IMLebanon

مهنة التخطيط إلى أفول تدريجي… ونداء استغاثة

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

انتهى العام 2021، ولكن شكاوى الناس من استفحال الازمة لم تنتهِ بعد، بل تزايدت مع الايام الاولى من العام الجديد 2022 وتحالفت مع جائحة “كورونا” بمتحوراته الجديدة، لتفرض واقعاً مؤلماً وجديداً وتهدّد بعض المهن المنسية بالاندثار والاقفال، ومنها مهنة التخطيط التي كانت باب رزق كبير لاصحابها خلال السنوات الماضية وحتى خلال التحركات الاحتجاجية الاخيرة.

الخطاط الصيداوي عمر مدور واحد من هؤلاء، يقلب كفيه الخاويتين وينتظر ساعات زبوناً بعدما تراجعت نسبة الاقبال الى 10% فقط، وتكاد تتحول المهنة موسمية، تنشط مع شهر رمضان المبارك والاعياد ومن قبل بعض الجمعيات التي تطلق مشاريعها وتريد الاعلان عنها وهي قليلة اصلاً.

وقد ورث مدور المهنة عن والده الراحل حسن منذ نحو عقدين من الزمن، وادخل عليها الكثير من الحداثة مع شراء ما يلزم من آلات حديثة لتتماشى مع عصر النت والابتكارات الجديدة، ويقول لـ”نداء الوطن”: “ان المهنة تعتبر فناً راقياً، فيها الكثير من الابداع والزخرفة، ولكن للاسف تسير الى أفول وإندثار تدريجياً.. لم تعد تسمن او تغني من جوع، وقد تضافرت كل الاسباب لتجبرها عنوة على التراجع كثيراً، الازمة الاقتصادية والمعيشية، انعدام القدرة الشرائية، ارتفاع اسعار أكلاف موادها بدءاً من الاقمشة وصولاً الى البويا اضعافاً مضاعفة ارتباطاً بالدولار، وتفشي جائحة “كورونا” التي حالت دون افتتاح محال واقامة احتفالات او نشاطات كانت تستدعي طباعة يافطات او لوحات اعلان وسواها”.

ويضيف مدور، وهو يداوم في محترفه في ساحة النجمة وسط المدينة طوال ساعات النهار انتظاراً لزبون قادم: “كل شيء بات باهظاً، واليافطة الواحدة اصبحت تكلفتها 500 الف ليرة لبنانية بعدما كانت نحو 50 الفاً، والبويا بـ 150 دولاراً بعدما كان بـ 50 و”رول” القماش ما بين 250 -300 دولار بعدما كان 100، وهكذا دواليك… طار كل شيء ومعه اختفت الزبائن ولولا قلة من الجمعيات الاهلية والصحية وشهر رمضان وبعض الاعياد لانتهت المهنة عن بكرة أبيها بعدما عرفت عصراً ذهبياً”

مع بدء الازمة، ثار الناس ونزلوا الى الساحات ونظموا تحركات احتجاجية، لم يغب عنها طيف الخطاطين الذين خطّوا بأناملهم يافطات الانتفاضة الشعبية ومطالب الثوار، ولكن مع طول أمدها عادت المهنة الى الركود مجدداً واضيفت الى القطاعات التي تأثرت بالتداعيات السلبية للازمة، ويؤكد مدور “ان الامور صعبة وقد بدأت جدياً بالبحث عن مهنة أخرى استطيع منها توفير قوت العيش الكريم لعائلتي، ما زلت اتمسك بها واحافظ عليها كونها ليست مهنة فقط، بل هي ارث ورثته عن والدي، ساحاول الصمود والصبر فيها حتى الرمق الاخير واطلق نداء استغاثة أخير، لانني اخشى ان تكون نهاياتها حزينة بحيث نخط ورقة نعوتها بأيدينا بعدما خططت آلاف اليافطات ولوحات الاعلان السعيدة”.

مهنة التخطيط في خطر، وحال الخطاط مدور ليس افضل من محترفي مهن أخرى لم تلقَ الاهتمام الكافي للبقاء على قيد الحياة، ففي المدينة عشرات المهن المهددة بالاندثار كلياً وليس ادل على ذلك سوى سوق النجارين في صيدا القديمة، الذي لم يبق منه الا اسمه بعدما أقفلت غالبية المحال فيه ولم يصمد حتى اليوم سوى محلين بعدما كان يعجّ بالحركة والحياة وتحول اليوم مع الازمة الى ما يشبه السوق الاثري والتراثي، تزوره الناس لالتقاط الصور التذكارية وتمضي وهي تدق المسمار الاخير في نعشه.