IMLebanon

هنا معرض “طهران” للكتاب

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

أهلا بكم في معرض طهران للكتاب! أناشيد قاسم سليماني تصدح: «أنا الذي سمّتني أمي حيدر»، «للقدس طريق من دمه»، «دام رعبك»… آخ، يا بلدنا! آخ، أيّ وضع أصبحنا فيه. وكل الكلام يبقى أقل بكثير من واقع ما شاهدناه في معرض الكتاب الدولي في بيروت!

هلموا الى معرضٍ ننتظره (أو كنا ننتظره) بفارغ الصبر كل عام لأنه كان يشبهنا، كان يشبه لبنان جبران خليل جبران وسعيد عقل وعمر فروخ وعبدالله العلايلي وفيروز ووديع الصافي ويشبه بيروت بتنوعها وانفتاحها. فقبل البارحة، كنا نظن أن الكتاب هو النور الذي يرشدنا الى الحضارة، الى أن وجدنا كتبا ترشد الصغار والكبار الى تمجيد القتل وتبيع صور قاسم سليماني وشهداء إيران بدل «الأجنحة المتكسرة» و»رمل وزبد» و»التائه» و»ديوان الجداول» و»قصيدة المساء» و «من روابينا القمر»… تغيّر لبنان، منذ آخر معرض للكتاب قبل ثلاثة أعوام كثيراً وعاد ثلاثة قرون الى الوراء.

المعرض «برعاية رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي». يافطة تدل على ذلك عند المدخل. لكن من يعبر يظن أنه أخطأ المكان. نساء يلبسن الشادور في كلّ مكان. ومجسمٌ كبير لقاسم سليماني في «دار المودة» وهو يرتدي الكوفية والزي البرتقالي. هو معرض كتاب أم معرض قاسم سليماني أم معرض يُراد من خلاله إعلان إنهاء دور لبنان الثقافي؟ هي أول مرة نجول فيها في معرض كتاب يشدنا هكذا الى الوراء. هنا يقتلون الكتاب وقتل الكتاب يماثل قتل الإنسان. ووحده، السيد موسى الصدر، إستمرّ، في كل معمعة هذا المعرض، واقفا عارماً داعياً الى «كلمة سواء». نتمهل أمام «مركزالإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات». نتوقف امام صور الإمام مع تواريخها: هذه خلال زيارته الى معمل المرايا عام 1967، وتلك خلال لقاء جمعه مع مثقفين عام 1969، وهناك صورة التقطت له عام 1968 خلال الدورة الأولى لانتخابات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1969… وحده حضور هذا المركز جعلنا نتنفس الصعداء قبل ان ندخل الى العمق الإيراني.

دار الأمير للثقافة والعلوم. تتصدره يافطة: «أمة تقرأ… أمة تنتصر». نبحث فيها عن كتب جديرة بالقراءة فنلتقط عناوين: الوعد الصادق. كواكب النصر. النسوة المتشحن بالتشادور يشترين والأكياس التي يعبئن فيها باللونين الأصفر والبرتقالي.

جمهورية إيران الإسلامية حجزت لنفسِها «بالإسم» جناحاً في المعرض وحجزت كل المعرض من خلال دور نشر نسمع بها لأول مرة. ندخل الى جناح إيران في معرض يستحق اسم طهران ونبدأ في «فلفشة» الكتب المعروضة. «السيرة الذاتية لأستاذ الحروب غير المتكافئة لمحور المقاومت (بالتاء الطويلة) حامل لواء فيلق محمد رسول الله الشهيد حسين حمدان». «الحاج قاسم سليماني- القائد الإستثنائي بين القيادة الميدانية والإدارة الديبلوماسية»… كتبٌ كتب من نفس المعجن ولنفس الهدف… ورجل تتحلق حوله نحو عشر نساء يخبرهن عن استراتيجيات المقاومة والنموذج المرتجى وضرورة تأهب الجميع.

نتابع جولتنا. زوارٌ من دعاة «الموت لأمريكا» يدفعون بالعملة الصعبة، الأميركية. صور لقادة حزب الله بعضها ثلاثي الأبعاد وصل للتوّ من الصين. تُمسك إمرأة بصورة، تميل بها الى اليمين قليلا ثم الى اليسار، وتسأل عن تقنية طباعتها فيخبرونها أنها خمس صور في صورة لهذا تبدو وكأنها تكاد تنطق. تفرح بها وتأخذ من كل صورة ثلاث نسخ. لقاسم سليماني مجسّمات صغيرة أيضا، يباع المجسم الواحد بعشرين ألفا وهناك صور تعلق على الصدور. نسأل عن أصحاب تلك الصور فيأتي الجواب أنها لشهداء إيرانيين. ومع كل صورة صورة ثانية هدية: فتاة تبتسم على دبابة. وعلى قفا الصورة كتب: «بيكسل ردا مات/ برسام قيمت 30,000 ريال. كجاوة سخن سورة».

أين نحن؟ في بيروت أم في طهران؟ في معرض كتاب أم في معرض إستراتيجي أبعد من حدود لبنان؟

قصص الأطفال لها نصيبها في معرض «طهران» ( بيروت سابقاً) للكتاب. نحاول أن نفهم ماذا في محتوى هكذا قصص مصورة. نفتح واحدة ونقلب بين صفحاتها. العنوان «وأنا أيضا سأكون الحاج قاسم» ومضمونها: «أبي وأمي أنا أحب الحاج قاسم لأنه كان يحب أباه وأمه… شفتاه ضاحكتان وحاجباه عابسان وأنا احب الحاج قاسم لانه مبتسم دائما لكنه عبوس عندما يواجه العدو… إذا اراد العدو ان يهاجم بلادي سأقاتله بسلاحي حتى يفرّ من بلادي… إذا أراد العدو ان يغزو بلادي فسأركب الدبابة وأقضي عليه… إذا أراد العدو أن يهاجم بلادي بحراً فسأعترض زوارقه في البحر بزورقي السريع… «. تتمهل أم يرافقها خمسة أطفال وتشتري لهم القصة بسعر 65 ألف ليرة لبنانية. هي قصة قبل النوم. ألم نسمع احدهم يتحدث عن «استراتيجية المقاومة»؟

الدستور اللبناني يتيم في المعرض. خمسة اجزاء بمئة وخمسة وعشرين الف ليرة. ودار الفرات، بين قلائل، لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة، بدت تغرّد خارج السرب. هناك يتحدثون عن سعر إيجار المتر لزوم المعرض بعشرة دولارات بعدما كان قبلا مئة دولار. وسرعة إقامة المعرض، وظروف البلاد، جعلا دور النشر العربية والإقليمية تفرد مساحتها لأي كان. والمشهد يشي بتغيّر طبيعة الثقافة في لبنان.

نغادر، رسام ينهي صورة أخرى لسليماني في الجوار، الأناشيد تستمر تصدح. لبنان يتغير.