IMLebanon

الانتخابات نهاية أزمة… أم تمهيد للانفجار؟

كتب جورج علم في “الجريدة”:

لم تقرع أجراس “الأم الحنون” في لبنان، فرحاً، لفوز إيمانويل ماكرون بولاية رئاسيّة جديدة، ولم تؤذن المآذن تسبيحاً وتهليلاً، ومع ذلك كان هناك إرتياح لدى شرائح واسعة من اللبنانييّن للنتيجة التي انتهت إليها الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة.

أما الأسباب الموجبة:

شعور الغالبية بأن القادة ـ بمعظمهم ـ هم “صنّاع أزمات، وليسوا صنّاع حلول”. ومن في السلطة، وخارجها، لا قدرة له، ولا إمكانية، على معالجة الأزمة المصيريّة، المعقّدة. وإن لم يأت الحل من الخارج، فعبثاً يفعل “المدمّرون”، أصحاب الشعارات.

إن الهدف من الإنتخابات، وفق السياق المتبع، هو التجديد للمسار الإنتحاري، مع شيء من التعديل في الأحجام، والأوزان.

إن الرئيس ماكرون يعرف الأزمة بوجوهها، وأبعادها، وتشعباتها، وبالتالي لا هو بهاوٍ متمرّن، ولا بجديدٍ طارىء، بل صاحب مبادرة، وتصميم، على إنقاذ المركب اللبناني من الغرق، وهذا ما دفع بالغالبية اليائسة، الباحثة عن خشبة خلاص، أن تتوسم خيراً في إعادة إنتخابه.

لم يتوان في تمرير إشارات واعدة بالدراية والإهتمام. سفيرته في بيروت آن غريو حريصة على إلمامه بتفاصيل التفاصيل. فريق العمل في السفارة لا يهمل، ولا يمهل. الملف اللبناني حاضر على مكتب الرئيس بكامل جهوزيته، والمسألة المطروحة قيد المعالجة: ماذا بعد الإنتخابات؟ هل تستمر الفوضى، ومعها التشنج، في مواجهة إستحقاق إنتخاب رئيس للمجلس النيابي، ومن ثم الإستشارات الملزمة لتكليف شخصيّة بتشكيل الحكومة، والتوغل في أنفاق المواصفات المطلوبة، والشروط، والشروط المضادة، حول التوزير، والحصص، والحقائب، والبيان الوزاري…

زيارة الرئيس ماكرون، ومعه السفيرة غريو، الى الجندي اللبناني في إحدى المستشفيات الفرنسيّة، تعكس في الظاهر “رمزية إنسانيّة”، وتنطوي على رمزيّة سياسيّة، فهمها اللبنانيون، أو تعاطوا معها كمؤشر لاستئناف محاولات الإنقاذ.

وتفيد المعلومات المسرّبة، بأن شرفة الإليزيه “مطلّة” على شرفة الفاتيكان، وهناك تنسيق، لا بل تحضير جدّي، للقاء بين الرئيس الفرنسي والبابا فرنسيس، قبل أن يزور الأخير بيروت. وإن “زيارته محددة، لكنها غير مؤكدة”، بمعنى ان فريق العمل المخوّل بالتخطيط، والإعداد، يتعمّق في بحث الجدوى، وهل يجب أن تقتصر على “التضامن”، ورفع المعنويات، ومنح البركة الرسوليّة، أم يفترض أن تشكل بداية منعطف، ونقلة نوعية في مسار الأزمة، وتطوي صفحة سوداء، لتفتح أخرى جديدة عنوانها “أمل جديد للبنان الرسالة، وطن التنوّع، وحوار الحضارات والثقافات”.

ويدور الحديث عن أن دور الفاتيكان لن يكون هو “الرائد”، بل “المساند”، وأن دفة الإنقاذ، ستكون بقيادة القبطان الفرنسي، نظراً لما للرئيس ماكرون من خبرة، ومعرفة، وسعة اطلاع بتفاصيل الملف اللبناني، فضلاً عن تموضعه وسط الدائرة، عند نقطة الإرتكاز، ليكون على مسافة واحدة مع جميع المهتمين بمستقبل النظام، والكيان، من الولايات المتحدة، إلى روسيا الإتحاديّة، وصولاً الى سائر عواصم “المجموعة الدولية لدعم لبنان”. ومن إيران الى السعودية، ومصر، وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. ومن حزب الله، الى سائر القوى، سواء في “خط الممانعة”، أو في “الخط السيادي”.

وتختلف الاجتهادات حول “خريطة الطريق”:

البعض يجزم بانها جاهزة، وأن التنفيذ سيبدأ مع التكليف، لتأليف حكومة جديدة متطابقة المواصفات مع روحيتها، والمحطات المفصليّة في هيكليتها، ومع مواصفات صندوق النقد الدولي، وشروطه، والإصلاحات المطلوبة، على ان تأخذ بعين الإعتبار انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث تتم بمواعيدها الدستوريّة كجزء مكمّل لا يتجزأ من أهدافها.

والبعض الآخر يجزم بأن المتوافر، مجرّد أفكار لن يصيغها الفرنسي لوحده، بل بالتنسيق والتعاون مع جميع الدول، والهيئات، والمرجعيات المعنية، وفي الطليعة الأمم المتحدة، لتوفير قاعة للحوار، ربما ستكون في ضيافة سان ـ كلو، أو مكان آخر، والتفاهم على ورقة عمل، ومشاركة أممية، ودولية، لصياغة “خريطة طريق” إنقاذية، وقابلة للتطبيق.

وما يبنى عليه راهناً:

إن الانتخابات ـ وإن جرت في مواعيدها ـ لن تأتي بالتغيير، لأن حزب الله “سيمسك بالبلد، سواء حصد الأكثرية في المجلس المنتخب، أو نال أقليّة”

إن الانتخابات، بمظاهرها، وشعاراتها، وتحالفاتها، هي مجرّد مواجهة مكشوفة بين مشروعين، ومفهومين، ومحورين.. بالتالي فإنها لن تكون نهاية أزمة، بل بداية لأخرى أكثر تعقيداً، وتقود إلى الإرتطام الكبير… إذا لم يحصل تدخل دولي يمنع التشظّي!

إن الحرص على المظهر الديمقراطي في الحياة السياسيّة، لا يعطي الانتخابات صك براءة، لأن المطلوب ليس المظهر بل الجوهر، أي التغيير، ووضع حدّ لحفلة الجنون المتماديّة… وآخر مظاهرها أن ملايين من الدولارات تنفق على الإعلانات، فيما الغالبية من الشعب اللبناني تبحث عن الدواء، والغذاء، والكهرباء، وتنتظر علب الكرتون، وصناديق المساعدات!

إن الأسباب الموجبة لحمل الفرنسي على المبادرة، كثيرة، ومبررة. لكن ليس وحده القادر والمتمكن، خصوصاً أن دولاً أخرى مؤثّرة يهمها بقاء لبنان مكشوفاً على كل الإحتمالات، بإنتظار معرفة مصير مفاوضات فيينا من جهة، ومصير الأزمة الأوكرانية من جهة أخرى…

إنه التحدي الكبير أمام الرئيس ماكرون، لكن متى سيركب الموجة، وسط هذا البحر الهائج؟!