IMLebanon

الجيش اللبناني ضمانة أخيرة لعدم انزلاق الأوضاع إلى الأسوأ

كتب ناصر زيدان في صحيقة الأنباء:

خطاب قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون أمام ضباط وجنود فوج الدعم اللوجستي نهار الجمعة الماضي، دق ناقوس الخطر، وقد أشار بوضوح الى حجم التحدي الذي يواجهه لبنان وجيشه عندما قال: إما الصمود في المؤسسة العسكرية أو الفوضى، وهو ما يعتبر إنذارا أخير واضحا موجها للضباط وللعسكريين وللبنانيين عامة، وبالعادة يتحفظ قائد الجيش عند الإدلاء بتصريحات سياسية، وهو دقيق في استخدام العبارات التي تحمل تحذيرات أو رؤى مستقبلية، وتأكيده بحصول الفوضى كبديل عن صمود الجيش، يحمل تهديدا واضحا للطبقة السياسية برمتها، والفوضى في لبنان مقاربة خطيرة تعني زوال الدولة والعودة الى الاقتتال الداخلي وشرذمة المؤسسات الدستورية.

ضغطت القوى المهيمنة على القرار اللبناني منذ ما يقارب 20 عاما على إبقاء شعار «الشعب والجيش والمقاومة» ضمن البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، برغم التغييرات الهائلة التي حصلت على الأوضاع اللبنانية، حيث لم يبق هناك أراض محتلة وفقا للقانون الدولي تبرر بقاء المقاومة بعد ترسيم الخط الأزرق من قبل الأمم المتحدة عام 2000 ووافق لبنان على محضر تطبيق القرار 425، بينما مزارع شبعا تخضع للقرار 242، ويعتبرها القرار من ضمن الأراضي السورية حتى الآن.

وقد وصلنا الى وضعية ثابتة تؤكد أن الشعب منهك ومنهار وجائع، والجيش في حالة من الإنهاك يمارس صمودا أسطوريا في ظروف صعبة، بينما المقاومة موجودة بأشكال متعددة، وتمارس دورا داخليا وخارجيا يتناقض مع أهدافها المعلنة قبل العام 2000 مدعومة من ايران، بينما يفترض أن تعطي كامل دورها للجيش وفقا لما جاء في القرار 1701، ولما نص عليه إعلان بعبدا للعام 2012.

واضح أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين وقواهم السيادية متماسكة ومؤمنة بالدولة، وهي تتحمل كل الصعاب القاسية، وتعتبر أن الجيش ومعه القوى الأمنية ضمانة أخيرة متبقية للبنان، لأن التهديد بزوال الدولة قائم، وهناك جهات ربما تسعى لتحقيق هذا الهدف، لأنها متضررة من تماسك الجيش الذي يحفظ المؤسسات الشرعية، وهذه القوى لا تقيم أي اعتبار للخصوصية اللبنانية العربية التي شكلت تجربة حضارية وديموقراطية وعلمية رائدة، تجمع في فرادتها بين الشرق والغرب.

التطورات السلبية الأخيرة زادت من منسوب التهديد الوجودي، وخلط الأوراق أمام الاستحقاقات الانتخابية القادم، يهدد مصير هذه الانتخابات، وقد يفتح الباب لوصايات جديدة.

الالتزامات الدولية التي اقرها مؤتمر روما في يونيو 2021 لدعم الجيش لم تنفذ بمعظمها. والمساعدات الأميركية غير كافية نظرا لحاجة الجيش الكبيرة للسلاح وللمعدات ولقطع الصيانة، كما أن الصندوق الدولي لتوفير مبلغ مالي يدفع شهريا لضباط ورتباء وأفراد الجيش لم يوضع قيد التطبيق، والمساعدات العربية – والخليجية خصوصا – مشروطة بالتزام الحكومة بسياسة النأي بالنفس عن ملفات المنطقة، ومنع تحويل لبنان الى منصة لتهريب الممنوعات وللعدوان العملي واللفظي على هذه الدول.

صرخة قائد الجيش الأخيرة تنبه الى خطر محدق، وهي تدعو لرفع مستوى الدعم للجيش على مختلف المستويات، لأن طلبات التسريح لضباط وأفراد تزايدت نظرا لتراجع قيمة الرواتب، والوضع المعيشي الصعب دفع عدد قليل من هؤلاء الى الخروج عن تقاليد الانضباط المعتمدة، خصوصا عبر المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعية الفالتة، كما أن بعضهم وقع ضحية إغراءات مالية لتغطية مهربين أو غض الطرف عن مخالفين للقانون، وهي ظواهر بعيدة كل البعد عن التقاليد العسكرية، وتعمل قيادة الجيش على منع حصولها نهائيا، من خلال فصل المرتكبين أو فرض عقوبات مسلكية قاسية عليهم.