IMLebanon

أزمة الكهرباء تدفع نحو المصادر النظيفة… هذا هو البديل!

كتب فؤاد إبراهيم بزّي في “الأخبار”:

هناك العديد من الموارد الطبيعية التي يمكنها إنتاج الطاقة بطريقة متجدّدة، من دون الحاجة لموارد محدودة مثل النفط أو الفحم الحجري أو حتى الوقود النووي، وهي الهواء والماء والشمس.

في الكثير من الدول حول العالم، منها لبنان، هناك سدود وبحيرات تساعد على تحويل الطاقة الميكانيكية المختزنة في جريان المياه إلى طاقة كهربائية، وهناك دول تقوم بتحويل طاقة تحرّك الرياح الميكانيكية أيضاً إلى طاقة كهربائية، ولكن هذين الأمرين يحتاجان لموازنات دول بسبب المنشآت الضخمة اللازمة لذلك، ولا سيّما بناء السّدود على مجاري الأنهر أو تركيب وتشغيل الشفرات العملاقة لتشغيل المروحة الهوائية (هذه الأخيرة تتطوّر بطريقة متسارعة بشكل أصبح لدينا الآن أنظمة هوائية أصغر ولا تحتاج لميزانية عالية).

أمّا الطاقة الشمسية، وهي الأكثر توفراً في منطقتنا لناحية عدد السّاعات في اليوم وعدد الأيام المشمسة في السّنة، ففي لبنان تسطع الشمس حوالى الـ290 يوماً في السّنة بزاوية إشعاع لا بأس بها ما يؤكّد إمكانية الاستفادة بشكل كبير من هذا القدر من الطاقة المجانية، إذاً كيف يمكن تحويل الطاقة الشمسية (الضوء) إلى كهرباء؟

نظام توليد الطاقة الشمسي

يتألف نظام توليد الطاقة الشمسية بشكل أساسي من:

1. ألواح الطاقة الشمسية photovolaic panels.

2. البطاريات.

3. نظام تحويل الكهرباء.

عندما تصل أشعة الشمس إلى اللوحات الشمسية تقوم بتحريك الإلكترونات الموجودة في المواد المكوّنة لهذه اللوحات، ما يخلق بالتالي تياراً كهربائياً مستمراً ذا فولطية منخفضة أو ما يعرف بالـ DC وكل لوح شمسي ينتج كميّة محدّدة من الطاقة الكهربائية تختلف بحسب نوعيته وحجمه (بين 100 واط/ ساعة و600 واط/ ساعة واليوم هناك منتجات تنتج طاقة بشكل أكبر).

ولكن مشكلة هذه الكهرباء المنتجة عبر الألواح الشمسية أنّها ليست تياراً متردّداً AC وبالتالي لا يمكن أن يُستفاد منها في تشغيل المعدّات الكهربائية المنزلية أو الصناعية مباشرةً، وهنا يأتي دور نظام تحويل الكهرباء أو Inverter الذي يقوم بتحويلها إلى تيار متردّد بفولطية تصل إلى 220 فولطاً (كهرباء منزلية) أو فولطية أعلى في حال تشغيل المعدات الصناعية (وهذا أمر يمكن التحكّم به عبر جهاز تحويل الكهرباء Inverter)، ولزيادة الطاقة المنتجة نقوم عادةً بزيادة عدد اللوحات الشمسية، وما يفيض من طاقة يتم تحويله إلى البطاريات لتعبئتها واستعمالها عند الضرورة (غياب الشمس بسبب الغيوم أو حلول الليل).

أمّا ليلاً، وبعد غياب الشمس، يأتي دور البطاريات العاملة كمخزّن للطاقة التي قمنا بتجميعها نهاراً من أشعة الشمس فنقوم بالاستفادة منها ليلاً على شكل تيار متردّد أيضاً ودائماً عبر نظام تحويل الكهرباء، وعليه سنصل ببعض الترشيد للرقم الحلم في لبنان 24/24 ساعة كهرباء دون انقطاع.

وعليه، هذا النظام سهل التركيب في المنازل ولا يحتاج لمساحاتٍ كبيرةٍ سوى لحوالى الـ 6 أمتار مربعة (على الأقل) على سطوح الأبنية يمكن تأمينها بسهولة وهي أساسية لتجميع أشعة الشمس، بالتالي يصبح من السّهل حلّ مشكلة إنتاج الكهرباء بعيداً عن الطاقة الأحفورية (النفط) سواء كانت هذه الكهرباء منتجة رسمياً أو عبر مولّدات الأحياء.

