IMLebanon

“داعش” خطّط لاغتيال ماكرون في لبنان

كتب عبد الله قمح في “الاخبار”:

ليل 21 آب 2020، أقدم مسلحون يستقلّون سيارة نوع «هوندا»، هم: السوريان محمد الحجار ويوسف خلف واللبنانيان عمر بريص وأحمد الشامي، على إطلاق النار على ثلاثة من عناصر شرطة بلدية بلدة كفتون (قضاء الكورة)، هم الشهداء: علاء فارس وفادي سركيس وجورج سركيس، الذين اشتبهوا بنشاط مُريب لأفراد المجموعة المسلحة، بعد مراقبة تحركاتهم منذ دخولهم البلدة من جهة بلدة كفرحاتا.

القرار الظنّي في القضية ينقسم إلى شقين: الأول أصدرته قاضية التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار (11 آذار 2021) وارتبطَ حصراً بقضية «جريمة كفتون» كون لا صلاحية لنصّار للبت بتفاصيل إضافية تخضع لسلطة المحكمة العسكرية وصلاحيتها، وتولّت إصدار الشق الثاني قاضية التحقيق في المحكمة العسكرية نجاة أبو شقرا (2 أيلول 2021) وشمل الجزء الأمني المتصل ببقية أفراد الشبكة ومهامهم.

التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش، بيّنت أن السيارة التي استخدمت في تنفيذ الجريمة تعود إلى خالد محمد التلاوي. وقاد «تشعّب التحليل الأمني» إلى التوصل إلى تحديد هوية أحد أعضاء المجموعة المنفذة أحمد الشامي (بيّن التحقيق لاحقاً أنه المسؤول عن الجريمة) ومن ثم كرّت السبحة. ومع مقاطعة المعلومات الأمنية، بدا أن هؤلاء جميعاً «أمراء» لخلايا بايعت أمير تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القُرشي (أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مقتله على أيدي القوات الأميركية في 3 شباط الماضي). وتم التأكد من ذلك من خلال مقاطع فيديو عُثر عليها في أجهزة إلكترونية صادرتها الأجهزة الأمنية من أعضاء الخلية. وبعد استئناف عمليات الرصد، توصّلت الجهات الأمنية اللبنانية إلى استنتاج مفاده أن المجموعة التي نفذت جريمة كفتون هي جزء من مجموعة أكبر تضم 18 شخصاً من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، وأنها فرع من خلية أوسع تضم بين صفوفها 40 لبنانياً تخضع لإشراف مباشر من القرشي في إدلب، وتتوزّع على ثلاث خلايا إرهابية:

ــــ الأولى بايعت السوري محمد الحجّار «أميراً» وتضم 13 شخصاً.
ــــ الثانية بايعت خالد التلاوي «أميراً» لها وتتألف من 14 شخصاً.
– الثالثة تتألف من 3 عناصر، أحدهم أميرها اللبناني أحمد الشامي المتورّط الأساسي في جريمة كفتون بحسب التحقيقات.

وتمتاز «الشبكة الموسعة» بأنها تضم بين صفوفها خبيراً في المتفجرات وخبير اتصالات وطالب كيمياء وطبيباً، وتعود إمرتها إلى السوري محمد الحجّار (ورد في التحقيقات أنه صلة الوصل مع الخارج وقاتل في سوريا والعراق إلى جانب التنظيم)، وقد تم تجهيزها بأحدث الأجهزة الإلكترونية ونُظم الاتصالات، واعتمدت في تكتيك إنشائها وحركتها الأسلوب العنقودي، أي عبر تكوين أكثر من خلية لا ترتبط ببعضها بعضاً إلا من خلال «مُحرّك» (الأمير). ومع ازدياد النشاط الأمني واتساع رقعة الموقوفين في القضية ومقاطعة الإفادات التي أدلوا بها إلى جانب عمليات الملاحقة والتحريات والاستقصاءات وتحليل «داتا» الاتصالات، توصل فرع المعلومات إلى الآتي:

ــــ تحديد عدة مواقع ومنازل تمت مداهمتها (28 آب و28 أيلول 2020) استخدمها أفراد الشبكة كمخازن للسلاح والمتفجرات معظمها في محلة حنيدر ــــ وادي خالد، عثر فيها على كمية من الأسلحة الحربية والذخائر وألغام أرضية ومواد تستعمل في صناعة المتفجرات ومدفع هاون عيار 60 ملم مع قذائف عائدة له.

