IMLebanon

إلى اللبنانيين: الإحباط ممنوع!

كتبت راغدة درغام في “النهار العربي”:

هذه القراءة للمشهد الجغرافي – السياسي وانعكاساته المحلية والإقليمية والعالمية لا تتظاهر بالتنبؤ بأحداث السنة المقبلة علميّاً أو فلكياً، وإنما هي مجرّد قراءة تحليلية للتطورات وكيفية تأثيرها في السياسات الكبرى. النظرة الأولى الى ما يحمله العام 2022 تفيد بأن التوتّر سيد الساحة مع مطلع هذه السنة الصعبة التي ساهم العام 2021 في خطف التفاؤل عنها.

وبالرغم من ذلك، إن الهرولة الى التشاؤم لمجرّد عدم وصف الصورة بالتفاؤل إنما هي تسرّع الى الإحباط- والإحباط ممنوع. فنحن شركاء في رسم المستقبل وصوغه وفي إعادة تعريف الاستقرار بمفهومه الجديد والمتغيّر ولا يحق لنا الاستلقاء أمام قيادات سياسية فاسدة أو فاشلة أو مستبدّة أو متهورة أو ضعيفة- وكلها عدائية بشكل أو بآخر. ولا يحق لنا الانسحاب من مسؤولية المشاركة في صنع المصير وصنع القرار، لا سيّما أن الأدوات في أيدينا، من الانتخاب، الى رفع الصوت بجرأة، الى التفكير العميق خارج الصندوق بما العمل. فهناك الكثير الكثير من دواعي التطلّع الى سنة خير وبركة وتغيير واكتشافات مذهلة وتطوّر علمي وتكنولوجي. وهناك دوماً الأمل والإيمان والأعجوبة والطبيعة وجمال العلاقات الإنسانية وعشق إعادة البناء رغم أنف من يتبنّى التدمير والدمار شعاراً وهدفاً وسياسة.

دخول العام 2022 بالخوف من غموض وباء كوفيد-19 وانتشار مرعب لمتحوّر أوميكرون ليس تدشيناً سهلاً لسنة كان العالم يأمل بأن تكون سنة التخلّص من هذا الفيروس الذي ألقى القبض على مشاريع الناس لعامين وخلّف وراءه الموت والآلام ونسف الأحلام.

العام 2022 له ملامح أزمة اقتصادية عالمية، ليس فقط بمساهمة من أوميكرون أو كوفيد-19، وإنما أيضاً بسبب سياسات اقتصادية للبنوك المركزية، وحجم البطالة، وارتفاع معدل التضخم في العالم، وانهيار قطاعات. بالطبع هناك عناصر قد تحول دون أزمة اقتصادية عالمية ضخمة منها وفرة السيولة النقدية لدى المستهلكين نتيجة ارتفاع معدلات الإدخار خلال “الإغلاق” نتيجة انتشار فيروس كورونا. لكن المحللين الاقتصاديين يتحدّثون عن مخاطر كبرى تواجه الاقتصاد من ضمنها التوترات الجيوسياسية والسياسية.

واضح أن أزمة روسيا مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومع الولايات المتحدة بالذات بسبب أوكرانيا إنما هي مغامرة لروسيا كما هي تحدٍّ جدّي للقيادات الأوروبية وللقيادة الأميركية- حالياً، هناك بعض الأمل بنزع الفتيل خلال المحادثات المزمع عقدها في 10 كانون الثاني في جنيف بين روسيا ودول “الناتو”. قراءة الخبراء الروس المقرّبين من فكر الرئيس فلاديمير بوتين ليست قراءة متفائلة، ذلك لأن ما تأمل به دول “الناتو” هو بدء محادثات مطوّلة بلا سقف زمني، فيما يريد الرئيس بوتين التوصّل الى شبه معاهدة والى ضمانات مكتوبة بأسرع وقت ممكن… وإلا الإجراءات العسكرية التي هدّد بها بجدّية. (رجاء قراءة مقال الأحد الماضي) فهذه أزمة خطيرة تنذر بعودة الحرب الباردة وإنزال الستار الحديدي على روسيا. وهذه أزمة جيوسياسية لها تداعيات أوروبية وأميركية بالتأكيد، إنما لها أيضاً انعكاسات على سياسات دول كالصين التي ستستفيد من حدّة الأزمة بين الغرب وروسيا، وعلى دول كإيران التي سترتاح من تركيز الضغوط الأميركية والأوروبية عليها… في اتجاه الأزمة الأوكرانية والمواجهة مع روسيا.

