IMLebanon

ما وراء تأخير الدعوة للاستشارات النيابية

جاء في “اللواء”:

لا مناص أمام الرئيس ميشال عون، بوصفه رئيساً للجمهورية، سواء طال الوقت، أو لا، من أن يُبادر إلى توجيه الدعوات للاستشارات النيابية الملزمة، بهدف تسمية رئيس جديد للحكومة، يسعى إلى تأليفها، عملاً بالدستور، والأعراف والأداء السياسي المتعارف عليه.

وبصرف النظر عن اعتبارات انتخابات اللجان النيابية، وما آلت إليه من إعادة اصطفاف نيابي وسياسي معروف، وبصرف النظر عن مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في ما خص تبريد اللهجات المتصاعدة عدائياً بين لبنان وإسرائيل، على خلفية استقدام الاحتلال إلى حقل كاريش المتنازع عليه، حفارة لتحديد نقاط الغاز والنفط في هذا الحقل، تمهيداً لبدء عملية الاستخراج بالاتفاق مع شركات أجنبية بهدف تزويد السوق الأوروبي ببعضٍ من احتياجاته، بعد توقف تدفق الغاز الروسي، بعد الحرب التي أعلنها فلادمير بوتين الرئيس الروسي على اوكرانيا، البلد الأوروبي، الطامح إلى دور غير مرغوب فيه روسياً، ومطلوب من حلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية.

ومع أن الإجراءات ذات الصلة، تعتبر من قبيل دورة الروتين السياسي، في البلدان، الموصوفة باتباع النظام النيابي الديمقراطي، إلَّا ان الدعوة الحالية، محاطة بظروف سياسية، وأوضاع، بات معها تأليف الحكومة، إذا تألفت، محكوماً باعتبارات ذات تأثير على مستقبل التيار الوطني الحر، وحدود شراكته في القرار السياسي، الذي تمكن من انتزاعه في السنوات الماضية، بعد ما تمّ استبعاد الحريرية السياسية، ونادي رؤساء الحكومات السابقين، وحوَّل رئاسة مجلس الوزراء، بين تمثيل هزيل، أو فراغ طويل، لشريك منعدم التأثير أو الوزن على مستوى القرار داخل مجلس الوزراء..

بين نهاية هذا الشهر ونهاية تشرين الأول المقبل أربعة أشهر زمنية فاصلة بين نهاية مرحلة وبداية مرحلة، بصرف النظر أيضاً عن مدى الاستمرار أو الحضور بين ان يكون زعيم التيار الوطني الحر- الرئيس المؤسس عون في بعبدا، أو في الرابية. وفي كلا الحالتين، فإن أحد أبرز الحسابات لهذا النوع من الدعوة إلى الاستشارات الملزمة، هو من يكون في سدة رئاسة مجلس الوزراء، في السراي الكبير أو يحلّ مكان رئيس الجمهورية، في المرحلة الانتقالية، لجهة تولي صلاحيات الرئاسة الأولى.

يستشعر النائب، وهو يشغل حالياً، بمعزل على انه ذو صفة نيابية، جبران باسيل، الرئيس الثاني للتيار الوطني الحر، أنه يواجه تحديات ليست سهلة، في ما خصَّ الدور، الذي يمكن ان يضطلع به تياره، بعد 31 ت1، مع الأخذ بعين الاعتبار، ما بلغته الترتيبات الخاصة بالمكانة التي حظي بها «تكتل لبنان القوي» في نيابة رئيس المجلس، ومكتب المجلس، ولجنة المال والموازنة وعدد آخر من اللجان بين مقرر أو عضوية.

إلَّا ان الشراكة في السلطة الاجرائية، هي المعول عليه لدى باسيل، الذي يطمح إلى تسجيل نقاط في المواجهة، مع اجراء حساب دقيق في ان الممارسة على جبهة البرلمان محكومة جدياً بالهامش الذي يسمح به الرئيس نبيه برّي، وهو المتحرّر من أي تسليفات لتيار باسيل، الذي جاهر بالامتناع عن التصويت لبري لولاية سابعة في رئاسة البرلمان.