أمّا لو فكرنا من خارج الصندوق قد نصل لبعض الحلول، على سبيل المثال أن يتشارك عدد من الجيران في المبنى الواحد تركيب نظام موحّد ما سيخفف من التكلفة بعد قسمتها على عدد أكبر من الأشخاص من جهة ومن الجهة الثانية يمكن زيادة حجم هكذا أنظمة عبر تغطية أكبر للمساحات المشتركة في الأبنية (سطوح) بعدد أكبر من الألواح الشمسية وبالتالي الدخول في إمكانية تشغيل المشتركات الأساسية في الأبنية بشكل مستدام (المصعد، مضخات المياه، الإنارة…)، كما يمكن للبلديات في القرى أن تقوم باستثمار الأراضي غير الزراعية (وغير الحرجية طبعاً) في تركيب لوحات طاقة شمسية مع أجهزة تحويل مناسبة يمكن من خلالها تزويد الشبكة المحليّة بالكهرباء ولو خلال النهار فقط وبالتالي توفير الوقود لساعات المساء أو أيام الشتاء وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ منطقة البقاع في لبنان وما تحتويه من أراض جردية شاسعة (غير صالحة للزراعة) يمكن أن تشكّل استثماراً ضخماً للطاقة الشمسية ولو بشكل لامركزي بحيث تولّد حاجتها فقط.

هذه الأنظمة خفيفة جداً لناحية الصيانة، ولا تحتاج سوى لبعض المتابعة التقنية الخفيفة كما يرد في الإنفوغراف المرفق. أمّا المواصفات الأساسية فهي تختلف كثيراً بين منزل وآخر أو حتى في المنشآت، وهنا يأتي عمل المهندس الكهربائي الذي يقدّر حمولة المنشأة الراغبين بتشغيلها على الطاقة الشمسية وبالتالي تحديد عدد اللوحات الشمسية وقدرتها وكذا عدد البطاريات اللازمة، وهنا يجب الالتفات لنقطة أساسية ألا وهي أنّ هذه الأنظمة تقوم بتخزين الطاقة لا توليدها وعليه فالأمر مشابه لخزان مياه عليه صنبور كلّما فتحته أكثر كلّما فرغ بسرعة أكبر ولكن بحال الترشيد يمكنك الموازنة بين التعبئة والتفريغ والوصول لحالة اكتفاء دائم. كما يجب أن ننتبه لفكرة على قدر عالٍ من الأهميّة ألا وهي سعة البطاريات من الطاقة، وتمثل العائق الأكبر للنظام خلال ساعات المساء أو غياب الشمس كما يوضح الإنفوغراف.

ما هي المشكلات التي قد تعوق التوجّه نحو هذا الخيار؟

أولاً: التكاليف العالية لهذه الأنظمة ولا سيّما أنّها مفوترة بالعملات الأجنبية كونها مستوردة بنسبة 100% تقريباً فنظام منزلي بقدرة 5 أمبير قد تصل تكلفته إلى حوالى الـ3000$ على أبعد تقدير، وهذا ما سيبقي هذه الأنظمة خارج متناول أيدي كلّ الناس في الوقت الحالي. ولكن يفيد شادي، الطبيب الشاب الذي اعتمد هذا النظام، أنّ «هذه التكلفة قد يراها الشخص كبيرة كدفعة واحدة ولكن لو فكرنا فيها بطريقة مغايرة سنجد أنّنا استغنينا تماماً عن الاشتراك بمولد الحي ووفّرنا حوالى الـ70 دولاراً/ شهرياً (لكل 5 أمبير)، أي 840$ سنوياً، وعلى مدى أربع سنوات يكون الوفر قد وصل إلى 3،360$ وهذا أكثر من الكلفة المدفوعة عند التركيب».

وهو فعلاً أقدم على هذه الخطوة رغم معارضة المحيطين به لافتاً إلى «أنّهم اليوم قد ندموا على حساباتهم الخاطئة فهم يدفعون أضعاف ما دفعه هو دون الوصول إلى 24/24 تغذية».

ثانياً: عدم ثبات الطاقة الشمسية ولا سيّما خلال أشهر الشتاء (كانون الأول، كانون الثاني وشباط)، ما يؤدي إلى انخفاض في الإنتاج بنسبة قد تصل إلى 70% ويدفع إلى العودة للاعتماد ولو بشكل جزئي على مولّدات الأحياء في ظل الغياب الشبه التام للتيار الرسمي.

