IMLebanon

استحقاقات الـ 2022.. و«سيناريو الانتخابات»

 

من حيث المبدأ، وكما توحي ظواهر الأمور والمواقف، الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، والجميع في لبنان وخارجه يريدونها ويتصرفون على هذا الأساس: المجتمع الدولي يريد الانتخابات كنقطة انطلاق الى إصلاحات ومساعدات، ويبدي استعدادا لتأمين مستلزماتها المالية واللوجستية. اللبنانيون يتحينون فرصة سانحة لإحداث تغيير أولي في الطبقة السياسية الحاكمة ومحاسبتها. الأحزاب والقيادات السياسية لا تبدي قلقا ولا تعطي إشارات تفيد بأنها «مذعورة» ومتهيبة للموقف ولهذا الامتحان الشعبي، لا بل توحي بأنها هي أيضا تنتظر محطة الانتخابات لتأكيد شرعيتها الشعبية، ولرد اعتبارها وكرامتها السياسية المهانة. المسؤولون الكبار (الرؤساء الثلاثة) يؤكدون تكرارا على إجراء الانتخابات في موعدها بعدما تم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتأكد صمود الحكومة رغم ما اعترى عملها من شلل لأكثر من 3 اشهر قبل ان يوافق الثنائي الشيعي على عودة وزرائهما لحضور اجتماعاتها. وحتى حزب الله، وهو الطرف الأقوى الذي في يده ورقة الانتخابات، يطلق إشارات متكررة تفيد بأنه مع إجراء الانتخابات وله مصلحة في ذلك لتجديد شرعيته الشعبية والسياسية في وجه الضغوط الخارجية والتصنيفات الإرهابية له، وأنه لا مشكلة له في انتخابات يمسك فيها الوضع الشيعي بإحكام ولديه القدرة على دعم حلفائه، وحتى لا مشكلة لديه إذا لم تعد الأكثرية النيابية في حوزته، لأن البلد يحكم بالديموقراطية التوافقية والميثاقية وليس بالأكثرية النيابية.

ولكن على أرض الواقع، تتجمع وتتكاثر الإشارات غير المطمئنة التي تفيد بأن الطريق الى الانتخابات ليست سالكة وآمنة، وإنما مزروعة بالألغام والحفر، وأن تفاقم الأوضاع واتجاهها الى مزيد من التأزم والتعقيد يحمل في طياته خطر تطيير الانتخابات. هذا القلق الذي أحاط بمصير الانتخابات كان بدأ فعليا منذ أحداث عين الرمانة وبروز العامل الأمني والوضع القابل للانتكاس والانفجار في أي لحظة، وتعاظم إثر انفجار الصراع بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في الوقت القاتل، بدءا من واقعة المجلس الدستوري الذي لم يتوصل الى قرار، مرورا بواقعة الحوار الوطني الذي سايره بري شكلا ونسفه عمليا من خلال حلفائه، وصولا الى تحريك الشارع «الغاضب الصامت» واستخدامه.

يضاف الى «الانسداد السياسي» تسارع وتيرة الأزمة المالية مع انهيار سعر صرف الليرة واشتداد الضغوط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وفي ظل هذه الأجواء يسود اعتقاد لدى أوساط سياسية وديبلوماسية بأن ما يتم تحضيره على الأرض سيصب في خانة السعي الى تطيير الانتخابات النيابية، وأن ليس هناك من مجال لرفع المسؤولية عن الطبقة السياسية الحاكمة إلا عبر لعبة الشارع وتطويرها الى فوضى متدحرجة وغير منظمة. وهنا تتجه الأنظار الى حزب الله بصفته القادر على التحكم بمجريات الأمور، وفي حال تأكد لديه أن هناك خطة لتطويقه ومحاصرته داخليا والنيل منه عبر الانتخابات، واستكمال ما كان بدأ من مطاردة حلفائه قضائيا في الداخل وعبر عقوبات أميركية أو عقوبات أوروبية يجري التلويح بها.

في حالة تطيير الانتخابات وتأجيلها يرتسم احتمالان وسيناريوهان:

الأول: أن يكون التأجيل مقرونا بالتمديد سنة لمجلس النواب، وهذا يعني حكما التمديد للحكومة الحالية، وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد من المجلس النيابي الحالي، وبالتالي تظل الخيارات الرئاسية محكومة بميزان القوى النيابي والسياسي الذي يعني تكرار تجربة العام 2016 بأن تكون المنافسة محصورة بين سليمان فرنجية وجبران باسيل (بدلا من عون).. مع إضافة خيار ثالث متقدم في هذه المرحلة وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون، وخيار رابع يصنف في خانة «المفاجآت وفلتات الشوط».

التمديد لمجلس النواب يمكن أن يمر ولو بصعوبة لأن هناك قوى أساسية لا تريد الانتخابات وتخشى نتائجها، ولأن المجتمع الدولي إذا وضع بين خياري التمديد أو الفوضى يفضل الخيار الأول.

الثاني: أن تسقط الانتخابات ومشروع التمديد النيابي في آن، إذا كان التمديد خيارا خطرا ومرفوضا بقوة من ـ الشعب اللبناني أولا، ومن قوى المعارضة السياسية التي يمكن أن تلجأ الى لعب ورقة الاستقالات الجماعية من البرلمان وترد على مشروع التمديد بإسقاط مجلس النواب، وأن يكون مرفوضا من المجتمع الدولي الذي سبق أن لوح بورقة العقوبات.

إن سقوط الانتخابات ومعها سقوط خيار التمديد يعني الوصول الى فراغ نيابي، وأن لا مجلس نواب ينتخب رئيسا جديدا للجمهورية، وبطبيعة الحال لا حكومة. وبالتالي، يسقط لبنان في حالة الانهيار الشامل والفراغ المؤسساتي والدستوري الكامل، ويدخل عمليا مرحلة انتقالية خطرة، هي مرحلة العبور من وضع الى آخر ومن نظام الى آخر، مرحلة جديدة عنوانها إعادة التأسيس للنظام وإعادة البناء للدولة. وهذه المرحلة الانتقالية ليس هناك إلا الجيش اللبناني من يديرها ويهيئ الأجواء لانتخابات نيابية ورئاسية جديدة بعد عملية «تنظيف» إداري ومؤسساتي.

ويبقى من المهم إذا وصلنا الى هذه المرحلة، معرفة موقف حزب الله من الإدارة الانتقالية على يد الجيش وبصلاحيات استثنائية، وكيف سيتعاطى ويتصرف، على أساس التكيف مع الواقع والتعايش مع الدولة وقواعد اللعبة الجديدة، وبأي شروط وضمانات؟! وأيضا معرفة موقف المجتمع الدولي، وهل يعتبر نفسه مهتما ومعنيا بمستقبل لبنان ومن يحكمه؟!