IMLebanon

نوّاب مجهولون صامتون هادئون… و”مشكلجيي”

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

بعضهم يتكلّم. بعضهم يتكلّم بقدرِ أقل. وبعضهم يتذرّع بأن في كثرة الصمت تكون الهيبة فيصمت ويصمت ويصمت… نواب لبنان إقتربت (مبدئياً) نهاية ولايتهم، والمضحك – المبكي، أن بعض هؤلاء سيغادر وكأنه لم يأت أصلاً، على قاعدة «تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي» وبعضهم تكلّم وقلنا: ليته سكت. فهل هكذا يتمّم «ممثل الشعب» دوره البرلماني؟ هل يجوز لنحو 99,999 في المئة من أعضاء البرلمان اللبناني أن يقولوا: قمنا بواجبنا؟ وإذا قالوا فهل نصدق؟

قبل أن ننطلق مع الحاضرين – الغائبين سألنا إيلي الفرزلي، بصفته نائب رئيس مجلس النواب، عن نواب أشبه بالتلاميذ، صوتهم منخفض، ونتائجهم منخفضة أيضاً الى متوسطة في أحسن الأحوال. فما رأيه؟ يجيب «ليس بالضرورة أن يكون صوت النائب مرتفعاً، فالتصويت شكل من أشكال الصوت. ويستعير من أواخر القرن التاسع اسم عضو مجلس الشعب في برلمان بريطانيا المؤرخ الإنكليزي الكبير إدوار جيبون ويقول «مكث جيبون وهو أهم مؤرخ في تاريخ البشرية ثمانية أعوام في مجلس العموم لكنه لم ينطق بكلمة واحدة. كثيرون كانوا يضحكون عليه وهو الذي حقق ما لم يحققه آخرون».

إيلي الفرزلي قال لنا ما قال لكنه لم ينتبه أن صمتاً عن صمت يختلف.

لا، ليس الصمت معناه أن الإنسان لا يعمل، لكن أن يصمت ولا يعمل أو أن لا يعمل ويتكلم كثيراً فتلك هي الطامة الكبرى. صحيح أن الأزمات لا تعدّ ولا تحصى وأن كثيرين ما عادوا يبالون إلا بلقمة الخبز ولا يرون إلا القهر ثم القهر ثم القهر. ولكن، ما دمنا على عتبة الإنتخابات الموعودة راقبنا مجلس نواب 2018 ولاحظنا أن هناك عشرات النواب لم ننتبه إليهم (قليلاً أو كثيراً أو دائماً) في خمسين شهراً!

بالصدفة، تابعتهُ إحداهنّ منذ أسابيع، عبر الشاشة الصغيرة. إنه النائب إبراهيم عازار. أعجبت بهدوئه وهي التي تتابع «التوك شو» السياسي بنهم. سألت عنه. وحين عرفت أنه نائب ينتمي الى كتلة التنمية والتحرير النيابية أصيبت بالذهول. فأين كان طوال الأعوام الأربعة الماضية؟ لماذا لم تنتبه إليه؟ عادت الى الوراء، الى ربيع العام 2018، فرأته مرشحاً عن دائرة صيدا ـ جزين. ثم قرأت عن إتفاق بين نبيه بري وسليمان فرنجيه قضى بانضمام عازار الى كتلة فرنجيه النيابية. هو إذا من طينة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس الذين يُحتسب وجودهم ، في اللغة السياسية، على اسم زعيم فيضيعون كأفراد ونواة تشريعية. هو معتدل ومنفتح. وحدود ما يقول يجب ألاّ يخرج بالطبع عن الحدود التي رسمتها الكتلة، لذالك فثلاثة أرباع اللبنانيين لا يعرفونه أو ربما لا يبالون بما قد يقول ما دام الأمر النهائي، الحازم الجازم، يعود الى أستاذ الكتلة.

