IMLebanon

مقاطعة السنّة: نهاية بيروت ومبتدأ جمهورية لا يريدها أحد

كتب منير الربيع في “المدن”:

يبشر المسار السياسي المفروض والقائم بقناعة قوية بأن لبنان متجه إلى تعديل في تركيبته وهيكلته، وفق موازين سياسية جديدة. ولا بد من ترّقب مخاطر المقاطعة السنّية للانتخابات. فالمقاطعة تدفع إلى هزيمة، فيما يقف اللبنانيون عمومًا والسنّة خصوصًا أمام مرحلة مفصلية من تاريخهم.

الخيار السني

وتنطوي الوقائع الراهنة على احتمالين مقبلين: إما إقبال السنة على الانتخابات إذا حصلت، وإما دخولهم في نفق طويل من الغربة عما سيكون عليه لبنان في المستقبل. لن يكون الاستحقاق الانتخابي هو الأفضل للسنّة في هذه المرحلة. ولكن المشاركة فيها شرّ لا مفرّ منه. وفي ظل عدم تأجيل الانتخابات، وحصولها وفق قانون انتخابي مسخ، وغياب تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، وعدم قدرة أي طرف سني على صناعة البديل، يتمثل الخيار الأوحد في ضرورة المشاركة وبفعالية كبرى.

صحيح أن تأجيل الانتخابات قد يدفع إلى استفادة الطرف السنّي، فيتمكن من إعادة تجميع قوته، في انتظار ظروف إقليمية ودولية ملائمة. لكن إجراء الانتخابات في موعدها يحتم المشاركة بفاعلية كبرى.

تهميش اقتصادي ونهاية الطائف

وينطلق الساعون إلى المشاركة في الانتخابات من فكرة أساسية تتزامن مع العودة الخليجية إلى بيروت، بعد مقاطعة سحب للسفراء وغيابهم. والعودة تهدف إلى إثبات الحضور مجددًا والمشاركة في صياغة أي تركيبة جديدة للبلاد. وهذا ما تركز عليه دول الخليج التي تريد استعادة حضورها. ولذلك هناك اهتمام خليجي، بحكم الواقعية السياسية، بالاستحقاق الانتخابي المقبل، لأنه لا يمكن مقاطعته. فالمقاطعة لن يكون لها أي تأثير ولو معنوي على ما ستفرضه الانتخابات قانونيًا وبحكم الدستور. لذا لا بد للسنّة من استشعار خطر المقاطعة.

وخطورة مقاطعة السنّة اليوم أفظع من خطورة المقاطعة المسيحية عام 1992. فإخراج الطائفة السنية من القرار السياسي ومن احتمال إعادة صوغ لبنان الجديد بعد الأزمة والانهيار، تؤديان إلى الخروج من الحياة الاقتصادية الكبرى، خصوصًا على أبواب إعادة هيكلة المصارف والقطاعات الانتاجية والصناعية.

وخروج السنّة من المعادلة يطوي صفحة اتفاق الطائف نهائيًا. وفي ظل وضع مسيحي هش ومتشتت وغير صلب، يتمكن حزب الله من فرض مؤتمر تأسيسي جديد، يقوم على قدم واحدة.

نهاية دور بيروت

وكانت مقاطعة المسيحيين قد أخرجتهم مديدًا من الحضور السياسي. واحتاج توفير ظروف ومقومات عودتهم 15 سنة، هي سنوات الوصاية السورية وبعدها سنوات الاغتيالات.

وفي حال مقاطعة السنة اليوم، لا يمكن تصور المدى الزمني الذي يحتاجونه للعودة إلى صلب النظام والتأثير فيه وإعادة تكوينه. والمخيف لا يقتصر على ترك صيدا مثلًا كجزيرة في وسط شيعي، بل يشمل الخطر والتهديد هوية العاصمة بيروت واختلاطها وطابعها التاريخي، من زمن الإصلاح العثماني والنهضة الاقتصادية والثقافية، إلى حقبة الانتداب الفرنسي، إلى زمن الاستقلال وزمن رفيق الحريري.

فبيروت التي نعرفها على مرّ هذه الحقب والأزمنة تلك، هي موطن الخيال والحريات الثقافية العربية، في دورها الريادي كواحة للتنوع في الشرق الأوسط، إلى جانب وظيفتها ومكانتها الاقتصادية وحداثتها.

وقد شهدت ذروة انحطاطها في تفجير 4 آب، المعطوف على نهاية نسيجها الثقافي والاقتصادي. والمقاطعة السنية للانتخابات يدخل بيروت في عصر جديد من التهميش والظلام. ولا يمكن معرفة ماهية العاصمة اللبنانية المستقبلية، بعدما تصير في يد حزب الله. وقد نكون متجهين إلى تدشين جمهورية ثالثة، القسم الأكبر من اللبنانيين لا يريدها.

خراب طرابلس

وليست بيروت وحدها في هذا الانهيار والخطر. فهي إلى جانب صيدا وطرابلس، أهم ثلاث مدن على الساحل اللبناني، وأصبحت في حال انهيار. ولدى النظر إلى طرابلس المفقّرة، بسبب إغراقها في دوامة من الأهوال والاشتباكات والمعارك، وإفشال متعمد للتنمية فيها وإدخالها في  الشرذمة الأمنية والمخابراتية، نجد مدينة طرفية لا تساهم في دورة الاقتصاد اللبناني.

وهذا معاقبة مستمرة على تمرّدها التاريخي ضد النظام السوري والهيمنة السورية، وتمردها على النظام اللبناني في 17 تشرين. ولا يمكن أن تبقى مدينة محطّمة. ولذلك لا يمكن لأبنائها أن ينكفئوا، فلا يساهموا في إخراج مدينتهم من السياسة، والاندفاع إلى مزيد من الخراب.