ثالثًا: ضيق المساحات اللازمة لتركيب الألواح الشمسية ولا سيّما في المدن حيث الاكتظاظ السّكاني الأكبر والمساحات المشتركة الأصغر.

بالعودة إلى المقدمة فإنّ السبب الرئيسي لنمو إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية هو ارتفاع فاتورة الإنتاج عبر الوقود الأحفوري من نفط وغاز أولاً، ومحاولة ضبط الاحتباس الحراري بالتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عن حرق النفط ومشتقاته ولا سيّما في الدول التي تعتبر مصانع العالم مثل الصين والهند، أما النمو الأوروبي فيعود إلى محاولة تخفيف الاعتماد على النفط الخارجي.

وعليه لا شك أنّ المستقبل هو للطاقة المتجدّدة على كلّ المستويات ولكن هذه الحلول لا زالت فردية في مواجهة أحد أصعب الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم ككل، وفردية هذه الحلول المتروكة دون إدارة من الدولة ستضعنا بعد فترة أمام مشكلات بيئية وتقنية كما أسلفنا، وعليه نحن بحاجة لسياسة إنتاج طاقة على مستوى الوطن تستفيد من هذه المبادرات الفردية وتضعها في خدمة المجتمع ككل لا تقوم فقط بتصدير قرارات منع من تركيب دون تقديم الحلول، فعلى سبيل المثال أخيراً يمكن للدولة أن تستفيد من فائض الطاقة المنتجة في المنازل وتحويلها لصالح الشبكة العامة عبر الـnet metering (الذي يقوم بخصم ما استهلكت من طاقة مقابل ما أٌنتج)، ولكن كالعادة لا نعرف الدولة إلا في المداهمات.

لا شكّ أنّ توليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية يوفر كثيراً على البيئة المحيطة لناحية تخفيف استعمال المولدات في الأحياء وبالتالي انخفاض انبعاثاتها الخطيرة بين السّكان وهي التي زادت كثيراً من مؤشر أكسيدات الأزوت NOx وأكسيد الكبريت SO3 خلال العامين المنصرمين، وهذا أمر غاية في الخطورة على الصحة العامة وخاصة أنّ أغلبية هذه المولّدات غير مجهزة بفلاتر وسيئة الصيانة.

كما أنّ هذا الوفر البيئي لا يتحقق فقط على مستوى مولدات الأحياء، بل أيضاً على مستوى محطات التوليد الرسمية، فالمنازل المجهزة بأنظمة توليد طاقة شمسية لا تحتاج إلى الكهرباء عبر الشبكة خلال النهار أبداً ما يؤدي بالتالي إلى ترشيد كبير في استهلاك الكهرباء سينعكس طبعاً انخفاضاً في الطلب نهاراً ما يعني استهلاكاً أقلّ للوقود الأحفوري وانخفاضاً في الانبعاثات.

ولكن من الناحية الثانية، فإنّ المواد المستخدمة في هذه الأنظمة ليست نظيفة بنسبة 100% فالبطاريات تحتوي على مواد شديدة السّمية للبيئة والإنسان مثل الرصاص، وهذه الأجزاء عادة في لبنان لا يتم التخلّص منها بالطرق المناسبة فالمشاهدات الحيّة لسوق خردة البطاريات يؤكّد أنّ الأسيد الموجود فيها يتم رميه في المجاري العادية التي تصل إلى مياه البحر مع ما تحمله من معادن ثقيلة كالرصاص، وهنا يمكن الاستشراف أنّه في الآتي من الأيام سيتم رمي آلاف الليترات من هذه المواد بهذه الطريقة كون كلّ نظام شغال حالياً يحتوي على عدد من البطاريات ستنتهي صلاحيتها بعد عدة سنوات ويجب استبدالها.

وهنا يمكن التفكير من الآن بصناعات تحويلية تقوم باستخدام مكونات ومواد هذه البطاريات لصناعة منتجات أخرى منها وربما إعادة ترميم البطاريات ككل كما يحدث اليوم في باكستان والهند.

أمّا الألواح فهي آمنة نسبياً ويمكن إعادة تدويرها بشكل كامل تقريباً في معامل مخصّصة لذلك ومدة صلاحيتها ليست بقليلة بل قد تصل إلى 25 سنة.