IMLebanon

بيان الفاتيكان الصريح والدقيق يخّيب أمنيات البيان الرسمي

مرّة جديدة، وعن سابق تصوّر وتصميم، يضع العهد نفسه ولبنان في حرج شديد في طريقة التعامل مع حاضرة الفاتيكان، فهناك أصول معتمدة وتقاس على المسطرة في كيفية التعامل الدبلوماسي والزيارات الرسمية أو الخاصة والبيانات التي تصدر بعد كل اجتماع.

مرّة جديدة يجتهد فريق رئيس الجمهورية ميشال عون ويدرج في البيان الرسمي كلاماً منسوباً إلى المضيف، وتقول اللياقة إنه هو من يتكلم عن نفسه، وإذا أراد الضيف أن ينقل موقفاً أو كلاماً معيناً، فالواجب والاحترام يتطلّبان التنسيق بشأنه مع المضيف، لا «التنطح» وإصدار بيانات، فيها من المطولات ما أنزل الله بها من سلطان.

بالأمس، كان عون بضيافة الحبر الأعظم وقد استقبله في لقاء خاص لنصف ساعة، ومثله كان اللقاء مع أمين سر الدولة الكاردينال بييترو بارولين. وبعد اللقاءين صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بيان فيه كلام منسوب للبابا وبارولين، فحتى لو استمرّ اللقاءان لساعات لما استطاع عون ومضيفاه التحدث بكل ما ورد في البيان اللبناني ويبدو أن تحضيره تمّ سلفاً في بيروت، وأضيف عليه فقط في روما الحضور من الجانب الفاتيكاني.

الخبر الرسمي

وخلافاً لكل القواعد الدبلوماسية، قال خبر مكتب إعلام الرئاسة إن «قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس أكد خلال استقباله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس في حاضرة الفاتيكان، أن للبنان مكانة خاصة في صلاته وهو في صلب اهتماماته، على الرغم من الوضع الدولي المتأزم على أكثر من صعيد، كما أنه لا يغيب عن اهتمامات الكرسي الرسولي. وإذ أشار إلى أنّه مطّلع بأسى على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة فيه، فإنّه شدّد على أن لبنان، بجميع أبنائه، المسيحيين والمسلمين، لا يجب أن يتخلى عن قيم الأصالة القائمة على الاحترام ويعتبر أنه من الواجب الحفاظ على الحضور المسيحي في الشرق، كما من الواجب الحفاظ على العيش معاً في لبنان، وهي صيغة جعلت منه رسالة».

وزاد الخبر الرسمي اللبناني قائلاً «وأكد الأب الأقدس أيضاً أنه يسعى مع الجميع في العالم من أجل الحفاظ على هذا الوطن، الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي رسالة ونموذجاً. وأبلغ البابا الرئيس عون إصراره أكثر من أي وقت مضى، كما عبّر عن ذلك تكراراً، على أن يزور لبنان لإعادة إحياء الرجاء فيه وقال: «في وقت قريب سأزور لبنان. هذا قرار اتخذته، ذلك أن لبنان يبقى على الرغم من أي شيء نموذجاً للعالم».

من جهته، شكر الرئيس عون البابا على استقباله، لا سيما في هذا الظرف الدقيق على المستوى الدولي عموماً والأوروبي خصوصاً، نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا، كما شكره على محبته الكبيرة للبنان والتي أظهرها في أكثر من مناسبة لا سيما من خلال تخصيص يوم كامل للصلاة والتفكير من أجل لبنان في الكرسي الرسولي يوم الأول من تموز الماضي، وايفاده كلّاً من أمين سر الدولة الكاردينال بييترو بارولين وأمين سر العلاقات بين الدول المونسنيور بول-ريتشارد غالاغير في أقل من سنة إلى لبنان للوقوف إلى جانب شعبه في الظروف الصعبة التي يمرّ بها. وقال «إن اللبنانيين يحفظون لقداستكم بأطيب عبارات العرفان والتقدير مواكبتكم أحوال لبنان، وتضامنكم مع شعبه خلال سلسلة الأزمات غير المسبوقة التي يمرّ بها. وهم لا ينسون المساعدات العينية والنقدية التي قدّمها الكرسي الرسولي مباشرة أو عبر المؤسسات والجمعيات الكنسية لهم، ولا سيما إلى فئة الطلاب منهم».

وفي تناقض مع ما قاله عون لدى وصوله إلى روما من أنه لا خوف على المسيحيين في لبنان، ذكر الخبر الرسمي أن عون قال للبابا «إننا لا نريد للبنان، الذي يقع في أتون من الصراعات والحروب، أن يدفع أثماناً لما يحصل في المنطقة، وهو بفضل عنايتكم وإصرار أبنائه على النهوض ليس متروكاً لقدره. لقد شهدنا مؤخراً موجة هجرة كثيفة إلى الخارج، طاولت النخب في البلاد، ما يشكّل خطراً على الهوية والتعددية في لبنان ويساهم في إضعاف الوجود المسيحي في الشرق».

