IMLebanon

رئيس القلم شاهد “شاف كلّ حاجة”

كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:

وصل رؤساء الأقلام إلى مراكز الاقتراع قبل طلوع الشمس، في مدن وقرى لا كهرباء فيها في هذا التوقيت، ما يصعّب عملية تجهيز الأقلام لاستقبال المقترعين وخصوصاً أن لا تدريب في هذه الدورة على إدارة العملية الانتخابية، ولا تحضير مسموح به مسبقاً لمراكز الاقتراع بسبب تعاميم وزارة الداخلية التي منعت فتح الصناديق قبل بدء العملية الانتخابية. المفاجأة كانت في قلب الصندوق، إذ اكتشف رؤساء الأقلام عندما فتحوها صباحاً كم أن الدولة بعيدة النظر لوضعها داخل كلّ صندوق مصباحاً يعمل على البطارية للمرّة الأولى ربما في تاريخ العمليات الانتخابية، ما ساعد في التغلّب على العتمة وأتاح تجهيز الأقلام قبل الساعة السابعة صباحاً، الوقت المحدّد لفتح مراكز الاقتراع أمام الناخبين.

المندوبون: ترهيب وترغيب

التحدي الأوّل، والأساسي، الذي يواجه رئيس القلم هو إدارة العلاقة مع مندوبي الماكينات الانتخابية الذين يحاولون السيطرة على مجريات العملية الانتخابية داخل أقلام الاقتراع من خلال طريقتين: إما إرباك رئيس القلم عبر استعراضه كلّ دقائق العملية الانتخابية، وإما استرضاؤه مع الكاتب من خلال تكريمهما، فيعرضون خدماتهم لتأمين كلّ احتياجات النهار الانتخابي من طعام وشراب على قاعدة «طعمي التمّ بتستحي العين»، والنتيجة ستكون واحدة من اثنتين: إمّا أن يمسك المندوب بالعملية الانتخابية داخل القلم بكلّ تفاصيلها القانونية وغير القانونية، وإما أن يتمسّك رئيس القلم بتطبيق القانون فيتحوّل الى شخص مكروه يمشي بين النقاط كي يتجنّب الوقوع في الفخاخ المعدّة له.

«لم أستطع الذهاب إلى الحمام حتى»، يقول رئيس قلم في منطقة جبيل بعد رفضه لأسلوبَيْ الترغيب والترهيب المعتمدَيْن، ما دفع بمندوبي أحد الأحزاب إلى الضغط عليه عبر إثارة الفوضى داخل القلم وخارجه بتحريض الناس على رفض الوقوف بالطوابير. لم يستسلم أحد رؤساء الأقلام لكلّ ما سبق من محاولات، بل ذهب إلى حدّ أبعد باجتهاد شخصي منه ومن دون تلقّي توجيهات من وزارة الداخلية كي يحافظ على حياده، فأحضر معه من بيته ما يحتاج إليه من مشروبات ،ثمّ طلب الطعام عبر خدمة التوصيل إلى المركز الانتخابي «ما بدي إكسر عيني ولو بشربة ماء»، وهذا ما جعله حسب إفادته أكثر قدرة على الإدارة من دون تدخلات. في المقابل، تراخى أحد رؤساء الأقلام وقبل بكلّ وسائل الترغيب من استضافة قبل يوم الاقتراع في منزل رئيس البلدية، ووجبات طعام خلال اليوم الانتخابي، فتحوّلت مسؤولية القلم إلى إحدى المندوبات التي قامت حتى بكتابة المحضر عند انتهاء عمليتَي الفرز والاقتراع. أمر دفع بالضابط المسؤول عن المركز إلى الطلب من رئيس قلم وكاتب مجاورين، بعد إنهاء عملهما، التوجّه إلى هذا القلم والإشراف على ما يحدث فيه للحدّ من المخالفات.

