IMLebanon

لبنان يختار الدبلوماسية ويستدعي هوكشتاين

قفز ملف ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني إلى سلم أولويات المشهد اللبناني وبطريقة دراماتيكية، بعد وصول باخرة التنقيب إلى حقل كاريش المتنازع عليه، مستبقة وصول الوسيط الأميركي لاستئناف عملية الترسيم. وفي السياق، وفي موقف هو الأول بعد وصول سفينة «انيرجان باور»، أعلن وزير الحرب الصهيوني ان «الخلاف مع لبنان بشأن حقل الغاز الحدودي سيتم حله عبر الوساطة الأميركية».

في وقت نقلت وسائل اعلام عبرية بأن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز الصهيونية ينظر إليه على أنه إعلان حرب.

 

من جانبها، سارعت السلطة اللبنانية المأزومة إلى الاستنجاد بالوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، لإعادة تحريك عملية التفاوض، فيما لم يعلن «حزب الله» موقفا مباشرا حتى الساعة، وإن كانت مصادر مقربة منه تقول إنه يمشي خلف الدولة، وينتظر إعلانها موقفا رسميا يحدد حقوق لبنان وحدود منطقته الاقتصادية في البحر.

وازاء الاندفاعة الصهيونية توافق رئيس الجمهورية ميشال عون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على دعوة الوسيط الأميركي للحضور الى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات والعمل على انهائها في أسرع وقت ممكن، لمنع حصول أي تصعيد.

وتقرر ايضاً القيام بسلسلة اتصالات دبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، وللتأكيد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أي أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج يقوم بها الصهاينة في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازاً وعملاً عدوانياً يهدد السلم والأمن الدوليين.

وكانت وزارة الخارجية قد أعلنت أن الوزير عبدالله بوحبيب سيستدعي سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لإبلاغهم بموقف لبنان من التحرك الاستفزازي الصهيوني، لتعود وتعلن الغاء الموعد من دون تحديد الأسباب.

وكان بوحبيب التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأكد أن التواصل مع الوسيط الأميركي بدأ، لافتاً الى أن وزارة الخارجية «لا تملك مهندسين أو مختصين في ملف الترسيم».

هذا، فيما أُفيد عن لقاء دبلوماسي أميركي- لبناني، أبدى فيه الجانب الأميركي استعداده لتحريك ملف التفاوض على الترسيم المجمد، ومعاودة عمل الوسيط الأميركي.

 

من جانبهم، عقد نواب قوى التغيير مؤتمرا صحافيا في البرلمان تناولوا فيه هذا الملف، حيث طالبوا السلطة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، بالقيام بغضون ساعات بتعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 كخط تفاوضي للبنان بدلا عن الخط 23.

واعتبر النواب أن هذا الملف قضية وطنية، وعدم تعديل المرسوم يندرج ضمن الخيانة العظمى.

وقال النائب ملحم خلف متحدثاً باسم النواب إنه في حال لم تعمد السلطة إلى تعديل المرسوم، فسيقوم النواب باقتراح قانون لتعديل المرسوم، داعياً جميع النواب إلى المشاركة فيه.

ولوح نواب التغيير بالدعوة لاعتصام شعبي في الناقورة في حال تمنعت السلطة عن القيام بواجبها.

 

الخبيرة في شؤون النفط والغاز في لبنان والمنطقة لوري هايتيان أكدت لـ القبس أن دعوة هوكشتاين إلى بيروت لن توقف العمل الصهيوني في حقل كاريش، وأنها «مضيعة للوقت»، مشددة على أن ما يوقف العمل في كاريش ويحرّك طاولة المفاوضات هو صدور موقف رسمي لبناني عبر توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم يقضي بتعديل الحدود البحرية، بما يضمن المساحة الإضافية التي يطالب بها لبنان.

وأوضحت أن الوسيط الأميركي قدم في فبراير الماضي عرضاً مبنياً على 860 كلم مربع يتقاسمها لبنان والعدو الصهيوني، لكن حتى اليوم لم تحرك الدولة ساكناً، وكل من يتابع هذا الملف اطلع على نشاطات شركة إنيرجين، وعرف أن الاستعدادات الصهيونية قائمة للبدء في التنقيب.

وسألت هايتيان ما الذي يدفع الوسيط الأميركي إلى تغيير موقفه اليوم؟ في حين أنه بمجرد تعديل المرسوم تغيّر الدولة اللبنانية أسس التفاوض وتدفع هوكشتاين إلى تقديم طرح جديد.

وعن توقيت الاعتداء الصهيوني على الثروة النفطية اللبنانية، قالت هايتيان إن الموضوع تقني ولا علاقة له بأي ظروف سياسية. السفينة تأخرت سنة واستغرق بناؤها في سنغافورة وقتاً بسبب ظروف كورونا وتوقف العمل.

تناقض المواقف اللبنانية وسوء إدارة الملف يقعان على عاتق الدولة اللبنانية. من هنا تستبعد هايتيان تفجير الأوضاع بسبب هذا الملف، فضلاً عن ضوء أخضر لبناني جاء على لسان رئيس الجمهورية في مقابلة له في فبراير 2020 أشار فيها إلى اعتماد لبنان الخط 23 للتفاوض. وفي المحصلة، يبدو أن الأمور تتجه إلى التوصل لتسوية لن تكون في مصلحة لبنان، وستحاول السلطة إظهار العكس بذريعة أنها منطلق لمباشرة الأنشطة النفطية.

الاستفزاز الصهيوني لم يقتصر على إرسال سفينة الحفر والاستخراج، بل بمواكبتها برسائل عسكرية لتوفير الحماية لها. وكان أبرزها في الساعات الماضية، حيث بدأ جيش الاحتلال عملية واسعة حول منصة الحفر والإنتاج، وكان سبقتها في الأيام الماضية مناورات في قبرص تحت عنوان محاكاة حرب شاملة متعددة الجبهات.

 

وأكدت وزارة الطاقة الصهيونية أنه تم الانتهاء من الحفر الفعلي قبل أشهر عدة، وأن عملية الاستخراج ستكون التالية، معتبرة أن وصول السفينة «إنيرجان باور» هو خطوة في هذا الاتجاه، ويتم العمل على ربط الحقل بها.

ظروف دولية ولبنانية أفادت الصهاينة

عوامل عدة استفاد منها العدو الصهيوني للقيام بخطوته الاستفزازية:

– أجواء دولية مؤاتية في ضوء تداعيات حرب أوكرانيا، ومقاطعة أوروبا للغاز الروسي وبحثها عن بديل.

– نشوء تحالف نفطي يجمع مصر وقبرص واليونان والأردن والكيان الصهيوني برعاية أميركية ـ أوروبية.

– توقف مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية في فيينا.

– الأزمة المالية المتفاقمة في لبنان، وحاجته الملحة إلى موارد، ولو أدى الأمر إلى تنازلات إضافية.