IMLebanon

بالإذن من غبطة البطريرك… الحياد في لبنان بات مدمِّرًا!

كتب بديع يونس في “العربية”:

لعبت بكركي رأس الكنيسة المارونية تاريخياً دوراً طليعياً في الحفاظ على الكيان اللبناني وهويته الوطنية ودوره في توطيد انتمائه العربي.

واجهت محاولات التتريك يوم اتجهت الأنظار نحو منح الخلافة للسلطنة العثمانية وساهمت بفاعلية في تثبيت حدود لبنان الحالية يوم أريد سلخ أطرافه عنه وإلحاقها بدول مجاورة. وكان للبطريركية دورها الحاسم في نيل لبنان استقلاله عن فرنسا، واستمرت مع البطريرك صفير تقاوم النظام السوري حتى سحب جيشه وأنهى احتلاله للبنان بعد حوالي ثلاثين عاما، فلم تكن يوما في حياد، أكان إيجابيا أو سلبياً، عن قضايا لبنان المصيرية.

بدوره يثير البطريرك الراعي أسبوعياً بصوت مرتفع المسائل الوطنية الكبرى ويصيغ مواقف بكركي منها، منددا بإهمال المسؤولين وتغاضيهم عن أدوارهم وعدم اضطلاعهم بواجباتهم الوطنية، ووقوعهم في تناقضات المصالح الشخصية وتبادلهم الاتهامات بالفساد المستشري الذي استنزف اللبنانيين وحياتهم. يعلو صوت البطريرك الراعي محذرا من إضعاف الدولة ـ الضعيفة أصلا ـ فيما تقوى الدولة الموازية على السلطة المركزية وتطوعها وتفرض عليها مساراتها. ويحذر غبطته من شل السلطات الدستورية وتلاشي دورها.

يعلم غبطته أن طرح الحياد بشكليه الإيجابي أو السلبي على الطريقتين السويسرية والنمساوية كان ليكون ربما مفيدا قبيل توريط حزب الله للبنان بقتاله في سوريا، وهذا ما سعى إليه صديق البطريرك ونديمه الرئيس الأسبق ميشال سليمان بورقة التفاهم والتي تنصل منها حزب الله داعيا على طاولة الحوار عبر رئيس كتلته النيابية محمد رعد إلى ” تمزيقها وغليها وشرب زومها” وفق تعابيره.

وليس خافياً على أحد أنه عندما تم طرح مبدأ “النأي بالنفس” بتسهيل من الدول العربية لإيجاد مخرج للبنان وحفظ ماء وجهه، تعنت حزب الله ورفضه وعمل على إسقاط هذا المبدأ.

ولربما كان طرح الحياد مفيدا كتحذير من جرّ “محور الممانعة” اللبنانيين إلى محرقة معاداة العرب ولعدم وضعهم في كفّة ميزان الصراع الإيراني – العربي ومنع زجهم في أتون هذا الصراع المدمر خدمة لطهران ونظامها الحاكم. كما أن طرح حياد لبنان الذي نادى به غبطة البطريرك الراعي كان طرحا يهدف إلى “تسوية” معقولة تُعَقلنُ حزب الله المغالي في انتشاء فائض القوة والتغوّل ليس على الدولة اللبنانية فحسب إنما على دول المنطقة من اليمن مرورا بالعراق وسوريا وحتى قطاع غزة.

إن معيار الحياد كان ليكون ممكنا قبل غزوة حزب الله سوريا والعراق واليمن ومساهمته في هدر دم شعوبها. وكان ليكون ممكنا قبل أن يدير حزب الله شبكاته في الأميركيتين وفي أوروبا وإفريقيا ودول شرقي وجنوبي آسيا، إضافة لشبكات تهريب الكبتاغون والمخدرات والمؤثرات العقلية.

المعيار الحقيقي للتفريق بين الحياد والتورط هو حماية مصالح لبنان أولا وأخيرا، فيأتي على رأس هذه الأولويات عدم زج مئات الآلاف من اللبنانيين العاملين في دول الخليج رهائن لدى إيران وسياستها التي ينفذها حزب الله انطلاقا من لبنان إلى المنطقة والعالم.

يقتضي المعيار اللبناني أن ننبذ طرحنا التسووي الذي لم يرَ النور بسبب تعنت حزب الله، وأن نعرف جليا كيفية التفريق بين الصديق والعدو، وأن نتخلى عن التسامح والتساهل مع ممارسات حزب الله غير الحيادية والتي لا تنأى بنا عن الصراعات الإقليمية بل تضعنا في وسطها عبر وضعية حزب الله الهجومية التي جرت لبنان على مدار سنوات إلى قعر الهاوية. الحياد لم يعد مقبولا مع وجود طرف لا يعترف بهذا الحياد، ليصبح واجبا على كل سيادي رفع الصوت جهارا والقول إننا إلى جانب أصدقائنا في دول الخليج العربي في مواجهة عدونا المشترك في طهران والذي لم يوفّر أياً منّا من ممارساته وميليشياتها التي يقودها ما يسمى بـ”الحرس الثوري” الذي أنشئ لحماية “الثورة” وتصديرها والقيام على ركام الدول وشعوبها.

بكل محبة واحترام وإجلال، أصبح لزاماً طيّ صفحة الحياد لأنّ المعطيات الجيوسياسية في المنطقة تجاوزت طرحها، كما تدخل حزب الله في شؤون المنطقة تجاوز مصالح لبنان وشعبه ووضعه في خندق المعتدي على الجوار والعالم.

بالإذن من غبطة البطريرك، “الحياد” مرفوض بعد أن بات مدمِّرا للبنان. المطلوب هو رفع الصوت السيادي عالياً بوجه الاحتلال الإيراني للبنان المتجسد بسيطرة حزب الله على القرار الرسمي.