الشهرة بدلاً من الهويّة

التحدّي الثاني يكمن في العلاقة مع المقترعين، التي يجب أن تتمّ وفق ما تقتضيه القوانين، والتي تبدأ بالتحقق من المعلومات الشخصية المذكورة على الهوية أو جواز السفر، وصولاً إلى التوقيع على لوائح الشطب والمغادرة. وهنا واجه رؤساء الأقلام عدداً من «المطبّات» غير المتوقعة، كأن يصرّ بعض المقترعين على التصويت بعيداً عن المعزل، أو أن تطلب إحدى المقترعات أن تصوّت من دون أن تبرز أي ورقة ثبوتية لأنّها «معروفة في القرية»، فيما أبرزت أخرى جواز سفر لدولة أجنبية على أنّه وثيقة ثبوتية تمكّنها من التصويت.

ما سبق من مواقف قد يُسرد الآن على سبيل النكتة، لكنه لا يعبّر عن التوتر الذي يسبّبه داخل غرف الاقتراع عند وقوعها، لأنّ عدم التصويت يعني خسارة صوت ما يستدعي تدخلاً على مستويات عليا. وفي أحد الأقضية الجنوبية، اتصل القائم مقام شخصياً برئيس القلم لإلزامه بتنخيب شخص لا تتطابق المعلومات الموجودة على هويته مع لوائح الشطب، ولكن ما لم يتوقعه الموظف العالي الرتبة هو الـ«لا» التي سمعها من رئيس القلم، الذي لم يكتف بها، بل أوقف عملية الاقتراع ليُسمع كلّ المندوبين بأنّ القائم مقام ليس جهة ذات صلاحية مقرّرة في هذا الأمر، بل وزارة الداخلية عبر خطّها الساخن.

تجاوزات مندوبي اللوائح لا تنتهي عند هذا الحدّ، بل تستمرّ في محاولة تثبيت أمر واقع داخل الأقلام عبر الدخول مع المقترعين خلف المعازل، بعد إلقاء التحايا عليهم بشكل شخصي والترحيب بهم كي يبدو الأمر طبيعياً جداً، ثمّ التأكّد من «تصويتهم بكلّ حريّة» لمصلحة لائحتهم. رفض رئيس قلم هذا التصرّف، فعمد المندوب الى إحضار شبان وأوقفهم على باب القلم كنوع من التهديد والوعيد.

أميّون في مراكز الاقتراع

كأنّ كلّ شيء مباح في العملية الانتخابية، وعلى الطريقة اللبنانية «كلّو بيتزبط»، يطلب مندوب من رئيس قلم أن يدخل مع الأميين في القرية لمساعدتهم على التصويت. يوافق بداية، لكنه سرعان ما يلاحظ أن المندوب لم يسأل المقترع عن رأيه، فيوقف العملية ويتطوّع شخصياً لمساعدة الأميّين ومن يعانون صعوبات أخرى مثل الضرير، المدرك لكلّ ما يدور حوله، ولكن حقه بالاقتراع الحرّ مصادر من أحد أقربائه الذي بادر إلى الكتابة دون سؤاله حتى. هذا الأمر لحظه عدد من رؤساء الأقلام، ويؤكّد أحدهم أن هؤلاء الأشخاص لا رأي لهم، بل يجري تنخيبهم رغماً عن إرادتهم، ما يسلبهم حريتهم وحرية غيرهم من المقترعين الأصحاء الذين يتعرضون لمنافسة غير شرعية، إذ يكون المندوب قادراً على التصويت لعشرات المرات عبر هذه «المساعدة» على الاقتراع.

المشكلة الأكبر هي اعتياد العديد من الموظفين على فكرة متوارثة قوامها أنّ اليوم الانتخابي هو يوم ترفيهي للخروج من منطقة إلى أخرى، والاستفادة من التكريم الذي يحظون به، ما يساهم في وضعهم تحت كلّ الضغوط المذكورة سابقاً… ولإعدامها يجب على الدولة تأمين كلّ المستلزمات من التنقل إلى أمكنة النوم وحتى الطعام، ولكن الدولة هي المفقودة.