ظاهرة افتقاد القيادة الأوروبية ستكون عاملاً مؤثراً في التوترات الجيوسياسية والسياسية الأوروبية. المستشارة الألمانية انغيلا ميركل لعبت دوراً محورياً في قيادة أوروبا لا أحد من القادة الأوروبيين مؤهل حالياً لوراثته. المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، لا يبدو راغباً بحمل أعباء القيادة الأوروبية على نسق ميركل ويريد التركيز على التحديات المحلية. والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مكبّل بانتخابات قد تهدّد استمراره في السلطة. السياسات الأوروبية مبعثرة ومُكبّلة بالإجماع ولذلك انها غير فعّالة في رعاية حلول الأزمات الإقليمية منها مثلاً على نسق ليبيا حيث فشلت الجهود الغربية الرامية الى عقد الانتخابات قبل 2022.

أزمة ضعف القيادة الأميركية، أو على الأقل تراكم الانطباع عالمياً بضعفٍ بنيوي في القيادة في عهد الرئيس جو بايدن على مستوى شخصية الرئيس نفسه وكامل فريقه في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية. العالم اعتاد على قيادة أميركية استباقية proactive وقويّة وحازمة وهو ينظر الى قيادة بايدن بأنها إرضائية appeasing تركض وراء قيادة أوروبية غائبة، خائفة من الحزم ومن القيادة.

الجديد الذي قد يأتي بمفاجأة عام 2022 هو الانتخابات النصفية في مجلس الشيوخ والكونغرس حيث من المحتمل أن تنتقل القيادة الى الجمهوريين، وهذا سيؤثّر جذرياً في السياسات الأميركية. مثل هذا التطوّر سيفاقم الضغوط على الرئيس بايدن وطاقمه كما قد يمهّد لعودة الرئيس السابق دونالد ترامب الى الساحة السياسية الأميركية.

لن تكون هناك أزمة قيادة في الصين لأن الاجتماع العشرين للحزب الشيوعي الحاكم 20th Congress party هذه السنة سيعيد انتخاب الرئيس شي جينبينغ على الأرجح. وبالتالي ستمضي الصين في سياساتها الحازمة بما فيها تلك نحو تايوان. وهذا سيخلق توتّراً مع الولايات المتحدة والغرب كافة. وبالتالي هناك بوادر أزمة مع الصين، وليس بوادر قيادة صينية.

الأزمة الإيرانية هي التي تتربع على المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط، ومعها الأزمة الإسرائيلية بسبب ترابطهما وسط توترات واضحة لأسباب نووية أولاً ثم لأسباب تعود الى الترسانة العسكرية التقليدية في موازين القوى بين البلدين.

محادثات فيينا تشكّل نقطة الانطلاق الى انفراج أو الى مواجهة- والاحتمالان واردان. في حال الانفراج، إن التوصل الى صفقة نووية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد لا يرضي إسرائيل، لكنه قد ينزع الفتيل عن مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل إذا فشلت مباحثات فيينا.

الرسالة الأولى التي تبعثها طهران هي أن في حال عدم استكمال الصفقة النووية JCPOA تماماً كما تريدها إيران، فإن القيادة الإيرانية ستسرّع برنامجها النووي، وستصبح إيران أكثر خطورة.

