IMLebanon

عن دور “الحزب” وحلفائه في “قهر” اللبنانيّين وإفقارهم

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

إنهيار لبنان لم يكن «قضاءً وقدراً»، إنما «جريمة» ارتكبت من قبل «مافيا» السلطة – المصارف، عن سابق إصرار وتصميم. هذا ما بينه تقرير «المقرر الخاص في الامم المتحدة المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الانسان»، أوليفييه دي شوتر، وهذا ما لم يعد يختلف عليه إثنان في لبنان، وقد أشبع نقداً وتحليلاً. إلا أن ما لم يسلط التقرير الضوء عليه، هو دور «حزب الله» وحلفائه المحوري في «قهر» اللبنانيين وإفقارهم في الداخل والخارج.

ساهم «حزب الله» وحلفاؤه من «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»، في تقويض دعائم الاقتصاد اللبناني، والعمل على بناء «نظام تجويعي» يشبه ذلك الموجود في إيران وسوريا. وذلك من خلال استراتيجية واضحة قامت على العناصر التالية:

التعطيل وتأخير تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء. وقد بلغ «التعطيل التراكمي في الفترة الممتدة من آخر العام 2006 حتى مطلع النصف الثاني من العام 2021، حوالى 4713 يوماً، أي ما يقارب ثلاث عشرة سنة»، بحسب ما أورده الرئيس فؤاد السنيورة في كتابه الدين العام اللبناني التراكم والتأثيرات السلبية. و»هي السنوات التي سادت خلالها المماحكات، وجرى فيها تضييع الفرص ومفاقمة المشكلات السياسية والاقتصادية والمالية، ولا سيما مشكلة الدين العام. فقد ارتفع الدين في هذه الفترة من حدود 37.7 مليار دولار في العام 2006 إلى 91.6 ملياراً مع بداية الأزمة في العام 2019.

الصراع الجيوستراتيجي لـ»حزب الله»: إذا كان ما يعرف بـ»فريق 8 آذار» يتحمل المسؤولية مجتمعة عن: التعطيل القسري لمجلس النواب من العام 2006 إلى العام 2008، وتأخير تشكيل الحكومات لأكثر من 1449 يوماً، وتعليق انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة 890 يوماً… فان «حزب الله» يتحمل المسؤولية وحيداً بالازمات المالية التي خرجت عن السيطرة. وبحسب دراسة للباحثة د. ليال منصور تظهر بالارقام أن «الأسواق المالية تستجيب بشكل سلبي في أوقات النزاع بين إسرائيل و»حزب الله». وهذا ما يؤدي إلى استنزاف العملات الأجنبية في المصرف المركزي، وبالتالي إلى عدم الاستقرار وتوقع المزيد من الضغوط على النشاط الاقتصادي». وتستنتج منصور، بناء على مؤشريGeopolitical Risks (GPR) أو «مخاطر الوضع الجيوسياسي على الأسواق المالية والنقدية»، و(FSI) FINANCIAL STRESS INDEX أو ما يعني «الإجهاد المالي»، «أن كل المشاكل الداخلية المتعلقة بالتصنيف الإئتماني، واستقالة الحكومة وتأخير تكليف رئيس جديد، أو التأخر بانتخاب رئيس للجمهورية… لم تتسبب إلا بأزمة مالية بسيطة بقيت تحت السيطرة. فيما كل الازمات المالية FINANCIAL CRISAS التي خرجت عن السيطرة نتجت عن الصراعات الجيوسياسية الخارجية وليس الداخلية».

مع بدء مصرف لبنان بدعم المواد الغذائية والمشتقات النفطية والادوية ابتداء من نهاية 2019 بمليارات الدولارات، فُقدت هذه السلع من الأسواق، لأن رحلة التهريب لم تتوقّف منذ لحظة بدء الاستفادة من الدعم، حتى الآن. مع ذلك، ما زالت القوى السياسية تتراشق مسؤولية فشل الدعم، وتحاول الاستفادة من الفشل لشد عصب الجمهور الذي يحتاج شمّاعة لالقاء اللوم عليها، فيتحوّل كل خصم إلى شمّاعة. إلا أن اللافت أن أكثر القوى التي استفادت من الدعم، بحسب مصادر فضلت عدم الكشف عن اسمها «هي أكثر القوى التي تحمّل غيرها المسؤولية، كـ»حزب الله» وحلفائه، تحديداً، أي حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر». فهؤلاء استفادوا من الدعم، ليس فقط لتحقيق أرباح مالية، بل لتنشيط التهريب من لبنان إلى سوريا، بهدف تحقيق المزيد من الأرباح ولمساعدة نظام الأسد على الصمود في وجه العقوبات الأميركية عليه، وآخرها المتمثّلة بقانون قيصر».

مع أن كافة أحزاب السلطة استفادت من الدعم، يبقى أن «حزب الله» استمر في رفض اتهامه بالاستفادة وأصرَّ على براءته، في حين أثبتت الوقائع تورّطه، ومنها فضيحة أحد مخازن الأدوية في قرية العاقبية جنوب مدينة صيدا التي يملكها عصام خليفة. إذ تؤكّد مصادر صيدلانية بأن «هذا المستودع الذي داهمه وزير الصحة السابق حمد حسن لتخزينه أدوية وحليب ومواد صيدلانية مدعومة يعود لـ»حزب الله». وتتقاطع هذه المعلومة مع حقيقة شراكة عصام خليفة في ملكية الشركة، مع عبد المطّلب فنيش، شقيق الوزير محمد فنيش، وهو ما يظهره طلب تسجيل الشركة المقدّم إلى رئاسة محكمة تجارة صيدا، قسم السجل التجاري». غير ان الوزير سرعان ما عاد عن قراره، وفتح المستودع، بعد نجاح الضغط لاستعادة الحزب المستودع.