أنطوان بانو! طرحنا هذا الإسم على مجموعة شباب وصبايا فحكوا رؤوسهم وراحوا يتحذرون: مَن؟ مَن؟ وكم استغربوا حين علموا أنه عضو تكتل لبنان القوي. ماذا عنكم؟ تعرفونه؟ هناك من سينتفض ويقول: بالتأكيد. أصدقاء بانو بالطبع يعرفونه. لكن، مهلكم، نحن نتحدث عن ثلاثة أرباع اللبنانيين الآخرين. بانو، لمن يحب أن يعرف ولو متأخراً، هو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، إختير ليكون نائباً عن دائرة بيروت الأولى. هو موجود على صفحات التواصل الإجتماعي وإن تحدث فعن اثنين: الجنرال ميشال عون الموجودة صورته دائما في «كادر»، في مكتبه، مذيلة بعبارة بخط يد فخامته مضمونها: «أنطوان بانو رجل الأيام الصعبة» وتاريخها: 2 حزيران 2017. وأنطوان بانو ردّ عليه بالقول: «شامخٌ شموخ الأرز لا تنحني». أمرٌ آخر يتحدث عنه بانو يعنونه على الدوام: «للصراحة عنوان» ويسهب فيه متناولاً خصال جبران باسيل. لكن، ماذا عن اللبنانيين؟ ماذا عن حاجيات أولاد بيروت الأولى؟ يبدو أن هكذا أسئلة ما عادت تنفع اليوم، فنائبنا أنطوان بانو، قرر عدم خوض الإنتخابات في أيار المقبل لأسباب عائلية. فهو يسافر كثيراً وبعيد معظم الوقت عن عائلته التي تقيم في الخارج منذ 17 عاماً. إذا «باي باي» أنطوان بانو جئت وتغادر من دون أن نتعرف إليك بشكل وافٍ.

إسم آخر بدا وكأنه آتٍ من الغيب: إيهاب حمادة. هو عضو في كتلة الوفاء للمقاومة في مجلس العام 2018. وسماه «حزب الله» مجدداً ضمن باقة مرشحيه في الإنتخابات النيابية المقبلة عن مقعد بعلبك الهرمل. فمن هو؟ سألنا. وانقسمت الإجابات بين: «لا نعرف والمشكلجي؟». فهل هو، لمن يعرفه، حقا مشكلجياً؟ في سيرته الذاتية حائز على ماجيستير من جامعة الإمام الصادق في طهران بإدارة الموارد البشرية. تابع دراسات عليا في التخطيط الإستراتيجي. وبطل «بينغ بونغ» وحائز على الحزام الأسود في الكاراتيه! ليس طبعاً الحزام الأسود وحده هو المرعب في الموضوع. هناك من خطف شقيق إيهاب حماده ويدعى وسيم في كانون الأول 2021 من أمام منزله في مدينة الهرمل لخلاف بين عائلتين. قبل هذه الحادثة بعشرة أشهر أطلق شبان مسلحون قذيفة صاروخية على منزل سعادة النائب أرفقوها بإطلاق نار. وقبل ثلاثة أعوام، أي بعد انتخابه نائباً، في كانون الأول 2018 بالتحديد أوقفت دورية تابعة للمخابرات أمام السراي في الهرمل سيارة النائب وكان يقودها إبنه زاهر وقيل أنهم تعرضوا له. ولاحقاً، أوقفت دورية تابعة لمخابرات الجيش اللبناني سيارة «سعادته». أحداث أحداث في ولاية نيابية كاملة. واختتمت بحديث هاتفي مسرّب بينه وبين أحد أبناء منطقة البقاع قال النائب فيه: ما قدمتُ شيئاً للمنطقة لأن ما إلي خلق. ما تنتخبني المرة اللي جايي».

ضجيج كثير حام حول نائب البقاع – الهرمل إيهاب حماده. ضجيج وكثير من الضجيج لكن ليس لكل ضجيج صوت.

فلننتقل الى بكر الحجيري. البيارتة لا يعرفونه. أهل الجنوب لا يعرفونه أيضاً. وأهل الشمال أيضا وأيضا. أخبرنا أحد البيارتة أن بكر هو عضو في تيار المستقبل، عن منطقة بعلبك – الهرمل، (زميل إيهاب حمادة في البقاع) فردّ ممازحا: «بكير بعد كي أتعرف عليه». مرّ حضور الحجيري بهدوء مع أنه قال يوم انتخب: لن اكون النائب الصامت. ويوم وصل قيل: وأخيرا أصبح لعرسال نائبها. لكن دوره إقتصر على «التعليق» على الأحداث والدفاع عن السنّة، كما يلعب زملاؤه من الطوائف الأخرى، نفس الدور في الدفاع عن أهل ملتهم من الشيعة والمسيحيين والدروز. بكر أتى ويغادر. الى اللقاء.

