IMLebanon

“مفاجأة السنيورة”: كسر قرار الحريري بالمقاطعة والانسحاب والتقدم إلى”منصة القيادة السياسية” للطائفة

شكل قرار الرئيس سعد الحريري بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة ترشحا واقتراعا وتعليق المشاركة في الحياة السياسية مفاجأة كبرى وفجر قنبلة سياسية (ليس قنبلة صوتية وإنما قنبلة عنقودية أصابت بشظاياها كثيرين ومازال دويها وصداها يترددان).

المفاجأة السياسية الأخرى التي لا تقل أهمية في نتائجها وتداعياتها، ليس على مستوى الانتخابات النيابية فحسب، وإنما أيضا على مستوى المعادلة السياسية ومرحلة ما بعد الانتخابات، تمثلت في قرار الرئيس فؤاد السنيورة المعاكس بالدعوة إلى المشاركة الكثيفة والنشطة في الانتخابات النيابية ترشحا واقتراعا، وبتزخيم المشاركة في الحياة السياسية والمبادرة إلى تحديد الإطار العام للمرحلة المقبلة وللموقف السني مع تحديد سقفه السياسي وأهدافه وآلياته، وهو القرار الذي اعلنه السنيورة في مؤتمر صحافي عقده في مكتبه مؤخرا، بعد جولة مشاورات مع المرجعيات والفعاليات في الطائفة السنية.

وأعلن الرئيس فؤاد السنيورة الموقف التالي:

1 ـ دعوة أهل السنة والجماعة للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة ترشيحا واقتراعا، والى عدم إخلاء الساحة الوطنية والسياسية للنفوذ الإيراني و«للطارئين».. ولأن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات تنطوي على شبهة أن لبنان فقد قواه الحية ورضخ للهيمنة، ولأن الانتخابات هي محطة يجب عدم تفويتها والاقتراع هو تعبير عن الاستنكار والرفض لممارسات الهيمنة وإيصال الاعتراض إلى العالم.

2 ـ دعوة السنة خاصة واللبنانيين عامة إلى النضال الوطني من أجل استعادة لبنان سيادته واستقلاله وحرياته ودوره وعلاقاته، محددا حزب الله وهيمنة إيران أساسا للمشكلة وسببا رئيسيا لها، وداعيا إلى استعادة التوازن الداخلي على أساس احترام الدستور وسلطة القانون، والى استعادة لبنان توازن سياسته الخارجية وفي مقدمها ما يضمن حسن علاقاته مع الأشقاء العرب، وداعيا أيضا إلى الالتزام باتفاق الطائف واستكمال تطبيقه.

ويبدي السنيورة تفهما لقرار الرئيس سعد الحريري والظروف والأسباب التي أملت عليه اتخاذه، ولكنه يغالطه ويخرج على قراره ويلغي مفاعيله.. ولا يعتبر السنيورة أن الأزمة هي طائفية أو مذهبية وانها أزمة السنة في لبنان، وإنما يعتبرها أزمة وطنية مع «دولة مخطوفة ومرتهنة لم تعد هي صاحبة السلطة والنفوذ والقرار في لبنان».

وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي أول من قرع جرس الإنذار في شأنها، معبرا عن عمق الأزمة والحاجة إلى تحرير الدولة اللبنانية من وصاية السلاح وتحييدها عن الصراعات والمحاور الإقليمية.

والسؤال الأول الذي يثار هنا، هو: لماذا أقدم السنيورة على هذا «القرار الخيار» وطوى صفحة سعد الحريري سياسيا وافتتح مرحلة جديدة ونصب نفسه قائدا لها؟!

جملة أسباب وعوامل دفعت الرئيس السنيورة إلى ذلك، وهي:

1 ـ قناعته الضمنية بأن خروج سعد الحريري هو خروج نهائي، وأن الفراغ الكبير الذي خلفه وراءه لا يمكن أن يستمر، وإلا فإن الساحة السنية تكون قد أخليت للخصوم والقوى المتربصة وللتطرف، وستصبح عرضة لاختراقات وانقسامات وتشرذم وتفتت، ما سيؤدي إلى إضعاف دورها وتأثيرها في القرار الوطني وفي الاستحقاقات السياسية المزدحمة خلال العام الحالي.

وفي رأي السنيورة، لا يجوز ولا يعقل إقصاء السنة من المشهد السياسي، ولا يجب أن يخرج أهل السنة من دائرة التأثير في القرارات الأساسية، ولا يجوز شطب تيار سياسي له أوسع تمثيل مناطقي.. وإذا كان هناك ما استوجب وفرض تغيير الزعيم والقائد، فليس هناك ما يوجب إخراج طائفة من المعادلة.