ــــ بناءً على إفادة إرهابيَّين قبض عليهما أثناء قيامهما بتأمين الدعم اللوجستي، حُدّد موقع اختباء الإرهابيين المتوارين عن الأنظار من أعضاء الشبكة في شقة في بناء مهجور في محلة الفرض ــــ عكار. وبعد التأكد من وجودهم داخلها، هاجمت القوة الضاربة الشقة بعد إخطارات عدة بتسليم النفس من دون استجابة من أفراد الشبكة، ما أدى إلى وقوع اشتباك في 26 أيلول 2020 استمر ساعات وأسفر عن تصفية كامل أفراد المجموعة الموجودين داخل الشقة وعددهم 9.

منذ لحظة وقوع الجريمة وما تبعها، كان واضحاً لدى المحققين أن ثمة «مُخططاً» ما، وأدى ما يمكن تسميته بـ«حدث أمني غير محسوب» إلى لفت نظر الأجهزة الأمنية. وفي ضوء ذلك، كان القرار بملاحقة أفراد المجموعة المنفذة وتوقيفهم لمعرفة طبيعة المجموعة وماهية الهدف المحتمل لها ونشاطاتها.

نمط جديد

وبحسب التحقيقات، فإن هدف المجموعة يتجاوز الأنشطة الإرهابية «التقليدية»، بمعنى استهداف دور عبادة أو أهداف أمنية أو مدنية. وقد أقرّ مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» بوجود مخطط «متعدد الأضلاع كان في المرحلة الأخيرة من الإعداد تحضيراً للتنفيذ». وقد ظهر أن الشبكة تمتاز بحرفيّة عالية بما يجعلها خارج المفهوم السائد حيال المجموعات المتشددة الناشطة لمصلحة «داعش» في لبنان.

القرار الظني الذي صدر بعد 6 أشهر على الجريمة عن القاضية سمرندا نصار، بيّن أن المخطط كان عبارة عن إنشاء «إمارة إسلامية» في منطقة الشمال، وقد اعتمدت المجموعة في تكتيكها على «بنك أهداف» تضمّن إشغال القوى الأمنية بـ«أحداث كبيرة وخطيرة، وعندها تتحرك الخلايا النائمة لداعش في الضنية وطرابلس وعكار وتحاول السيطرة على هذه البقعة الجغرافية تمهيداً لتحقيق حلم إعلان إمارة الشمال».

وأشار القرار الظني إلى أن الهدف الفعلي لم يكن كفتون بحد ذاتها والتي كانت عبارة عن محطة، إلا أنه لم يبيّن ماهية الأهداف «الكبيرة والخطيرة» الموضوعة على قائمة الاستهداف! كما لم يفصح عن السبب الحقيقي لوجود المجموعة في كفتون، رغم أنه فنّد اعترافات الموقوفين حول سبب توجه المجموعة إلى البلدة. فقد نفى أن يكون الهدف محاولة السرقة لتمويل المجموعة بناءً على توافر الأموال بعشرات آلاف الدولارات بحوزة الموقوفين من مصادر خارجية، كما أن المسروقات التي ضبطت لا يتعدّى ثمنها الـ 10 ملايين ليرة. كما أسقطَ القرار فرضية نية سرقة عناصر تستخدم في تفجير الصخور من مقلع قديم في كفتون لاستخدامها في صناعة عبوات، لكون المقلع خارج الخدمة منذ فترة طويلة. وهذه كلها مؤشرات تفيد بوجود «غرض آخر» من وراء إنشاء المجموعة، وإلا ما سبب مكوث مجموعة الـ 4 في المقلع، رغم علمها سلفاً بخلوّه من أي مواد يمكن الاستفادة منها؟

وقبل صدور القرار الظني، ذكرت قناة المنار في أيلول 2020 أن «بنك الأهداف» لـ«خلية كفتون» كان يتصمّن إحداث مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في منطقة الشمال لإحداث «خضّة أمنية»، وأكّد مسؤول أمني لـ«الأخبار» في 22 تشرين الأول 2020 أن «ما كان يجري التحضير له مشروع أكبر ممّا شهدته منطقة الشمال عام 2007 وأدى إلى اندلاع معركة نهر البارد بين الجيش وجماعة فتح الإسلام»، وهو الخطر الذي لمّحت إليه نصّار في القرار الظني (أحداث كبيرة وخطيرة). كما تحدث المسؤول الأمني لـ«الأخبار» عن «مخطط عسكري كبير لتنظيم داعش لا مخطط أمني وحسب». فما هو الهدف الحقيقي الذي ساهمت جريمة كفتون في الإجهاز عليه في مهده؟