من هذه الزاوية بالذات، يسعى النائب الطامح إلى الرئاسة الأولى، بعد إدخال تعديلات عرفية على سلطة رئيس الجمهورية وصلاحياته، على مستوى المراسيم أو إعادة القوانين إلى المجلس، فضلاً عن دعوة المجلس الأعلى للدفاع، كلما اقتضت الحاجة، لقرار أو اجراء يخص السلطة التنفيذية أو الحكومة، يسعى إلى اصطياد المغانم، قبل الذهاب إلى جدول الاستماع إلى النواب يقترحون على الرئيس، الذي بيده القلم للمرة السادسة والاخيرة، اسم الرئيس العتيد لمجلس الوزراء.

يعرف باسيل ان أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في البقاء على رأس الحكومة، سواء بقوة الاستمرار أو بإعادة التكليف، ما تزال في الواجهة، فالرئيس الطرابلسي، الذي خرج، بقرار طوعي، من البرلمان، يستند إلى منظومة علاقات دولية واولوية وعربية وإقليمية، تتيح في المجال امامه إلى البقاء داخل الملعب الحكومي، والسياسي، بطبيعة الحال.. إضافة إلى أن اطرافاً في المنظومة البرلمانية القديمة والجديدة، ما تزال تتمسك بالرجل الوسطي، وتسعى إلى الشراكة معه، ربما إلى ما بعد 31 تشرين الأول.

يعرف ميقاتي بالخبرة أو المعلومات أو الحدس السياسي ان انتخابات الرئاسة الأولى، مقبلة على تأخير أكيد، ومن زاوية ان الفراغ آفة موت لبنان، فإن الأكيد انه ممنوع، وإن بدا ان حكومته المستقيلة، ولو على مستوى تصريف الأعمال يمكن لها ان تملأ الفراغ الرئاسي، وتتصرف بالسلطة، ولو على نطاق ضيّق، كما هو الحال بالنسبة لتصريف الأعمال طيلة فترة الاستقالة، على حدّ ما يرى وزير الداخلية السابق زياد بارود. (راجع مقابلته مع «اللواء» يوم الجمعة الماضي).

كرّر ميقاتي هذا الكلام، لأكثر من مرّة آخرها كان من الأردن.

إلى اللحظات الأخيرة، التي تسبق الدعوة إلى «الانتخاب الملزم» لرئيس مجلس الوزراء، الوضع ليس ودياً، أو على ما يرام بين ميقاتي وباسيل، وإن كان الثنائي الشيعي، أو «الوطني» (بتعبير الثنائيين) بصرف النظر عن تطابق الشيعية بالوطنية، يميل رئيس الحكومة المستقيلة للبقاء في السراي الكبير، (على قاعدة المجرّب وللي بتعرفه أحسن من الذي لا تعرفه).

بعيداً عن النيّات، والتوقعات، والامكانيات المتاحة، فإن معركة رئاسة الحكومة، هي واحدة من المعارك السياسية الكبرى التي تواجه الكتل النيابية، والجسم النيابي بقديمه وجديده: فهي من جهة معركة العهد المقبل، وهي من جهة ثانية، معركة التوازنات في السلطة بعد المتغيّرات النيابية. وهي من جهة ثالثة معركة المصير الوطني، بين انحدار إلى الانهيار، أو الحدّ منه، وسط أوضاع إقليمية، يغلب عليها حيناً تصعيد المواجهة مع محور إيران الامبراطوري، وحيناً  آخر الاستكانة إلى مفاوضات فيينا.

وفي مطلق الأحوال، فالوضع الداخلي المرتبط بموعد مع الازدهار السياحي، مرتبط بمواعيد أخرى قاتمة، ليس أقلها تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.. في المتوسط.