كذلك تحدّث الخبر الرسمي عن لقاء عون والوفد المرافق، أمين سر الكرسي الرسولي الكاردينال بييترو بارولين، في حضور أمين سر العلاقات بين الدول المونسنيور بول-ريتشارد غالاغير، وبحث معه في الأوضاع الصعبة راهناً في لبنان والمنطقة، وسبل تطوير العلاقات الثنائية بين لبنان والكرسي الرسولي في مختلف مجالات التعاون المشترك. وحضر اللقاء وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، وسفير لبنان لدى الكرسي الرسولي الدكتور فريد الياس الخازن، والمستشارون رفيق شلالا، اسامة خشاب وريمون طربيه. وخلال اللقاء مع بارولين، عرض الرئيس عون للوضع في لبنان، مؤكداً أنه يجتاز مرحلة صعبة لكنه ماضٍ في استكمال كافة مقومات مسيرة التعافي، أياً كانت العقبات، وصولاً إلى أهمية إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وأقربها استحقاق الانتخابات النيابية في أيار المقبل. وركّز عون على أنّه آن الأوان ليقتنع الجميع، لا سيّما من يتخذون من لبنان منصة لمصالحهم، أن لبنان يجب أن يعود إلى لعب دوره كجسر تلاقٍ وهو ليس منبع أزمات. وقال: «هناك مسؤولية على المجتمع الدولي لكي يقوم بواجباته في الحفاظ على وطن هو قيمة باعتراف الجميع، لا سيما أن أزمات لبنان متشابكة ومعقدة بين أسباب داخلية وتأثر بعواصف الصراعات المحيطة ونتائجها المدمرة أحياناً.»

وإذ أعاد الرئيس عون التأكيد على أهمية الدور المسيحي الجامع في المحيط العربي والعالم، فإنّه شدد على أن لبنان لا يمكنه تحمّل عبء النازحين السوريين وعدم عودتهم إلى بلادهم، لا سيما أن مناطق عدة فيه أصبحت آمنة، وسط سكوت العالم ولامبالاته، مشيراً إلى الانعكاسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تترتّب على استمرار وجودهم في لبنان، والخشية من أن يؤدي بقاؤهم إلى تغيير التوازن الديمغرافي للتركيبة اللبنانية أو حتى هوية لبنان. وقال: «نحن نتطلع بثقة عالية من أجل زيارة قداسة البابا إلى لبنان».

ونقلا عن بارولين شكر عون على الاستقبال الذي خصّه به يوم زار لبنان، موفداً من الحبر الأعظم إثر انفجار بيروت، وعلى استقباله المونسنيور غالاغير منذ وقت قريب. وقال: «قرأت باهتمام بالغ المذكرة التي سلّمتموها إلى المونسنيور غالاغير، ونؤكد معكم فيها على ما ذكرتموه من أن لبنان يجب أن يبقى بلداً حراً، مستقلاً وذا سيادة، والأب الأقدس يوصي دائماً بضرورة العيش الاخوي والإنساني معاً في هذا البلد». وأشار الكاردينال بارولين إلى أن الاستقرار في لبنان من شأنه أن يساهم في استقرار المنطقة. ورداً على اقتراح عون أن يقوم الكرسي الرسولي بدعم إنشاء صندوق وطني للبنان بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP)، فقد أبدى الكاردينال بارولين تفهم الكرسي الرسولي للاقتراح وترحيبه به، وقال:»نحن سندرسه باهتمام وايجابية». ورحّب بتأكيد عون إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وقال: «لدينا أسباب كثيرة للوقوف إلى جانبكم، وهو ما يشدد عليه قداسة البابا في أكثر من مناسبة»، وذلك حسب خبر مكتب الإعلام في الرئاسة اللبنانية.

بيان الكرسي الرسولي

إلّا أن الصفعة لم تتأخر كثيراً، إذ بعد السرد المبالغ فيه الوارد في البيان اللبناني صدر عن الكرسي الرسولي بيان عن اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حاضرة الفاتيكان اليوم (أمس)، في ما يلي ترجمته:

«التقى الأب الأقدس فرنسيس قبل ظهر اليوم (أمس) في الفاتيكان، في لقاء خاص، فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الذي التقى بعد ذلك نيافة الكاردينال بييترو بارولين أمين سر الدولة، في حضور المونسنيور بول-ريتشار غالاغير امين سر العلاقات بين الدول.

وخلال المحادثات الودية التي جرت في أمانة سر الدولة، تمّ التركيز على أهمية العلاقات الدبلوماسية الجيدة بين الكرسي الرسولي ولبنان، والتي مرّ على إنشائها 75 عاماً، كما تم التطرق إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي يعاني منها لبنان، إضافة إلى موضوع النازحين فيه، مع الأمل في أن تساهم المساعدات الدولية إضافة إلى الانتخابات النيابية المقبلة والإصلاحات الضرورية، في تمتين علاقات العيش المشترك السلمية بين مختلف المكونات الطائفية في بلاد الأرز.

وفي الختام، تمّ التطرق أيضاً إلى النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب 2020، مع الإشارة إلى وجوب تحقيق العدالة والتوصل إلى معرفة الحقيقة التي يطالب بها أهالي الضحايا».

بيان الكرسي الرسولي لم يتضمن أي كلمة عن لقاء البابا وعون واكتفى بالقول إنه «لقاء خاص»، ومع بارولين تركيز على الانتخابات النيابية والإصلاحات وكشف الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت كما يطالب أهالي الضحايا، أي إن الكرسي الرسولي يصطفّ إلى جانب المقتولين لا القاتلين الذين يمنعون الحقيقة من الظهور، والأهم أنه لا ذكر على الإطلاق عن وعد بزيارة بابوية إلى لبنان خلافاً لما ذكر مكتب إعلام الرئاسة.

يذكر أنها ليست المرة الأولى التي تتعمد الرئاسة اللبنانية عبر مكتبها الإعلامي نقل مواقف لموفدين دوليين ولوزراء وسفراء يتبيّن لاحقاً أنها غير صحيحة وتصدر بيانات تصحّحها وأكثر من يدقق في هذه المسألة السفارة الأميركية التي صحّحت أكثر من مرة معلومات أوردتها الرئاسة اللبنانية وهي لم تقل.