اللبناني. وكأنّه في نفقٍ الخروج منه يحتاج إلى أن تنضج تحوّلات لا قدرة له على التأثير فيها.

لذلك مهما كان سقف الخطاب عالياً فلن يعلو على سقف تفاهم مار مخايل.

لكنّ ثمّة من يقول إنّ ما يستطيع أن يفعله عون وباسيل هو وضع حجر الأساس لنقاش حقيقي وواقعي وجدّي حول مستقبل النظام السياسي في البلاد. فيكون حينها ميشال عون آخر رؤساء جمهورية اتفاق الطائف، المشوّه تنفيذياً. غير أنّ لهذه اللعبة محاذير عدّة تتعلّق بمستقبل المسيحيين في أيّ نظام جديد.

ففي العام 1990، وبعد حروب مسيحية إسلامية ومسيحية مسيحية، اعتبر المسيحيون أنّ اتفاق الطائف انتزع منهم صلاحيّات رئاسية امتلكوها خلال “المارونية السياسية”. يقول بعضهم إنّهم سيخرجون من صراعاتهم اليوم بخسارات أكبر وبهجرة مسيحية أوسع. فيما لا يزال بعضهم الآخر يعمل على خوض معركة مشتركة حول “اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة”، التي يحبّ البعض أن يسمّيها “فدرالية جغرافية”، تضمن لهم بقاءهم في هذه البلاد بعيداً عن الموازين الطائفية والمحاصصات السياسية التي لن تكون لمصلحتهم خلال السنوات المقبلة.