فلننتقل الى جزين، الى النائب سليم خوري. هل تعرفونه؟ هو ابن النائب السابق أنطوان خوري وسماه أنيس نصار (عضو تكتل الجمهورية القوية) «النائب الأورونجي»، ومن اللون نعرف الإنتماء حتى لو لم نعرف الشخص. هو أيضا «مجهول»، غير معلوم، إلا في دفاعه عن تياره. تسألون لماذا سمي «البرتقالي»؟ لأنه قال لجبران باسيل: «لا تستطيع أن تتخلى عن وزارة الطاقة لأي حزب آخر بعد كل الإنجازات التي قمت بها حتى لا ينسبوها لأنفسهم»! كلام يُطيّر بالفعل العقل! في كل حال، عارفوه قليلون. ووحدها الصورة التي نشرتها زوجته فابيان لهما في باريس وهما يقبلان بعضهما أعجبت البعض ممن رأوها غير مألوفة لسياسي لبناني. لا يهم. الأهم هل سنتعرف اليه أكثر في برلمان 2022؟ سمعنا أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يسعى لتركيبة تجعله، كما حصل العام 2018، نائباً في المجلس النيابي المقبل.

ماذا عن النائب محمد القرعاوي؟ الإسم قد يرن في آذان الكثيرين وكأنه أول مرة . النائب عثمان علم الدين، زميله في كتلة المستقبل النيابية، مثله. لكن، لمن لا يعرف لا الأول ولا الثاني وهم كثر نقول: إن الثاني قدّم طلباً حرّاً للإنتخابات الرسمية للبكالوريا الفنية، فرع محاسبة معلوماتية، عن العام 2021. وتعرضت ابنته للخطف. ودوره الردّ على «الخصوم والأعداء» ونقطة على السطر. أما الأول، محمد القرعاوي، فهو من أطاح بجمال الجراح في البقاع الغربي. وهو صاحب ومدير مستشفى البقاع في تعلبايا لكنه يوم قرر التنازل عن مخصصاته الشهرية كاملة فعل ذلك لصالح مستشفى رفيق الحريري. هادئ محمد القرعاوي. وقليل الكلام عملا بمقولة: ما قلّ ودلّ.

نعود الى زحلة. ما رأيكم بالنائب ادي دمرجيان؟ حتى البقاعيون أنفسهم لا يعرفونه. هو أشبه «بكاسبر» هناك. وفاز بعدد من الأصوات ناهزت 77 صوتا تفضيلياً عن المقعد الأرمني في دائرة قضاء زحلة. في كل حال، هو محسوب على نقولا فتوش و»حزب الله»… وهو ترشح على لائحة «القرار الزحلاوي». وهناك، في أرض البطولة زحلة، يتذكرون أن أول مرة تعرفوا اليه كانت في مهرجان الزهور. نيالو ادي دمرجيان.

نعود ونجدد السؤال، يا أيها المواطنون، سموا لنا النواب الذين تعتبرونهم الأكثر صمتاً؟ وتكرج الاسماء الجديدة. جان طالوزيان، المنسحب من كتلة الجمهورية القوية، ليكون مستقلاً، ألكسندر ماطوسيان، محمد سلمان… هنا، نتمهل عند الإسم الثالث، حيث لفت الرجل، صاحب الإسم، الناس كما النواب بانضمامه الى المجلس النيابي بالعقال والكوفية والعباءة، وهو الآتي من وادي خالد. و… وماذا بعد؟ نترك لكم أن تزيدوا وتزيدوا وتزيدوا من عدد نواب «التيتي تيتي». ولن يبقى إلا خمسة أو ستة بيدهم البلد ومن فيه والسلطة ومن فيها. فلماذا ندفع لمئة وثمانية وعشرين نائباً ويمكنناً أن نقلص النفقات الى ثمانية. وذات يوم، في تسعينات القرن الماضي، قال النائب ألبير منصور لأحد الزملاء لدينا في المجلس 7 نواب و121 عصا. فماذا تغيّر؟