IMLebanon

قبل فرز الأصوات المحاور تؤثر في النتائج

جاء في “اللواء”:

تذهب الأنظار شاخصة، ليس إلى الوقائع اليومية لإجراء الإنتخابات النيابية لدورة 2022، سواء في بلاد الانتشار اللبناني، في الدول العربية والأجنبية، أو حتى الانتخابات التي ستحصل الأحد المقبل في 15 أيّار الجاري، في المحافظات اللبنانية كافة، بل هي شاخصة إلى ما بعد الانتخابات على صعيد النتائج السياسية والدستورية، وربما الميثاقية، في ما خصَّ الأرقام والأحجام، والمصائر والبدائل، على مستوى التمثيل الطائفي أو المناطقي، وحتى الشعبي والحزبي..

قبل فتح صناديق الإقتراع، والبدء بفرز الأصوات، لا يمكن الجزم بشيء ثابت وملموس، ما خلا النتائج، التي يمكن القول أنها خضعت للتأثير، في عدد من دول المنطقة، ومن غير المعروف بعد ما إذا كان هذا التأثير على أصوات المقترعين، امتد إلى دول في أوروبا، أو استراليا أو افريقيا أو أميركا اللاتينية..

وإذا كان من المعوَّل عليه، قراءة متأنية لاتجاهات التصويت الاغترابي، فإن رص المعارك الفاصلة، ستكون في الداخل اللبناني، الذي يشهد منازلة حادّة بين الاتجاهات المتصادمة في لبنان، والخيارات ذات الانفصال، وكأن الانتخابات لا تجري على أرض واحدة أو جمهور واحد، أو في ظل سلطة واحدة، وإن كان أمن الانتخابات واحداً، والأرض اللبنانية واحدة، والـ10452 كم2 هي هي أو زادت قليلاً، بفضل اضافات سوليدير في البحر، أو استعادة بعض مئات آلاف الأمتار، وفقاً للخط الأزرق بعد العام 2000، وهو عام التحرير، الذي يختلف عيده من عام إلى عام.. وبالطبع سيكون مختلفاً كل الاختلاف في 25 أيار الجاري، أي بعد 10 أيام على الانتخابات، ونتائجها، أياً كانت، فلها ارتدادات بالغة الخطورة على مجمل الوضع، وربما مصائر البلاد والعباد.

في حمأة «الصراخ الانتخابي» قبل فترات الصمت، التي لم تشكّل مراجعة، بل تحفزات إلى يوم «الأحد الكبير» (على طريقة المبالغة اللبنانية) تبينت مجموعة من الحقائق الجديدة، التي ترافق هذا الحدث، الذي لم يكن يشبه ما سبقه من احداث انتخابية..

1 – من أولى الحقائق، ان الانتخابات، في ظل أزمة نظام حادّة.. في النظام النقدي (الانهيارات المتتالية لسعر صرف الدولار، إذا ارتفع إلى حدود الـ20 ضعفاً للدولار الواحد، مما يعني ان القدرة الشرائية لليرة تراجعت 20 ضعفاً أو يزيد، وتراكمت النفقات على قياس سعر الصرف، من المحروقات، إلى الكهرباء، إلى السلع الغذائية، الضرورية من الخبز والأرز والسكر، والشاي والقهوة، أو حتى الخضار من البطاطا إلى البندورة، فضلاً عن المشتقات الغذائية من الحليب واللحوم، ناهيك عن الاستشفاء وأسعار الأدوية العادية، وتلك العائدة إلى الأمراض المستعصية. ولم يكن حال النظام المصرفي بأفضل لجهة اختفاء الودائع، وعجز المواطن عن الحصول على 100 دولار من ودائعه التي تفوق أحياناً مئات ألوف الدولار الموضوعة في المصارف قبل 17 ت1 2019.

2 – من ثاني الحقائق المريبة، ان الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والمسؤولة عن انهيار البلد على مستوى دور الدولة والخدمات والصحة والأجور والتعليم وكل ما يتعلق بحاجات المواطن، في أبسط ضرورياتها، عادت بقوة إلى المسرح، تقاتل لإثبات جدارتها، بجولات جديدة من إفساد الحياة العامة وتخريبها..

ان عودة النواب والوزراء والسياسيين، وقادة الحركات والأحزاب إلى الترشح، تشكّل نكسة لمسار التطور أو تثمير، ما أسفرت عنه مظاهرات 17 ت1 وما تلاها..

هكذا، ببساطة يأتي الترشيح، على الخط الذي حصل، وكأنه طعنة قوية لمشاعر المواطن، الذي يمضي يومه بين الاستجداء والنواح، والوقوف على أطلال أيام تليدة خلت..

