IMLebanon

عون – برّي: تعايش لا يطاق

كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:

قد يكون من السذاجة الاعتقاد بأن كل ما يدور في الداخل ليس سوى صراع ضارٍ بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. سجالات الصف الثاني والثالث ليست إلا من أدوات الشغل. كذلك الحملات الإعلامية، ثم أخيراً العقد الاستثنائي وما سيليه حتماً

حتى موعد انتهاء دوام العمل الرسمي أمس في مجلس النواب، كان عدد الموقّعين على عريضة طلب فتح عقد استثنائي لا يتجاوز 15 نائباً. بدأت حملة جمع التواقيع الخميس المنصرم، عشية رأس السنة، بستة نواب: أربعة منهم من كتلة الرئيس نبيه برّي والنائبان بهية الحريري وإيلي فرزلي.

الحديث الشائع أن التواقيع ستتوالى في الأيام المقبلة، في ظل حماسة نيابية لدخول عقد استثنائي موصول بموعد العقد العادي الأول في منتصف آذار، آخر عقد مفترض في ولاية البرلمان الحالي. البعض المطلع يتوقّع تزايد التواقيع كي تصل إلى ما بين 70 إلى 75 نائباً. لا تنجم الحاجة إلى توقيع عريضة نيابية ملزمة، إلا عندما يحجم رئيس الجمهورية عن فتح عقد استثنائي للمجلس، عملاً بالمادة 33 من الدستور. إذذاك يصبح واجباً عليه التسليم بالعريضة الموقّعة من الأكثرية المطلقة التي يتألف منها المجلس.

لا يبرّر العقود الاستثنائية سوى استنفاد العقدين العاديين الأول والثاني، دونما تمكن البرلمان من إنجاز مشاريع قوانين واقتراحات قوانين في جواريره. هذه المرة الحسابات مغايرة. وقد لا تكون بسيطة بالقدر المحسوب، ولا الآلية المنصوص عليها في المادة 33 ستكون بدورها كفيلة بحل الخلاف بين رئيس الجمهورية والبرلمان، أو بينه والغالبية النيابية، أو بينه وبين رئيس المجلس، وهي الحال الفعلية القائمة اليوم في الحبال المشدودة أكثر مما تحتمل بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي.

أما ما ينتظر العقد الاستثنائي المفترض، فبعضه:

1 – أن التوقيت الدستوري للعقد الاستثنائي صائب الآن، ما بين عقد عادي انطوى في اليوم الأخير من السنة المنصرمة، وعقد عادي جديد متأخر شهرين ونصف شهر. أما التوقيت السياسي فمختلف كلياً. لا يقتصر على المادة 33، ولا على الحاجة إلى عقد استثنائي لشغل يُظَنّ أنه متراكم، بل يتصل بالحاجة الخفية – وهي الآن لم تعد كذلك – إلى مبرر ظهور العقد الاستثنائي. وهو أن انعقاد البرلمان، في أي من عقوده عادية أو استثنائية، يوقف الملاحقات الجزائية في حق أي من أعضائه مدعى عليهم أو برسم الادعاء عليهم، بفضل حماية الحصانة المنصوص عليها في المادة 40 من الدستور، فلا يجوز توقيفهم إبان الانعقاد.

بذلك يُفهَم المغزى الفعلي لحماسة البعض للعقد الاستثنائي، ورفض البعض الآخر له. يكمن هنا أيضاً السبب الذي يحمل عون على رفض إصدار مرسوم بعقد استثنائي، بينما منوط بالأجهزة الأمنية بناء على استنابة النيابة العامة التمييزية توقيف النائب المدعى عليه فور مغادرته حصانته النيابية منذ الأحد الفائت. بالتأكيد ليس الاشتباك والتناحر على النائب المدعى عليه، بل بين المرجعيتين الكبريين المعنيتين بالسجال الطويل حيال المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار وأدائه ومصير الملف الموضوع بين يديه. عون متمسك بالبيطار وبكل ما يقوم به، بينما برّي يطالب بإطاحته. بسبب المحقق العدلي شُلّ مجلس الوزراء. وبسبب شلّ مجلس الوزراء لا موجب لعمل مجلس النواب. بدورها استعادة الحصانة أو الحؤول دونها صارا جزءاً لا يتجزأ من المشكلة الأم.

2 – من الواضح أن الاستقطاب المعلوم في المجلس أضحى أكثر جلاء: كتل برّي والرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط ونواب مستقلين قريبين منهم في مقلب أول، وكتلة النائب جبران باسيل وحلفائه في مقلب ثان، وكتلة حزب القوات اللبنانية المترنحة ما بين القبول المشروط والرفض في مقلب ثالث، وحزب الله في المقلب الرابع.