أشارت التحقيقات، ومن ثم القرار الظني الصادر عن نصّار، إلى أن عدداً من أفراد المجموعة انتقلوا إلى جرود الضنية في الرابع من آب 2020، أي قبل 17 يوماً على الجريمة، من دون توضيح متى حدث ذلك، قبل انفجار المرفأ أو بعده. وفي المعلومات أن نصّار طلبت التوسّع في التحقيقات من قبل المحكمة العسكرية صاحبة الصلاحية، بمعنى التفرّع في التحقيق حول هذا البند بالذات، من دون أن يؤخذ بالاقتراح. وفي ما يبدو، فإن قرار الانتقال صدر إلى أفراد الشبكة من جهة ما للتواري عن الأنظار، ما يحيل الظن إلى ترتيبات كانت تجرى لإتمام «أمر ما»، وقد أثبتت التحقيقات هذه النظرية لناحية طلب «الأمير» من «الخلايا» الاحتماء في مكان قريب.

خلال تلك الفترة، كانت مجموعة أخرى (وربما مجموعات) تنشط بشكل متوازٍ في التحرّك ضمن سيناريو معين وفي مناطق محددة، ككفتون مثلاً، وكان من المهم جداً أن يجري التدقيق في الأسباب الكامنة خلف ذلك، طالما أن بعض الموقوفين حاولوا تضليل التحقيقات حيال التحركات التي كانت تحصل وأهدافها، وساهموا في إخفاء الهدف الحقيقي لهم من وراء التخفي خلف «فرضية السرقة لتمويل الشبكة» المكتفية ذاتياً. وقد ظهر هذا التبرير للتحركات في أكثر من مكان في خلاصات التحقيق. وفي تقدير مسؤول أمني، لا يمكن بأيّ حال فصل التحركات بعيد الرابع من آب، تاريخ تلقي الشبكة الأمر بالتواري، عن المسار العام الذي كان يُعمل عليه ويحتاج إلى «تفرّغ»، وفق أدبيات التنظيمات الجهادية. ويبدو من سياق التحركات الميدانية التي نفذتها مجموعات، ومنها «خلية كفتون»، أن الغاية من ورائها كانت «البحث عن هدف ثانوي»، يفترض أن يأتي كمقدمة لعمل أكبر وأضخم حسبما جاء في التقديرات الأمنية التي وردت بعيد العملية، لإرباك القوى الأمنية وتشتيتها عن الهدف المركزي الذي يُعمل عليه، وهو ما ورد بصيغة ما في القرار الظني للقاضية الذي تحدث عن «أحداث كبيرة وخطيرة».

التدقيق في المحتوى الصادر عن التحقيقات الاستنطاقية المبدئية، وإذا ما جرى عطفها على معطيات المسؤول الأمني الذي تواصلت معه «الأخبار» والإعدادات اللوجستية التي كان ينكبّ عليها أعضاء الشبكة وما سبق وقيل حيال الملف، توصل إلى استنتاج بترتيبات لعملية «غير تقليدية» ومعقدة نسبياً كان يجري التحضير لها. والإشارات التي تعمّد القضاء تجاهلها تُحاكي فرضية التحضير لعمليات اغتيال ذات طابع سياسي. فأثناء وقوع جريمة كفتون، صودفَ وجود النائب نديم الجميل في إحدى البلدات القريبة. فهل كان الهدف اغتياله أو «محاولة استهدافه» لتشتيت أنظار القوى الأمنية؟ فرضية قابلة للتدقيق. فمن جهة، تقاطعت اعترافات الموقوفين حول أن أمير الشبكة محمد الحجار كان من بين أهدافه التسلل إلى سوريا لتنفيذ اغتيالات فيها، ما يؤشر إلى رغبات لديه بسلوك مسار الاغتيالات. من ناحية ثانية، اتّضحَ من خلال تحليل «داتا» المعلومات أنه كان بين أهداف الشبكة تنفيذ عمليات تصفية واغتيال للائحة تضم وجوهاً وقيادات من فريق الثامن من آذار. وبحسب معلومات «الأخبار»، وضع في مقدمتها رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، وهي فرضية قابلة للحدوث، تبعاً لدوافع الحجار العدائية تجاه «النصارى»، إذ إنه، وفقاً للتحقيقات، «لم يخف طموحه في الثأر منهم أو توجيه ضربة لهم»!