لا شك ان عودة غالبية أعضاء المجلس النيابي إلى الترشح، على مستوى الكتل والتيارات الحزبية والسياسية، تشكّل استهتاراً قوياً بمصالح اللبنانيين، وتوقهم إلى الانعتاق من ربقة الإستبداد المذهبي والطائفي، وحتى الحزبي، والويلات التي ترتبت عليه..

3 – وثالثة الأتافي من بين الحقائق المريرة، اختلاط  الحابل بالنابل، في طرح الشعارات، والخطابات الانتخابية، على طريقة «السفسطائيين» اليونان، الذين كانوا يمترون بتصوير الحقيقة، بما يخدم المصالح الفردية والخاصة لكل شخص يرغب في خوض الانتخابات أو كسبها..

إلى التدقيق في طبيعة الشعارات التي تطرح، من «نحمي ونبني» أو باقون لنحمي ونبني (حزب الله) إلى «نحنا بدّنا» و«نحنا فينا» العائدة لحزب القوات اللبنانية إلى (كنا وسنبقى) (التيار الوطني الحر) إلى شعارات المواجهة شمالاً، وبيروت تواجه، فضلاً عن شعارات «الإرادة والتحدي»، كلها تعكس القلق الوجودي لهذه التيارات التي تصر على أدوار، ربما ستكون مفقودة في المستقبل..

4 – من أبرز الحقائق، غير المسبوقة، إعلان تيار المستقبل عزوفه عن الترشح وحتى المشاركة في الاقتراع. في موقف، وهو الأوّل من نوعه منذ العام 1992، عندما دخل الرئيس الشهيد رفيق الحريري المعترك السياسي من باب تكوين أكبر كتلة نيابية، عابرة للطوائف في المجلس، وواظب على الترشح والفوز في الانتخابات حتى العام 2004، وهو العام الذي سبق اغتياله في 14 شباط 2005..

تكاد اعلام التيار الأزرق، وجدرانها وشوارعها وأزقاتها. (وانبرت لوراثة التمثيل النيابي لبيروت من قِبل هذا التيار، قوى وتكتلات، تنتظر نتائج الاقتراع لمعرفة مدى الأحجام، في ضوء قراءة الأرقام والنتائج المحصلة في الصناديق، أو المتوارية والمنكفئة مع التيار الأزرق، الذي أربك المشهد، ولا يزال يربكه في غير محطة منذ الانهيارات الكبرى للمستويات والأنظمة المعمول بها، في بلد المعجزات، والمفاجآت لبنان..

5 – من الخطأ الاعتقاد ان الدول والسفارات، بعيدة عن المشهد الانتخابي، بكل ما له وما عليه. والاشارات الأولية، تُشير إلى ان عمليات التعبئة والتدخل تمت في سفارات ما يمكن وصفه بالصوت الواحد لترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك، والأمر سيتبدى، بصورة أكثر وضوحاً مع الإعلان عن النتائج أو قراءة الأرقام، أو فيه الأرقام..

6 – من الحقائق الدامغة ان الماكينات المسيحية الانتخابية، تعوّل كثيراً على أصوات الناخبين اللبنانيين في الخارج، نظراً لمحدودية التأثير لجهة المصالح أو الاغراءات المالية والوظيفية.. وللتعويض عن الخسائر الممكنة في صنادق الاقتراع في الداخل اللبناني..

هذا غيض من فيض الحقائق..

وبصرف النظر عن نجاح أو أية مكاسب أخرى للسلطة الحالية، في إدارة العملية الانتخابية، في مرحلتها الثانية، فإن حالة التشظي الداخلي، فرضت نفسها في لعبة تنافس على إدارية البلد في المرحلة المقبلة بين لعبة محاور اقليمية- عربية ودولية حادّة. فكل فريق يخوض المعركة التي يعتقد انها الكفيلة بكسر خصمه إلى غير رجعة.. فالصناديق بدل الخنادق والبواريد أو حتى البوارج.. وكل حزب بما لديهم فرحون..

التجاذب الخطير في الانتخابات، لن ينتهي بانتهاء اطول مراتون صدامي منذ الانهيار الكبير في 17 ت1 (2019). الانتخابات بديل الحرب أو الاشتباك المسلح، لكن خيار الإصلاح والانتقال إلى ضفة المعالجة، بدل الموت البطيء في حفرة الأزمة، دونه صعوبات وعوائق كثيرة. لعل اخطرها ارتطام المشهد ما بعد الصناديق بجدار التأزم في النظام الدولي، وانهيار بناءاته خلال العقدين الماضيين!!