لا يسع كتل المقلب الأول بمفردها جمع نصاب الأكثرية المطلقة لفرض العقد الاستثنائي بنوابها الـ43 (17 لبرّي 18 للحريري إلا إذا حضر هو و8 لجنبلاط بعد استقالة مروان حمادة).

ولا يسع كتلة المقلب الثاني الوقوف في طريق هذا النصاب إذا توافر، إلا أنها تعوّل في المقابل وتشد عضلها برفض إصدار رئيس الجمهورية مرسوم العقد الاستثنائي.

ولا تزال كتلة المقلب الثالث حائرة في خياراتها، فهي لا تريد إغضاب برّي وقلّما أغضبته بل راعته أكثر مما يريد، ولا تريد كذلك إرباك حالها أمام ناخبيها على أبواب الانتخابات النيابية العامة فتظهر أمامهم كأنها تطعنهم في الظهر، لا سيما منهم ناخبي الأشرفية والمدور والصيفي واجهة مرفأ بيروت وضحية انفجاره. فتبدو أنها توقّع على مرسوم العقد الاستثنائي الذي يمنح الملاحقين المدعى عليهم حصانة تحول دون توقيفهم. تقف بذلك على طرف نقيض من كل ما تعلنه وتأييدها البيطار. لا يسع كتلة حزب القوات اللبنانية القول إنها مع عقد استثنائي بلا حصانة للنواب الملاحقين. ما إن يلتئم العقد يحتمي هؤلاء بالمادة 40 من الدستور. بذلك يعني توقيعها العريضة حكماً موافقتها على سريان نفاذ المادة تلك.

أما كتلة المقلب الرابع، فليست أحسن حالاً. أبلغت إلى مراجعيها السائلين عن توقيع نوابها العريضة بأن لا قرار اتخذته منها بعد. بيد أنها أضحت الآن أكثر ارتباكاً وإحراجاً بعد ارتفاع نبرة المواجهة بين حليفين لا تملك أن تتخلى عن أي منهما، وإن كانت لا تضعهما جنباً إلى جنب بترتيب أفقي. الترتيب المعتمد عمودي: برّي حليف أول حرصاً على الثنائية الشيعية ووحدتها، وعون حليف ثان حرصاً على حاجة حزب الله إلى الحليف المسيحي الذي يحول دون أن يصبح في مواجهة الطوائف الأخرى كلها. منذ مطلع الولاية، نجح في توفير حد أدنى من تعايش مقبول بينهما – وإن لا يطاق – إلى أن بلغ في السنة الأخيرة المفترق الحاد.

لذا فإن الاختبار الجديد للحزب هو: هل آن أوان افتراقه عن الحليف الثاني بسبب حاجته إلى الحليف الأول الضروري والحتمي وغير المستغنى عنه، أم يختار لعبة توزيع الأرباح والخسائر بين عون وبرّي. مرة يعطي الأول ليأخذ من الثاني، ومرة أخرى يأخذ من الأول ليعطي الثاني. في ما حصل في المجلس الدستوري أنه أعطى رئيس البرلمان. امتحانه التالي في عريضة العقد الاستثنائي لا يزال مشوّشاً أو مؤجلاً.

3 – لا يزال الاشتباك في أوله من حول نصاب الأكثرية المطلقة في مجلس النواب: رئيس الجمهورية يستند إلى المادة 57 بالقول إن 65 نائباً يشكلون الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، ورئيس البرلمان يقول إنه 59 نائباً بعد استقالة أو وفاة 12 نائباً ما يخفض العدد إلى 116 نائباً وتالياً ينقص نصاب الأكثرية المطلقة للنواب الأحياء إلى 59 صوتاً.

تهرّب المجلس الدستوري من تحديد موقفه من نصاب الأكثرية المطلقة، وأخفق مجلس النواب في تفسيره، ما جعل التفسيرين الحاليين المتناقضين شخصيين ما بين رئيسي الجمهورية والبرلمان. كلاهما يتمسك بتفسيره، ويعتبره الصائب. بذلك يتواصل الخلاف ويتمادى ويتشعّب. لن يتاح التوصل إلى حل لهذه الإشكالية السياسية – أكثر منها الدستورية – سوى بعريضة يوقعها أكثر من 65 نائباً، كي تتجاوز التفسيرين الشخصيين. توقيع 59 نائباً – استناداً إلى تفسير برّي – سيؤول حكماً إلى رفض عون القبول بالعريضة، وكذلك دحض اعتبار نفسه ملزماً إصدار المرسوم ما دامت مبنية على نصاب لا يعترف به، ويصفه بأنه باطل مناقض لذاك المنصوص عليه في المادة 57. لا أحد يرغم الرئيس على التوقيع، فيما هو ليس في وارد إصدار المرسوم تبعاً للفقرة الأولى في المادة 33.