IMLebanon

عن الاستفاقة المتأخرة لحوار حول الأزمة والسلاح!

كتب أحمد الزعبي في “اللواء”:

يتسلى اللبنانيون، عن حق وحقيقة، بتمنّي أن يكونوا «رهائن» في السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو أيّ من دول الخليج، بديلاً عن المعتقل الجماعي الذي بَاتَهُ بلدهُم، ورداً على الافتراء والكذب والحقد والتضليل بحق تلك الدول.

في الأثناء، لا جديَد في الأفق السياسي يمكن التعويل عليه لإجتراح ثقبِ ضوءٍ في عَتمِ المأساة اللبنانية، خصوصاً بعدما تبيّن أن ما روّج له عن «صفحة جديدة» بين رئاستين، لم يطلع عليه الصباح. ما هو ثابت وأكيد أن الانهيار متسارع، والفجور مستفحل، والبلد سائر سريعاً إلى شيء مخيف، وقد يكون دموياً. ولأمر غير مفهوم.. غير مفهوم أبداً، لا يريد الشعب الخروج والانتقام لمَقتَلَتِهِ الجماعية على أيدي منظومة الخراب الساديّة. يبدو متلذّذاً، رغماً عنه، بالجلد والتعذيب والإفقار والإذلال.. يبدو منتظراً «غودو» الذي لن يأتي أبداً!!

المؤشرات التي تَشي بأن المنطقة تسير نحو صياغة قواعد جديدة.. كثيرة. وما الحوارات واللقاءات والرسائل والشيفرات إلا سطر في الصفحة الآخذة بالاكتمال بعيداً عن صخب العنتريات والافتراءات

في المشهد البائس، ثمن من يصرّ على احتقار عقول اللبنانيين، مستمتعاً بتعميم الخراب، وثمة من يصرّ على تغطية الفاسدين وتعطيل العدالة، وثمة من يتعامى عن الماضي، ولو كان طرياً جداً. إنها «النخبة الفاسدة التي تواصل عرقلة تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك التدقيق في مصرف لبنان وقانون الكابيتال كونترول، وتفوّت فرصة وقف انهيار لبنان»، بحسب ما نقلت صحيفة محلية عن «معهد التمويل الدولي».

حوار عقيم ومتحاورون ألدّاء

هكذا تبدو الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى حوار وطني، بجدول أعمال ممسوخ، تذاكياً في غير محله، وهروباً إلى الأمام، وذرّاً للرماد في العيون. وقد أحسنت الأطراف التي اعتذرت سريعاً عن عدم التورّط بهكذا أمر، لأن لبنان ما عاد يحتمل المزيد من الكوميديا السوداء، وإن أصرّ صاحب الدعوة فليكن حواراً بمن حضر، على طريقة الزجل السياسي الذي يملأ الفضاء اللبناني، لأطراف اللون الواحد، ولو كان نصف لقاء، ونصف وطني..

أمام ما آلت إليه حال الجمهورية، الدعوة للحوار الداخلي، ولو سمّي وطنياً بين أركان منظومة الخراب، محكومة بالفشل لاعتبارين اثنين:

أولاً: لأن تجارب الحوار الداخلي السابقة، ومنذ العام 2006، على قضايا الإصلاح ومحاربة الفساد والسلاح غير الشرعي والاحتكاك لنتائج الانتخابات احتراماً للدستور وخيارات الناس، فشلت، بل إن الطبقة السلطوية الفاسدة تنكّرت لكل المخرجات التي قيل إنهم اتفقوا عليها.

أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالرئيس عون الذي تذكّر الانهيار والإصلاح والاستراتيجية الدفاعية قبيل نهاية العهد، وهو من عهد إلى الحزب المسلّح بمهمة مكافحة الإرهاب بعد مهمة حماية لبنان من إسرائيل لأن الجيش ضعيف. قبل أقلّ من ست سنوات، وبُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية بفعل تسوية سياسية مشؤومة، رسم عون خارطة طريق لعهده معلياً سقف التحدي بإعلانه التزام الدستور، وإطلاق معركة ضد الفساد كشعار للمرحلة. قال يومها: «لن نكون مرهونين لأي بلد آخر وسنتخلص من الوصايات الخارجية»، وسمَّى معركته «معركة بناء وطن»، واعداً بعدالة، بقوى أمن غير تابعة لقوى سياسية، ولم ينسَ الكهرباء والماء والطرقات والبيئة!! في الخلاصة لا الدستور طبّق، ولا المؤسسات الشرعية احترمت، ولا تحقق شيء من رفاه اللبنانيين، وقد بات أغلبهم فقيراً، معدماً، ومفلساً ومُهاناً في وطنه.

نعم، لا خير في حوار يُراد منه تضييع البوصلة، وتمرير الصفقات، وتسويق الفاسدين، وتأجيل الانتخابات أو الغاؤها.. أمام لبنان وشعبه 296 يوماً صعباً جداً، وبعد ذلك يبقى الأمل والعمل الجادّ لإنقاذ الوطن وما تبقَّى من مؤسسات.

ماذا عن الحوار البديل؟

لكن وبعيداً عن حسابات أهل السلطة، وطالما الحوار السياسي محكوم بالفشل الأكيد للاعتبارات السابقة، فإن الباب مفتوح على حوار قطاعي ومدني وتخصّصي.. ففي الطريق إلى تخليص لبنان من منظومته الفاسدة، ثمة متغيرات متسارعة تحصل، والمؤشرات التي تَشي بأن المنطقة تسير نحو صياغة قواعد انتظام جديدة متعددة الوجوه، وما الحوارات واللقاءات والرسائل والشيفرات المتكاثرة إلا سطر في الصفحة الآخذة بالاكتمال بعيداً عن صخب العنتريات والافتراءات. هنا، يبدو لبنان الغائب الأكبر، وربما الخاسر الأكبر، إن لم يتم صياغة مبادرة خلّاقة تتلاقى أو تتقاطع مع استحقاق الانتخابات النيابية وما يمكن أن ينبني عليها. وما يشجّع في هذا الإطار أن المواقف العربية جميعها لن تعلن التخلي عن هذا البلد، بلّ تريده سيداً، مستقلاً، خارج الارتهان للأجندات الإقليمية المدمرة.

ما يواجهه لبنان، دولة وشعباً، ورسالة ودوراً، وتاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، هو خطر وجودي. ببساطة شديدة لا حاجة لكثير عناء لإدانة أي سلوك يخرج عن الدولة كآلية راعية للسلوك الجماعي لمواطنيها، بالتساوي في الحقوق والواجبات والحماية، سواء أكان حزباً أو مكوّناً أو ميليشيا، لأن في ذلك خروجاً على موجبات العقد الاجتماعي وضرورات الاجتماع الوطني ومصالح لبنان وشعبه.. ونقطة على السطر.