IMLebanon

هل تخدم الورقة البيضاء اللوائح الحزبية؟!

بعد أكثر من عامين على اندلاع تظاهرات احتجاجية شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة منذ عقود في لبنان، تنظر المعارضة إلى الانتخابات التشريعية المقبلة على أنها منازلة جديدة ضد النظام السياسي، مع إدراكها بأن الحظوظ ضئيلة لإحداث تغيير في بلد أنهكته الأزمات المتراكمة.

ما زالت طبقة واسعة من اللبنانيين تحلم بالتغيير عبر الانتخابات النيابية المرتقبة في منتصف أيار المقبل، رغم قتامة المشهد وعزم كثيرين على مقاطعتها، لاعتقادهم بأنها ستفرز نفس المنظومة السياسية.

وزاد الحديث مؤخرا عن لجوء الناخبين المعترضين على السلطة، إلى خيار الورقة البيضاء، كتعبير عن اعتراضاتهم على القوى السياسية التقليدية، وعدم اقتناعهم بالبدلاء الذين يخوضون غمار الانتخابات تحت عناوين مستقلين، أو مجتمع مدني، أو قوى التغيير، أو المعارضة.

وأشارت مصادر لبنانية إلى أن القوى الحزبية التقليدية تشجع الناخبين المعترضين على خيار الورقة البيضاء بدلا من مقاطعة الانتخابات.

ويقول الخبراء إن الورقة البيضاء تُحتسب ضمن القسائم، وتحظى بالقيمة الانتخابية، لأنها تُعتبر مشاركة بالاستحقاق، وهي تختلف عن الأوراق الملغاة، مما يتيح للقوى السياسية الحزبية التقليدية الاستفادة من وجودها لرفع الحاصل الانتخابي الأول، عبر جمع الأوراق البيضاء مع باقي القسائم الانتخابية الصحيحة، وقسمة المجموع على عدد المقاعد في الدائرة الكبرى.

ويمكن للقوى الحزبية التقليدية التي تملك الحاصل الانتخابي الأول أن تستفيد من رفعه لمنع القوى المعارضة والتغيير من الوصول إليه، خصوصا أن لوائح المجتمع المدني تعدّدت، مما يشتت الأصوات في أكثر من لائحة.

ويفصل لبنان أقل من شهر عن موعد الانتخابات النيابية الأولى بعد اندلاع ثورة 17 تشرين، حيث استمرت الاحتجاجات الشعبيّة خلالها لأشهر متواصلة.

وطالب المحتجون حينها بانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار إلى الكفاءة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على “الثورة”، فإن مطالب الشعب لم تتحقق، إذ يعيش اللبنانيون اليوم أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية.

ويتنافس في الانتخابات المقبلة 103 لوائح انتخابية تضم 718 مرشحا موزعين على 15 دائرة انتخابية (قضاء أو أكثر) لاختيار 128 نائبا في البرلمان.

وتجري الانتخابات البرلمانية في البلاد كل أربع سنوات، حيث تتوزع المقاعد الـ128 على النحو الآتي: 28 للسنة، و28 للشيعة، و8 للدروز، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، و8 للكاثوليك، و5 للأرمن، ومقعدان للعلويين، ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.

ورغم إنجاز التحضيرات اللوجستية للانتخابات واكتمال تسجيل اللوائح، وبدء الحملات الانتخابية، لا تظهر حماسة لدى غالبية الشعب اللبناني للمشاركة بها.

طبقة واسعة من اللبنانيين ما زالت تحلم بالتغيير رغم قتامة المشهد طبقة واسعة من اللبنانيين ما زالت تحلم بالتغيير رغم قتامة المشهد

ولم تختلف التحالفات الانتخابية عن السنوات السابقة، حيث لا يزال حلفاء إيران والنظام السوري (حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل) متماسكين ولديهم قاعدتهم الشعبية الكبيرة، مقابل خلل في تحالفات الجهة المقابلة.

وأما بالنسبة إلى المجتمع المدني، فحظوظه بالفوز لم تعد قوية لعدم توحّد لوائحه في الدوائر، وما قد يؤدي وفق مراقبين إلى تشتت الأصوات.