2 ـ مقاطعة السنة للانتخابات وتدني نسبة مشاركتهم بدرجة كبيرة ستؤدي إلى تغيير خارطة التمثيل السني بشكل كبير، وحيث سيتقدم كثيرون إلى الساحة الخالية ويصولون ويجولون ويقتطعون لأنفسهم مساحات وحصصا ويحجزون أمكنة ومقاعد. والأمر لا يتوقف عند قوى سنية طامحة وتتحين الفرصة، وإنما يتجاوزها إلى قوى من خارج الطائفة السنية، وتحديدا حزب الله ودمشق اللذين سيكونان أكثر المستفيدين من حال الفراغ لملئه بشخصيات وقوى موالية لهما. وهذا ما بدأت مؤشراته تظهر تباعا.

3 ـ التطورات الكبيرة المتسارعة في المنطقة والعالم، والتي تضع لبنان عند عتبة تحولات وصفقات، وعند فوهة مرحلة حافلة لن يكون بمنأى عن تداعياتها، وسيدفع السنة ثمنا باهظا إذا ما جرت التسويات وهم خارج المشهد والمعادلة.

إن كل ما يجري في المنطقة والعالم غير مطمئن ومدعاة للقلق بالنسبة للسنيورة، ويمكن تلخيصه وفق مراقب سياسي على هذا النحو: «يتقدم المحور الإيراني بدعم روسي، ويحاول فرض سطوته في المنطقة بالاستفادة من المواجهة الروسية المفتوحة مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، وكذلك زخم التوقيع المرتقب للاتفاق النووي الايراني في فيينا، يقابله تراجع أميركي وأوروبي واضح في خوض المواجهة على الساحة اللبنانية على نحو جاد، ففرنسا دخلت في زمن الانتخابات، وكشفت الأحداث ضعف ثقلها السياسي، فيما تبدو واشنطن مهتمة فقط بالغاز وترسيم الحدود البحرية، وإذا ما وصلت الصفقة الأميركية مع الرئاسة الأولى في هذا الملف إلى خواتيمها بعد تحييد دور قائد الجيش، فلن تكترث الإدارة الأميركية لأي شأن آخر، ولن تتدخل في رسم موازين القوى الجديدة.

اما السؤال الثاني، فهو: ما الخطوة التالية من جانب السنيورة؟!

1 ـ عندما يحث السنيورة أهل السنة والجماعة على المشاركة الكثيفة ترشحا واقتراعا، هذا يعني أنه بذلك يمهد لمشاركته هو أولا، وأنه لن يسير على خطى سعد الحريري وتمام سلام ونهاد المشنوق الذين انسحبوا، وكل واحد لأسبابه وظروفه. وبات من المرجح أن يبادر السنيورة إلى قيادة لائحة كاملة في بيروت الثانية ترجمة وتكريسا لموقعه المتقدم، باعتبار أنه يمثل رمزية سنية وكان على علاقة وثيقة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري وظل واقفا إلى جانب الحريري ولم يتركه حتى في عز الخلاف معه حول التسوية الرئاسية، إضافة إلى أن بهاء الحريري لم يصب نجاحا في محاولته الأولى لملء فراغ شقيقه ووراثته، ولأن العاصمة بيروت هي مركز الثقل وأهلها يشعرون أنهم متروكون ومهملون وأن زعاماتهم ضعيفة.. وبالنتيجة، يرى السنيورة أنه الأقدر على جمع الصوت السني المشتت بعد عزوف سعد الحريري، وعلى التخفيف من نسبة المقاطعة السنية في بيروت وتحفيز الناخبين الملتزمين في صفوف تيار المستقبل.

2 ـ «مشروع السنيورة» لا يقتصر على تشجيع أهل السنة والجماعة على المشاركة في الانتخابات وعدم ترك الساحة السنية لقمة سائغة أمام الخصوم، وإنما يتجاوز ذلك إلى تكريس نفسه وموقعه كمرجعية سنية في زمن التحولات الكبرى والأوقات الصعبة. وربما يفكر السنيورة بالزعامة السنية ولكنه بالتأكيد يفكر بالقيادة السياسية على مستوى الطائفة السنية، وأيضا على مستوى المعارضة الوطنية التي تحتاج إلى توحيد الصفوف ونبذ الخلافات بين القوى السيادية، والى قيام جبهة موحدة ومتراصة، ومن يقود سياستها ومواقفها.

إن الرئيس فؤاد السنيورة يقترب من الدور الذي كان لعبه الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما تولى قيادة «لقاء البريستول».. والمشهد اللبناني العام يقترب من أجواء 2004 ـ 2005.. وها هو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يعود تدريجيا إلى تموضع ما قبل العام 2008 ويعلن قراره بالتصدي لمحاولة إلغائه، بهدوء وحزم.. وها هو البطريرك الماروني بشارة الراعي يفعل ما كان فعله البطريرك الراحل نصرالله صفير بدءا من نداء أيلول 2000 الشهير، والبطريرك الراعي يقرع منذ أشهر جرس الإنذار وقد اطلق أكثر من نداء.