IMLebanon

ردّ مجلس القضاء حول “القنبلة الدخانية”

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

يثير الكلام عن قنبلة موقوتة يخفيها البند 16 من جدول أعمال مجلس الوزراء الذي سيُعقد اليوم، سخرية أكثر من وزير ومعنيّ بهذا الملف. يقول أحدهم إنّ عقلاً ساذجاً افتعل معركة من «لا شيء»، فقط لأنّه مسكون بهاجس أي قرار له بُعد قضائي أو مرتبط بأي شأن قانوني… مع العلم أنّ المطلعين يدركون جيّداً أنّ السجال الذي انبعث خلال الساعات الماضية، لا يمتّ للواقع، أو للحقائق بصلة.

وفق الحملة التي شنّت، يفترض أن يكون البند المذكور الذي يتضمن اقتراح قانون يرمي الى إلغاء القانون رقم 359 تاريخ 6 آب 2001، المتعلق بتعديل أصول المحاكمات الجزائية، محور تجاذب سياسي حاد على طاولة مجلس الوزراء، قد يؤدي إلى تأجيل البتّ فيه، لأن البعض يرى فيه اقتراحاً ملتبساً، يخفي وراءه محاولة لنزع بعض الصلاحيات المهمة من مدعي عام التمييز، وإناطتها بوزير العدل، ما يعني ضمناً، الالتفاف على صلاحيات مدعي عام التمييز والقضاء عموماً، مع ما تعنيه هذه المحاولة لاستبدال المحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.

لكن الغوص في مسار الاقتراح يبيّن غير ذلك. اذ يكشف أحد المعنيين انّه بتاريخ 5 نيسان 2018 وجّه الأمين العام لمجلس الوزراء كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى لاستطلاع رأيه باقتراح قانون يرمي إلى إلغاء القانون رقم 359 تاريخ 6 آب 2001 الذي عدّل بعض مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية، وبالتالي إعادة العمل بالقانون رقم 328 تاريخ 2 آب 2001 في ما يتعلّق بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لتقديم الملاحظات اللازمة، والمقدّم من النائب زياد أسود.

هكذا، اجتمع مجلس القضاء الأعلى يوم 26 شباط 2019 برئاسة رئيسه القاضي جان فهد، وأوضح في ختام مناقشاته أنّه لا يرى أسباباً تبرر تعديل النصوص القانونية.

بالتفصيل، رأى مجلس القضاء في كتابه الذي اطلعت عليه «نداء الوطن»، في ما خصّ الفقرة الأخيرة من المادة 13، أنّه «لمّا كان من الأجدى، تسهيلاً للاجراءات المتعلّقة بتحريك دعوى الحقّ العام أصحاب العلاقة، عندما تدعو الحاجة، أن يكون النائب العام لدى محكمة التمييز هو صاحب الصلاحية للبتّ في أمر الخلاف الذي قد يقع بين أيّ من النيابات المختصة وأي مرجع غير قضائي بخصوص الملاحقات الجزائية بحقّ أيّ من أصحاب العلاقة، ولمّا كان نزع تلك الصلاحية من النائب العام لدى محكمة التمييز ومنحها لـ»محكمة الاستئناف المدنية»، يبقى من دون مبرر على صعيد أصول واجراءات القضاء الجزائي ولا يحقق الغاية المرجوّة بل قد يعرقل تحريك دعوى الحقّ العام ويعيق مسارها». وخلص المجلس إلى «أنه ليس من مبرر قانوني لتعديل نصّ الفقرة الأخيرة من المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية».

أمّا في ما خصّ المادة 14، فقد رأى المجلس أنّه «لمّا لم يتبيّن أنّ هناك أي مبرر قانونيّ يستوجب عدم إعطاء النائب العام التمييزي صلاحية إجراء التحقيقات عندما يرى موجباً لذلك، خاصة وأنّ هناك ضابطة عدلية تابعة له وهي قسم المباحث الجنائية المركزية، علماً بأنّ النصّ ذاته لا يولي النائب العام التمييزي سلطة الإدعاء ما عدا ما أعطي له بنصّ خاص، كمثل المادة 61 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بصدد الدعاوى المحالة إلى المجلس العدلي، ولمّا كانت التجربة العملية الحالية قد أثبتت فعالية كلّ من النصين المقترح تعديلهما في تسريع الملاحقات»، وخلص مجلس القضاء الأعلى إلى «عدم الحاجة لتعديل نصّ المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية».

وفي الأول من آذار 2019 كان ردّ مجلس القضاء الأعلى في الأمانة العامة لمجلس الوزراء. وفق العرف، عادة ما تلتزم الحكومة والوزراء المعنيون، في ما خصّ اقتراحات القوانين، برأي الإدارة المعنية قبل إعادة الاقتراح إلى مجلس النواب الذي يبقى صاحب سلطة اقرار القوانين. هكذا، وفق المعلومات، التزم وزير العدل السابق ألبرت سرحان بتوصية مجلس القضاء، ثم كررت الوزيرة السابقة ماري كلود نجم الجواب عينه حين سئلت عن رأيها بالاقتراح، كونه لم يوضع على جدول أعمال حكومة سعد الحريري. كذلك أعيد الاقتراح مع جواب مجلس القضاء إلى وزير العدل الحالي هنري خوري الذي لم يخالف بدوره رأي الإدارة المعنية. وقد وجّه كتاب الردّ إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في شهر تشرين الثاني الماضي، فعمدت الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى وضع البند على جدول الأعمال بعد الانتهاء من استطلاع آراء الإدارات المعنية، وعودة جلسات مجلس الوزراء.

وكان يفترض أن يكون ردّ مجلس الوزراء متماشياً مع ردّ مجلس القضاء الأعلى، حيث يؤكد أحد وزراء الثنائي الشيعي أنّ هذه المعركة المختلقة ليست معركته بالأساس، ويفترض أن يعود الاقتراح إلى مجلس النواب ليأخذ دوره في هذا المجال، فيما يؤكد أحد المعنيين أنّ الضجّة التي افتعلت دفعت بوزير العدل إلى الانكفاء ولو أنّه بالأساس لم يخالف آراء من سبقوه، بالتماهي مع رأي مجلس القضاء برفض التعديلات المقترحة، والتي لا صلة لها لا من قريب أو من بعيد بمصير المحقق العدلي طارق البيطار.

ولهذا سارع النائب زياد أسود إلى التغريد صباحاً للقول «زوبعة شو! ما خص القاضي طارق بيطار. بتاريخ تقديم الاقتراح 2018 لم يكن هناك انفجار ولا أزمة، بل استشراف لأزمة قضائية ناتجة عن صلاحيات أعطيت للنائب العام التمييزي أثناء الوجود السوري لخلق توازن طائفي سياسي معطل داخل الجسم القضائي. أما الأسباب الموجبة فإجرائية وليست سياسية».