وأفرز الحراك الشعبي مجموعات معارضة وأحزابا ناشئة، كما جذب أحزابا تقليدية وحركات انشقت عن المنظومة السياسية على غرار حزب الكتائب. وإن كانت جميعها تطالب بتغيير سياسي، لكنها تتباين في رؤيتها وأساليب عملها لتحقيق هذا التغيير، كما في موقفها من قضايا خلافية رئيسية على غرار سلاح حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد.

لكن هذه المجموعات بغالبيتها تتفق على أن الانتخابات التشريعية تشكّل ساحة “لمنازلة جديدة في المواجهة المفتوحة” مع الطبقة الحاكمة، وإن كانت تعرف سلفا أن “المواجهة صعبة والأدوات غير متكافئة” لناحية القدرة على تجييش القواعد الشعبية والإعلام والقدرات المادية، وفي ظل قانون انتخابي فصّلته القوى السياسية على مقاسها.

نسبة الاقتراع قد لا تصل إلى نفس النسب السابقة، لأسباب عدة منها فقدان الشعب ثقته بالتغيير، وانسحاب سعد الحريري زعيم “تيار المستقبل” المكون السني الأبرز

وتقول الباحثة والأستاذة الجامعية ريما ماجد “واهم من يعتقد أن الدورة الانتخابية ستغير النظام” في بلد يتحكم بالسلطة فيه “من يملك السلاح والمال والميليشيات”.

وفي الانتخابات النيابية الأخيرة التي حصلت في عام 2018، بلغت نسبة الاقتراع 49.20 في المئة، مقارنة مع 54 في المئة عام 2009، وفق وزارة الداخلية والبلديات.

ويرى مراقبون أن نسبة الاقتراع قد لا تصل إلى نفس النسب السابقة، لأسباب عدة منها فقدان الشعب ثقته بالتغيير، وانسحاب سعد الحريري زعيم “تيار المستقبل” المكون السني الأبرز، من العمل السياسي ما يجعل نسبة كبيرة من السنة تقاطع الانتخابات، بالإضافة إلى عدم اهتمام الشعب بالانتخابات بل بتأمين لقمة عيشه.

ويرى مراقبون أن انكفاء تيار المستقبل وتشظي قوى 14 آذار وأيضا غياب تماسك ووحدة قوى التغيير التابعة لانتفاضة 17 تشرين يصبّ في مصلحة التكتلات السياسية الموالية لإيران على غرار حزب الله.

وأعلن الحريري في يناير الماضي، تعليق عمله السياسي، معتبرا أن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.

ويرى مدير مكتب “الإحصاء والتوثيق” (خاص) كمال فغالي أن “تحالفات قوى 8 آذار (الموالية لإيران) أكثر تماسكا من قوى 14 آذار التي تعاني التفكك بسبب غياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية والذي يعد العماد الأساس لهذه القوى”.

وقال فغالي “صحيح أن قوى 8 آذار مربكة كمعظم القوى اللبنانية، إلا أن وجودها في السلطة ومن ضمنها حزب الله الذي يملك السلاح، يعطي تلك القوى اندفاعة أكبر ويجعلها أكثر تماسكا من خصومها السياسيين”.

وأشار إلى أن “غياب تيار المستقبل عن الانتخابات جعل حزب الله يخوض المعركة الانتخابية في المناطق ذات الوجود السنّي، من دون خصوم حقيقيين خصوصا في طرابلس والضنية (شمال)”.

وبالمقابل، يرى متابعون أن نتائج الانتخابات ستكون مفصلية بالنسبة إلى البلاد، حيث ستفقد الأحزاب الكبيرة الأكثرية المطلقة بالبرلمان منها التيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي فقد شعبيته داخل بيئته المسيحية لصالح حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.

وقال الباحث في مؤسسة “الدولية للمعلومات” (خاصة) محمد شمس الدين إن التيار الوطني الحر (حليف حزب الله) “خسر العديد من الشخصيات المسيحية التي كان متحالفا معها في بعض المناطق بالانتخابات النيابية الماضية عام 2018”.

ومن الشخصيات المسيحية التي خسر التيار الوطني الحر تحالفه معها في الانتخابات المقبلة، ميشال معوض ونعمة فرام وشامل روكزومنصور البون.‎