الرسالة الثانية التي تبثّها هي أن إيران اليوم ليست إيران الأمس بقدراتها العسكرية وصواريخها وبقدراتها النووية. وبالتالي إن موازين القوى بينها وبين إسرائيل باتت جديدة نوعيّاً وهي تتحدّى المقولة بأن الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل التفوّق النوعي في الموازين العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

الرسالة الثالثة هي التهديد بأن قيام إسرائيل بأي هجوم على مفاعل ومواقع نووية إيرانية -على نسق الهجوم على مفاعل نطنز- سيؤدي الى هجوم مضاد. أي أن القيادة الإيرانية اتخذت قرار شن هجوم على مواقع نووية داخل إسرائيل. وهذا تطوّر نوعي، إذا كانت هذه التهديدات جديّة وليست لمجرد الاستهلاك الداخلي.

الرسالة الرابعة هي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تمزح عندما تكرّر التزامها هدف تدمير إسرائيل وهي قد طوّرت ترسانتها العسكرية والتكنولوجية للمرة الأولى الى مستوى يمكّنها من توجيه ضربات متعدّدة النوعية لإسرائيل بصواريخ متفوقة. فالمعادلة باتت مختلفة، أو هذه هي الرسالة التي تريد طهران بثّها الى كل من يعنيه الأمر.

فإلى الرسالة الخامسة وهي أن القيادة الإيرانية واثقة بأن الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن لن تتورّط عسكرياً الى جانب إسرائيل إذا وقعت حرب مباشرة بينهما، بل ستقف متفرّجة وهي تحاول وتسعى وراء احتواء النزاع.

إسرائيل، من جهتها، ترى أن إيران باتت قريبة جداً من امتلاك السلاح النووي كما أصبحت قوية عسكرياً، بل قوية فوق العادة. ولهذا، لن تتمكّن من الوقوف متفرجة أمام مثل هذا النمو العسكري للجمهورية الإسلامية الإيرانية. أحد المقربين من التفكير الإسرائيلي أشار الى ما قاله الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني من أن إسرائيل برمّتها تقف على بعد قنبلة واحدة، مؤكّداً أن إسرائيل لن تنتظر تلك القنبلة المصيرية لها.

البعض يعتقد أن الحرب السيبرانية هي التي ستستمر الى جانب تعزيز إسرائيل قدراتها الاستخبارية وعملياتها السرية covert واغتيالاتها.

رأي هذا البعض أن إيران لن تريد حرباً مع إسرائيل لأن مثل هذه الحرب ستقضي على ورقة ثمينة لدى إيران هي “حزب الله” وترسانته في لبنان- وبالتالي، يقول أصحاب هذا الرأي انه لن تكون هناك “حرب حقيقية” بين إيران وإسرائيل، وأن إسرائيل تبنّت سياسة غض النظر عما يقوم به “حزب الله” داخل لبنان لكنها صعّدت ضد إيران و”حزب الله” في سوريا.

الرأي الآخر هو أن لبنان مرشح ليكون ساحة الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل بفضل وجود “حزب الله” وترسانته هناك. فالأمر لن يقتضي على حرب صواريخ من والى تل أبيب وطهران. وبحسب مصدر مقرّب من صنّاع القرار في طهران، إن إيران تبنّت استراتيجية ستنفذها في شهر كانون الثاني من عام 2022 وهي تطوير المساعدات الى “حزب الله” بـ”تجديدها وتوسيعها”. وبحسب تقويم هذا المصدر، ستكون إيران متأهّبة لهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة وعبر “حزب الله” في إطار حرب لن تكون سريعة في “حرب ليوم واحد” وإنما ستكون “نزاعاً عسكرياً جدّيّاً بين إيران وإسرائيل قد ينطلق في شباط آذار”، إذا فشلت المفاوضات النووية في فيينا. أو، هكذا تريد لنا القيادة في طهران أن نعتقد ونخشى لنخاف، ونخاف كثيراً.

هذه سنة تولد من رحم القلق وستكون سنة صعبة طوال العام لأسباب وبائية وجيوسياسة وجيو اقتصادية. أفضل وسيلة للتأقلم وللتحدّي وللمواجهة وللمشاركة في صنع المصير هي في ألاّ نخاف. فلنتأبط الإيمان بالجميل بين طيّات الحزن والقلق ولنرفض الخضوع للتدمير والتخويف من أينما أتى. المهم ألاّ نخاف.