بالتوازي مع الاستفادة من دعم الأدوية، حقق الثنائي الشيعي استفادة من دعم المحروقات. حيث أخذ انخراط الحزب في التهريب 4 أشكال رئيسية بحسب المصادر:

الاول، مباشر عبر تقديم التسهيلات وحماية مهرّبين ينتمون لعشائر في مناطق البقاع الممتدة بين قرى بعلبك الهرمل وصولاً إلى الحدود السورية. حيث عمد إلى استئجار شاحنات متوسطة الحجم ونقل البضائع داخلها. وشملت البضائع مختلف أنواع المواد الغذائية والزيوت النباتية والطحين. وبحسب شهود عيان فان التبرير كان «مساهمة في العمل المقاوم وكسر الحصار الأميركي والغربي المفروض على المقاومة وعلى الأخوة في سوريا، وأن «الحزب» يشتري البضاعة من التجار بغض النظر عمّا اذا كانت مدعومة أو غير مدعومة، فمراقبة التجار وتصنيفهم بين محتكر وغير محتكر، ليس من اختصاصه». وقد حظي هذا الموقف بدعم شرعي حيث قال الشيخ صادق النابلسي ابن الشيخ عفيف النابلسي أحد مؤسسي الحزب في الجنوب، وشقيق أحد مسؤوليه، في حديث تلفزيوني إن «التهريب عملية شرعية لحماية المقاومة». في وقت يضع فيه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله الفاسد بمنزلة العميل لاسرائيل. فهل يجرؤ الحزب على محاسبة الفاسدين الذين يساهمون في تهريب المواد الغذائية والمحروقات؟

الثاني غير مباشر، عبر مساهمة الحزب في تعزيز عمليات التهريب التي تجري عبر أشخاص ينتمون إلى عشائر موالية له. وهؤلاء ينسّقون عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا، مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وهي فرقة تابعة لماهر الأسد.

الثالث، التهريب المعاكس حيث أدخل «حزب الله» نحو 60 ألف طن من المازوت الايراني بشكل غير شرعي ومن دون أن يدفع عليها الضرائب أو الجمارك، أو أن تكون مستوردة باسم شركة متخصصة. وهو ما فوت على الدولة ملايين الدولارات.

الرابع، تورط شبكات تتبع له بتهريب الكبتاغون إلى الدول العربية. الامر الذي عطل الصادرات اللبنانية، إلى أسواق التصريف الاساسية وتحديداً دول الخليج العربي، ودفع بالكثير من الدول إلى التضييق على اللبنانيين وعدم إعطائهم إجازات عمل.

يضاف إلى العوامل الآنفة الذكر، فساد إداري شكل في الفترة الماضية سبيلاً أمام بعض موظفي مصرف لبنان، ومن مختلف الفئات الوظيفية والمراكز، للاستفادة وتحصيل كمية كبيرة من الدولارات. فهؤلاء سهّلوا حصول التّجار على موافقات الاستيراد، من خلال علاقات متداخلة بينهم. وتؤكّد مصادر في لجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان، أن «أحد أوجه الاستفادة يأتي على الشكل التالي: عندما يقدّم أحد التجار طلب الاستيراد إلى وزارة الاقتصاد ويحصل على الموافقة التي عادة ما تكون شكلية وسريعة، يسارع التاجر إلى التواصل مع أحد معارفه في مصرف لبنان، بغض النظر عن الموقع الوظيفي للشخص الذي بدوره يعرف كيف تتم آلية الموافقة على الطلبات، وبالتالي يعرف مع مَن عليه التحدّث ودفع رشوة لتمرير الموافقة سريعاً والحصول على المبلغ المطلوب، وكلّما زاد هذا المبلغ، زادت قيمة الرشوة التي على التاجر دفعها. ومهما بلغ حجم الرشى المدفوعة، فإن تخزين البضاعة المستوردة ورفع أسعارها لاحقاً مع ارتفاع سعر الدولار، كفيل بردّ قيمة الرشى وتحقيق أرباح فائضة. كما أن تهريب جزء من البضائع نحو سوريا أو دول أخرى، يدرّ أرباحاً أكبر».

فشل الدعم دفع القوى السياسية لابتكار البطاقة التمويلية وتأمين كلفتها بقرض من البنك الدولي. والتأخّر في اعتماد هذا الحل لم يكن وليد الصدفة بحسب مصادر، إنما مقصود لاتاحة الوقت للاستفادة من الدعم واستنفاد الدولارات المتوفّرة. واليوم، تتخبّط الدولة في تطبيق البطاقة التمويلية، فبعد أقل من شهرين فقط على بدء الاستفادة، ظهرت الشوائب والتجاوزات، وكان أوّلها استفادة نحو 7 آلاف أسرة من برنامجين للدعم، برنامج شبكة «أمان» وبرنامج الأسر الأكثر فقراً. والاستفادة المزدوجة تُعتبَر حرماناً لعائلات أخرى من الاستفادة لمرة واحدة.

تجاوزات، هدر، فساد وتعطيل بكلفة تفوق عشرات المليارات من الدولارات، يجري اليوم مسحها من معادلة الانهيار. ورغم ذلك ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، يزداد الضخ الإعلامي لـ»حزب الله» باتجاه اعتبار الخطوط المفتوحة بين لبنان وسوريا، طرقاً للمقاومة، يمر عبرها السلاح كما المواد الغذائية، كسراً لأي حصار مفروض. فلا صوت يعلو فوق صوت «المعركة» بالنسبة للحزب، ولو مات اللبنانيون من الجوع.