اغتيال ماكرون

لكن الإشارة ــــ الصدمة التي أغفلها القضاء ومنع التطرق إليها ترد في خلاصة التحقيقات التي ختمتها مديرية المخابرات في الجيش والمتعلقة بـ«خلية كفتون»، وحصلت «الأخبار» على نسخة منها، تشير الى تعليمات تلقّتها المجموعات إياها بتنفيذ عمل انتحاري يستهدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الثانية للبنان في الأول من أيلول 2020. وفي معلومات «الأخبار»، أن الإشارة التي يمكنها أن تلخّص «كل شيء» وكامل المخطط الذي كانت الخلية تنوي تنفيذه، عثر عليها في حاسوب أمير الشبكة محمد الحجّار على شكل رسالة مشفرة بصيغة «اقتراح هدف» ضمن مجموعة من المحادثات مع المشغل في سوريا. ويرد في الإشارة الواردة بالخلاصة، أن فرع المعلومات استنتج أن تنفيذ مخطط الاغتيال «المحتمل» لماكرون سيتم في أحد الأحياء المسيحية المتضررة في انفجار الرابع من آب 2020 أو في مرفأ بيروت. وفي السياق، يمكن الإشارة إلى أن التسريبات التي سبقت زيارة ماكرون جزمت بفرضية قيامه بزيارة ثانية للأحياء المتضررة في العاصمة (كالجميزة). لكن، لسبب ما، أُلغيت الزيارة من دون تقديم مبررات.

ويكشف مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن المعطيات التي تم رصدها تقنياً أشارت الى أن نقاشاً سريعاً جرى بين أفراد من المجموعة ومشغّل خارجي حول احتمال وجود الرئيس سعد الحريري الى جانب الرئيس الفرنسي خلال جولته، فكان الجواب من المشغّل: اقتل سعد أيضاً!

ومما يفيد في غرض البحث، مدى التطابق بين الأسلوب المحتمل للتنفيذ (عملية انغماسية انتحارية بسترات مفخخة)، وبين الهجوم الذي استهدف معسكر عرمان التابع للجيش اللبناني مساء 27 أيلول 2020 ونفذه الإرهابي المطلوب عمر بريص الذي كان أحد أفراد «مجموعة كفتون» والذي اعتمدَ الطابع الانغماسي، إلى جانب الأحزمة الناسفة المشابهة التي كان أفراد «خلية عكار» مزنّرين بها عندما اشتبكوا مع القوة الضاربة في فرع المعلومات. فهل كان بريص أحد الانتحاريين المحتملين لغرض اغتيال ماكرون في بيروت؟ وهل لفشل مخطّط «اغتيال ماكرون»، بسبب جريمة كفتون، صلة بإنهاء الخلية لنفسها عطفاً على الفشل في تنفيذ المهمة المركزية؟ يعرب المسؤول الأمني لـ«الأخبار» عن «اعتقاده باحتمال حصول ذلك»، كاشفاً أن «من بين الأجهزة الإلكترونية التي عثر عليها، أجهزة لاسلكية تعمل ما دون ترددات الـ 40 ميغاهيرتز التي تستخدم عادة للاتصالات العسكرية». فهل كان «التقنيّون» في الشبكة يتنصّتون أو في وارد التنصّت على المكالمات العسكرية بحثاً عن ثغرات ما تفيد مخططهم أو لاستطلاع الإجراءات الأمنية المعتمدة؟

لا شك أنه بعد أعقاب انكشاف أفراد الشبكة على خلفية ما حدث في كفتون، بات هؤلاء تحت الرصد والمتابعة ما أفقدهم عنصر المفاجأة، وربما كانوا قد اختاروا المواجهة سبيلاً لإخفاء أي أدلة أو معطيات مهمة حول القضية المعمول عليها أو بغرض الاقتصاص والانتقام لكشف أمرهم وهو التبرير الذي اعتمده بريص في هجومه على ثكنة عرمان، بدليل أن القضاء والأجهزة الأمنية لم تتمكن لغاية الآن من تفكيك الأهداف الرئيسية لوجود «خلية الأربعة» في كفتون تلك الليلة والهدف المركزي الذي عملت عليه الشبكة طوال أشهر.