IMLebanon

المسارُ الحكومي في لبنان أمام الخميس… الغامض

 

شهدتْ بيروت قبل أربعة أيامٍ من موعد تكليف شخصية لتأليف الحكومة الجديدة مجموعة إشاراتٍ إلى أن هذا الاستحقاق سيُخاض بالتوازي، بحساباتٍ «محلية» صغيرة وإقليمية كبرى ترتبط بدورٍ ثلاثي البُعد للحكومة العتيدة، وهي الحسابات التي تشكل في الوقت نفسه المحفّزَ لتشكيلها ضمن هامش زمني يسمح لها بأن توفّر «بوليصة تأمين» لمرحلة بالغة القتامة تطلّ برأسها على لبنان، والمُعَرْقِل لهذه الولادة بما يضع البلاد في فم فوضى دستورية ستُفاقِم الأزمات السياسية والمالية والمعيشية وتودي بالوطن الصغير إلى… حتفه.

وفي حين تحاول القوى المعارِضة لائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفاؤهما التفاهم الصعب على اسمٍ لتسميته في الاستشارات النيابية المُلْزمة التي يُجريها رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الخميس المقبل وذلك بما يجعلها تعاود تفعيل ولو «توازنٍ سلبي» في الواقع السياسي عبر إيصال شخصية وإن بالأكثرية النسبية، فإن 3 مسائل برزت في الأيام الأخيرة وعكست أن «حزب الله» لن يسمح بترْك هذا الملف يفلت من بين يديه تحت وطأة اختلاف الحسابات والأولويات لكل من حلفائه، وأنه سيسعى لإدارة استشارات التكليف بما يمنع أي «اختراقٍ» للتوازنات التي أرساها و«أَطْبَق» معها على مفاصل السلطة.

 

• إعلان نائب «حزب الله» حسن فضل الله أمس «اننا مع أن يكون هناك أوسع تفاهم بين الكتل النيابية على الحكومة المقبلة، إذ من الصعب أن تنجح أي حكومة أحادية ومن طرف واحد أو حكومة أكثرية بمعزل مع مَن هي الأكثرية»، مؤكداً «أننا مع الإسراع في تشكيل حكومة جديدة قبل أن تنتهي ولاية رئيس الجمهورية، لأن البلد يحتاج إلى حكومة مكتملة الصلاحيات، ويجب ألا يتعاطى أي أحد على قاعدة أن هناك مهلة قصيرة وأن تبقى حكومة تصريف الأعمال حتى الانتخابات الرئاسية»، ومنتقداً «حركة السفراء» خصوصاً السفيرة الأميركية دوروثي شيا في «مسار التكليف والتشكيل في محاولةٍ لفرض الإملاءات، في استحقاق وطني لبناني، وهي تحرض ضد فئة من اللبنانيين وضد المقاومة».

واعتبرت أوساط واسعة الاطلاع أن التصويب على «حركة السفراء» بدا على طريقة «جرس الإنذار» بأن «حزب الله» يقارب الملف الحكومي برمّته بوصفه «خط دفاع» عن مجمل وضعيته في الواقع اللبناني والتي تمنحه أريحيةً في أدواره الإقليمية، ولاسيما في محطة مفصلية في المنطقة التي «تنام على شيء لتصحو على آخَر».

وفي هذا الإطار، ترى الأوساط أن الحزب سيكرّر تجربة «حياكة» أكثرية و«على الورقة والقلم» لضمان عدم ترْك بابٍ لـ«نفاذ» خصومه لإيصال رئيس مكلف من «خارج السياق»، وهو سيرصد بدقة تموْضع قوى المعارضة، التي لم تستطع حتى اليوم «ممارسة أكثريتها المفترضة»، وهل ستنجح بالاصطفاف وراء اسم واحد وبكم صوت، وذلك لـ «يهنْدس» مساراً مضاداً يؤمّن فوزاً ولو بالأكثرية النسبية لمَن يختاره الحزب وغالبية حلفائه.

