IMLebanon

«جنبلاط القلق» المتوجس من المرحلة المقبلة: «التحجيم السياسي» من بوابة الانتخابات

عندما افتتح موسم الانتخابات ابتداء من مطلع العام الحالي، توجهت الأنظار أولا إلى الساحة المسيحية، حيث تدور «أم المعارك» التي ستحدد ليس فقط هوية الفائز والمتربع في صدارة الترتيب المسيحي، وإنما ربما مصير الأكثرية النيابية الجديدة، ثم تحولت الأنظار إلى الساحة السنية مع تفجير الرئيس سعد الحريري «قنبلة» و«مفاجأة سياسية» بإعلان خروجه وتياره «المستقبل» ليس فقط من الانتخابات وإنما أيضا من الحياة السياسية، ما أدى إلى حالة ضياع وفوضى انتخابية داخل الطائفة السنية، وإلى خلط أوراق التحالفات والترشيحات وإرباك الحلفاء أكثر من الخصوم.

والآن، تتحول الأنظار إلى الساحة الدرزية مع حصول مستجدات وبروز مؤشرات تفيد بأن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يواجه تهديدا فعليا ويخوض الانتخابات الأصعب في حياته، وستكون حاسمة في تحديد حجمه السياسي و«الزعاماتي».

وإذا كان سعد الحريري واجه سياسة وضغوط «الإحراج للإخراج» وخرج بقرار طوعي ولكن بطريقة قسرية، فإن جنبلاط يواجه سياسة «الحصار والاستفزاز»، ولكنه لا يستطيع أن يخرج لا من الانتخابات ولا من الحياة السياسية. ولا يستطيع أيضا أن يتقبل الهزيمة ويتعايش معها، ولا يعود أمامه إلا مراجعة الحسابات وتحسين الشروط ما أمكن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ومثل هذا الوضع السيئ واجهه جنبلاط قبل ذلك في العام 2008 (أحداث 7 أيار) ونجح في الالتفاف عليه والحد من مفاعيله السلبية، ولكن مقابل تنازلات وفك ارتباطه بتحالف «14 آذار».

اليوم، يواجه جنبلاط خطرا يمكن القول إنه «خطر وجودي» أيضا ولكن من نوع آخر، في السياسة وليس على الأرض، حيث يستشعر جنبلاط أن هناك خطة تعد بإحكام لتطويقه في الانتخابات والدفع باتجاه خفض كتلته النيابية كمقدمة إلى تحجيمه سياسيا وتهميش دوره الذي كان دور المرجح و«بيضة القبان» وفقده منذ زمن.

جنبلاط في فترة الـ 15 سنة الواقعة بين اتفاق الطائف وعام 2005، كان بلغ «الذروة» وأخذ حجما نيابيا وسياسيا فاق «حجمه الواقعي» مع وصول كتلته إلى 18 نائبا، لتبدأ بالانخفاض في الـ 15 سنة الواقعة بين 2005 و2020. وفي آخر انتخابات عام 2018 بلغت 9 نواب، وفي انتخابات 2022 يمكن أن ينزل هذا الرقم إلى النصف أو أكثر قليلا.

وأكثر ما يقلق جنبلاط ويستفزه هو نقل المعركة إلى داخل «البيت الدرزي» والدخول في مرحلة اقتطاع مقاعد درزية راسخة له، بعدما جرى في مراحل سابقة وبشكل متدرج اقتطاع الكثير من المقاعد المسيحية.. فكيف إذا لم يعد جنبلاط يحوز إلا على نصف المقاعد الدرزية، وربما على أقل من ذلك؟!

في مجلس الـ 128 مقعدا، يقتصر التمثيل الدرزي على 8 مقاعد موزعة بين: الشوف (2) وعاليه (2) ومقعد واحد في كل من بيروت وبعبدا وحاصبيا والبقاع الغربي. ويخوض جنبلاط في الانتخابات المقبلة معارك على كل الجبهات، ويواجه تحديات في كل الدوائر تقريبا:

٭ في الشوف، التحدي يكمن في الاحتفاظ بالمقعد الدرزي الثاني الذي يشغله النائب (المستقيل) مروان حمادة ويتطلع إليه وئام وهاب بعدما كاد يحصل عليه في العام 2018 لولا مسايرة الثنائي الشيعي لجنبلاط برغبة من بري.

٭ في بيروت، سيكون من الصعب على جنبلاط الاحتفاظ بالمقعد الذي يشغله النائب فيصل الصايغ، وبعدما بات في حكم المؤكد أن الوزير السابق صالح الغريب سيترشح في هذه الدائرة وعلى لائحة الثنائي الشيعي. وإذا قرر جنبلاط الرد على ذلك بإقفال لائحته في «عاليه» وعدم ترك المقعد الدرزي الثاني شاغرا لإرسلان، فإن فوزه بهذا المقعد ليس محسوما ومؤكدا.

٭ في حاصبيا، المقعد الذي «صادره» الرئيس بري على امتداد 30 عاما وشغله النائب أنور الخليل، سيئول إلى مروان خير الدين الذي سيكون في عداد كتلة بري، وإن طغت عليه صفة النائب المستقل وكان لإرسلان فيه «حصة وأسهم».

٭ في البقاع الغربي، يواجه وائل أبوفاعور تهديدا جديا، وهناك احتمال استعادة هذا المقعد من قبل عائلة الداوود التي هي على علاقة جيدة مع دمشق وحزب الله (المقعد شغله سابقا فيصل الداوود، وسيؤول إلى شقيقه طارق الداوود).

مما لا شك فيه أن قانون الانتخابات الجديد (التمثيل النسبي والصوت التفضيلي) كان له أثر سلبي بالغ على وضعية جنبلاط الانتخابية، ولكن الأسباب والعوامل السياسية تبقى هي الأهم: هناك أولا، اعتزال سعد الحريري لتصبح المختارة «وحيدة حزينة»، وثانيا، تراجع تأثير بري عند حزب الله الذي لم يعد «يجاريه» كما في السابق إلا في حالات ودوائر محددة (مثل: دائرة جزين)، وهناك ثالثا، رغبة حزب الله في «تحجيم» جنبلاط سياسيا وتدفيعه ثمن مواقفه الأخيرة، ورابعا، موقف دمشق من «المختارة».