IMLebanon

حفلة شاي أميركية على شواطئ المياه اللبنانية

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

ما يحصل في لبنان اليوم على خلفية ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية، يشبه حراك العام 2009 لحزب الشاي في الولايات المتحدة الأميركية الذي اتهم في حينه أنه مدعوم من شركات النفط، مع فارق أن الأميركيين يومها كانوا قد خرجوا من أزمة 2008، ويبحثون عن مقاربات جديدة تضمن تحررهم من سطوة الإدارة وتؤمن لهم ضمانا صحيا ومعيشيا، بينما يعاني اللبنانيون اليوم من جحيم معيشي ليس له مثيل، بينما البلاد قد تكون عائمة على مستنقع نفط وغاز يفك «مشانق» الجوع والعوز.

في 24/8/2010 صدر قانون النفط رقم 132 وهو يعالج كل جوانب استثمار الثروات الواعدة. وفي العام 2011 خرج المرسوم 6433 الذي يحدد المساحة الاقتصادية البحرية للبنان، وتم تكليف رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضع إطار خطة تفاهم مع الوسيط الأميركي، على أن تبقى بعض مناطق النزاع مع العدو الإسرائيلي، وفي الشمال قيد التفاوض، وفقا للأصول المعتمدة في القانون الدولي، ولاسيما قانون أعالي البحار الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1982.

في زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في فبراير الماضي حصل نوع من التفاهم بين الرؤساء الثلاثة على توزيع مغانم البحر الغازية على الحدود، يقضي باستفادة لبنان من كامل حقل قانا الواعد، ويستفيد العدو من حقل كاريش الى الجنوب.

لكن بعض دوائر الحكم أفشلت إعلان الاتفاق، لأنها رهنت موافقة الرئيس ميشال عون عليه برفع العقوبات الأميركية عن صهر الرئيس النائب جبران باسيل، كما أعلن عن ذلك جهارا نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الذي كان ينتمي الى الفريق السياسي ذاته.

استقدام إسرائيل لمنصة سحب وتخزين الغاز «باور أنرجين» الى جنوب حقل كاريش، أثار جدالا سياسيا كبيرا في لبنان، وترافق مع هذا الجدال بث معلومات تحمل خلفيات تعطيلية واضحة، لأن العميد بسام ياسين رئيس الوفد اللبناني الذي فاوض العدو الإسرائيلي برعاية أميركية في الناقورة، غير آراءه، وعاد للحديث عن الخط 29 كحدود بحرية، بينما كان هذا الخط ورقة تفاوضية في السابق، والخط كان قد رسمته شركة بريطانية مستندة الى منطق الانطلاق من زاوية مستقيمة من آخر نقطة صخرية في الناقورة، لكن تعرجات الخط ليس فيها تأكيدات دامغة، وبالتالي قد لا يربح لبنان إذا ما أحيل الملف للتحكيم الدولي.

والتجارب الدولية في هذا السياق، تعطي أهمية للثروات الباطنية، وليس للمساحة، لأن ملكية المياه الاقتصادية ليست كالمياه الإقليمية المحددة بـ 6 أميال، بل إنها بحار دولية مفتوحة لعبور جميع السفن.

تأخرت الدولة اللبنانية عن تقصير أو عن قصد، أو ربما بسبب ارتباط مع جهات خارجية في تلزيم الحفر في البلوكات اللبنانية لأكثر من عشر سنوات، لاسيما في البلوكات الواعدة رقم 1 و2 و8 و9 و10، والدولة أصرت لأسباب سياسية على أن يبدأ الحفر في البلوك رقم 4 مقابل قضاء البترون في فبراير 2020، ولم نعرف بعد النتائج الموضوعية الموثوقة عن هذه الحفريات. بينما إسرائيل ومصر وقبرص حضروا ملفاتهم وبدأوا بالاستثمار من مخزونهم خلال هذه الفترة.

حفلة شاي سلطوية وتغييرية تقام على شواطئ لبنان الجنوبية، وتطلق فيها كل أنواع المقايضات والمزايدات، بينما المطلوب البدء الفوري بتلزيم الحفر والشروع في استخراج الثروات، وإبقاء التفاوض على نقاط الخلاف العالقة، فحاجة اللبنانيين للإنقاذ المالي لا تقبل أي تأجيل، والظروف الدولية المحيطة لا تسمح بالحروب حاليا، وهي إشارة انطلقت خصوصا من تصريح السيد حسن نصر الله الذي أبدى الاستعداد للتصدي للعمليات الإسرائيلية، ولكنه ألقى بالمسؤولية على الدولة في اتخاذ قرار تحديد ما اذا كان عمل باور انيرجين معاديا أم لا، وكلامه يحمل الكثير من التفسيرات، لأنه اعتاد في السابق أن يتخذ قرار المواجهة من دون العودة للدولة.

ثمة قطبة مخفية، ولكن ثمة فرصة للبنانيين للاستفادة وبدء الاستثمار.