IMLebanon

17 تشرين تستكمل انتفاضتها… تشريعياً

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

بعد أن تم نعيها سريعاً بعد انطلاقتها في 17 تشرين الأول 2019، أثبتت انتفاضة ذاك التاريخ بأن الوعي الذي ولّدته في وجدان شرائح شعبية كبيرة ما زال قائماً وتردد صداه في نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة عبر الصوت العقابي للسلطة من قبل الناخبين، والتي لن يكون ما بعدها كما قبلها.

الانتفاضة التي نادت بالتغيير الدراماتيكي ورفعت من سقف الشعارات في الأسابيع الأولى، غالبتها الواقعية مع الأيام وبدا لها النضال من داخل اللعبة السياسية الخيار الأمثل، أو هي اضطرت له نتيجة الظروف التي رافقتها ومن بينها الموضوعي والخارجي غير المتعلق بها.

لكنها خاضت المعركة الأخيرة وسط ظروف صعبة جدا على رأسها قانون الانتخابات الذي صاغه بعض أركان السلطة بدقة متناهية، إضافة طبعا الى قوة تلك السلطة المترسخة في الحكم والزبائنية السياسية لدى مناصريها وخشية كثير من اللبنانيين من مجرد فكرة مقارعة تلك الأركان، ناهيك عن عامل بالغ الأهمية يتمثل في الجنون الطائفي القائم الذي يصب في المحصلة ضد المنتفضين.

بيضة القبّان

على كل حال دخل التشرينيون الى المجلس النيابي بكتلة وازنة مبدئيا ومشروع مدني في سبيل استكمال 17 تشرين برلمانياً، عبر 15 نائبا سيشكلون بيضة القبّان في البرلمان، وهم: إبراهيم منيمنة، ملحم خلف، وضاح الصادق، بولا يعقوبيان، سينتيا زرازير، مارك ضو، نجاة صليبا، حليمة قعقور، الياس جرادة، فراس حمدان، ميشال دويهي، رامي فنج، شربل مسعد، إيهاب مطر، وياسين ياسين.

هذا العدد سيستقر في حال لم تطرأ تغييرات على طبيعة التصنيفات بين تغييريين مدنيين ومستقلين وحتى اذا ما تحدثنا عن نواب معارضين قد يدّعون «الثورة» وهم من ضمن تركيبة الحكم..

كما أن معركة التشرينيين حققت نجاحا نسبيا في الدوائر التي لم يوفق فيها المرشحون، ولعل واصف الحركة يشكل المثال الأكبر على ذلك وهو الذي فصل لائحته عن الحاصل الانتخابي في بعبدا أكثر من ألف صوت بقليل، وجاد غصن الذي أبعدته مئات الأصوات فقط عن الحاصل في المتن الشمالي!

طبعا العدد المُشار إليه هنا لا يشمل بعض المستقلين الذين انخرطوا في 17 تشرين مثل النائب أسامة سعد الذي حقق نتيجة مدويّة عبر لائحة من ثلاثة نواب من بينها عبد الرحمن البزري الذي خرق بمفاجأة في دائرة المفاجآت صيدا – جزين، على سبيل المثال لا الحصر.. ويعتبر تغييريون كثر بأن اللائحة الثلاثية لسعد هي حكماً من لوائح «الثورة» التي نجحت..

هذا ما يدفع الى الاعتقاد بأن المزاج المستقل العام سيقارب ربع عدد مقاعد المجلس النيابي وهو مرشح للتصاعد اذا ما انضم إليه في المستقبل نواب خارجين من الحكم لكن يبقى ذلك رهن ما ستحمله المراحل المقبلة..

يجدر القول هنا إن التشرينيين هم من مشارب سياسية متعددة ومن بينهم العقائدي واليساري والليبرالي اليميني والمستقل وحتى الطارىء على العمل السياسي وبعضهم غير محدد التوجهات، ما يعني أن تشكيل كتلة متجانسة في المجلس النيابي سيكون تحدياً كبيراً أمامهم وقد لا يتمكنون منه في جميع الاستحقاقات، علما بأنهم يسعون إلى هذا الأمر.

اعتكاف “المستقبل”

ولعل العامل الهام الذي أدى بهذا الخرق الكبير، إضافة الى حال البلاد المأساوي، هو اعتكاف «تيار المستقبل» عن المشاركة في العملية الانتخابية ما أدى الى الظفر بمقاعد سنية وغيرها كما هو واضح في بيروت وفي الشوف – عاليه وفي طرابلس وزغرتا لا سيما مع انخفاض الحواصل الانتخابية وهو ما يشير إليه العدد غير الكبير للإقبال على الاقتراع في دوائر متعددة ومنها دوائر الجنوب حيث الصوت الطاغي لثنائي «حزب الله» وحركة «أمل».

كما كان للصوت السني المتمرد على الدعوة الحريرية الى المقاطعة دوره الهام في إنجاز الخرقين كبيري الدلالة في دائرة الجنوب الثالثة، النبطية – مرجعيون – حاصبيا حيث كان السقوط الأهم لرموز «المنظومة» عبر خسارة النائب السابق أسعد حردان المستمر في مقعده منذ 30 عاماً، والمرشح مروان خير الدين الذي سُمي بمرشح المصارف..

الخبرة السياسية

وسيكون على هؤلاء التغييريين مقاربة قضايا عامة ونيابية شائكة وهي القضايا الإنسانية التي يكابد عناءها اللبنانيون والتي مهدت لهذا المزاج الشعبي التغييري. وهنا سيبرز تحدي الخبرة السياسية الذي يفتقد غالبيتهم له، وثمة رأي مبدئي لديهم بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة وان كان رأيا غير مُجمَع عليه، وفي كل الأحوال ستبقى مسألة تشكيل الحكومة رهنا بزمن طويل ستتسلم خلاله الحكومة الحالية زمام الأمور متحولة الى حكومة تصريف أعمال كل الوقت الطويل الذي ستستغرقه عملية اختيار رئيس للحكومة المقبلة ومن ثم الاتفاق على أعضائها، ما يعني أن من المبكر كثيراً للتغييريين مقاربة تشكيل الحكومة منذ الآن.

لذا فالتحدي كبير أمام هؤلاء لا سيما وأن البلاد مقبلة على حال صعب وشائك وسط فراغين حكومي قريب ورئاسي أبعد مدى منذ تشرين الأول المقبل. ما يعني أن البلاد ستدخل في مرحلة صعبة في ظل عدم تبلور التسوية الخارجية الدولية الإقليمية التي توفر الغطاء اللازم لأية تسوية بين أركان الداخل.