ومن هنا، وفي حين لا شيء يشي بإمكان تبديل «التيار الوطني الحر» موقفه في ما خص رفض تسمية الرئيس نجيب ميقاتي ليعود ويكمل ما بدأه على رأس حكومته الحالية التي انتقلت الى تصريف الأعمال بعد انتخابات 15 مايو النيابية، فإن أجواء تشير إلى أن خيار ميقاتي يبقى الأفضل بالنسبة إلى قوى الموالاة ليس لأنه يعبّر عن توجهاتهم السياسية، بل لأنه الأكثر قابلية لتأمين توافق حوله، كما أنه يشكّل في المقبولية الخارجية له عنواناً لتَفادي تكرار تجربة حكومة اللون الواحد الفاقعة التي ستكون هذه المرة بمثابة إطلاق رصاصة «في رأس البلد» الذي يصارع الارتطام المميت، وتالياً انهياره الكبير بين يدي الحزب.

• المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي اكتمل يوم الخميس الماضي نصاب أحكامها بحق المدانين من «حزب الله» باغتيال الرئيس رفيق الحريري بلفظ عقوبة المؤبّد 5 مرات على كل من حسن مرعي وحسين عنيسي، بعد حكم مماثل قبل نحو 18 شهراً بحق المدان الرئيسي سليم عياش.

وجاءت المواقف الأممية والدولية، عقب النطق بالحكُم لتعكس أنه ستكون له «تتمات» ديبلوماسية وسياسية، وسط قراءة لهذه المواقف على أنها «إشارة مبكّرة» برسْم أي تأليف لحكومة تعمّق تمكين نفوذ «حزب الله»، وهي الإشارة التي لابد أنها باتت في حسابات الحزب رغم تعاطيه مع المحكمة منذ انطلاق أعمالها ثم بدء المحاكمات وكأنها «لم تكن».

وبعد الموقف الأميركي الذي اعتبر أن الحُكْم على عنيسي ومرعي «يمثل علامة بارزة طال انتظارها في السعي لتحقيق العدالة لشعب لبنان»، ودعوة الخارجية السعودية «المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته تجاه لبنان وشعبه الذي يعاني الممارسات الإرهابية العبثية للميليشيا المدعومة من إيران، والعمل على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وتتبع الجناة الذين ساهموا عمداً في إزهاق أرواح الأبرياء ما تسبب بفوضى غير مسبوقة في هذا البلد، والقبض عليهم إحقاقاً للعدالة»، طالب الاتحاد الأوروبي بدوره بتنفيذ قرارات المحكمة الدولية.

وإذا كانت هذه المواقف قيست في بيروت بالميزان السياسي كما القضائي، فإن تطورين اعتُبراً مؤشراً إلى أن ملف المحكمة سيطبع المرحلة المقبلة في لبنان، أوّلهما مطالبة المدعي العام للمحكمة نورمان فاريل بالقبض على المدانين ودعوته «الذين يحمون المتهمين الثلاثة من العدالة إلى تسليمهم للمحكمة، والمجتمع الدولي إلى اتخاذ أي خطوات متاحة للمساعدة في اعتقالهم».

والتطور الثاني دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى احترام حكم المحكمة الخاصة بلبنان وذلك بعدما أحيط علماً به، وسط تذكير البيان الذي صدر عن نائب المتحدث باسمه فرحان حق بأنه «لا يزال مرعي وعنيسي طليقين».

ومعلوم أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنشئت العام 2007 بموجب القرار 1757 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، وهو ما يجعل تطبيق قراراتها مفتوحاً، وفق الأوساط المطلعة، على مسارات إلزامية للدولة اللبنانية يصعب التكهن بمداها، ولكنها بلا شكّ تُدْخِل الواقع اللبناني من خلال هذا الملف تحت «المعاينة الأممية» وربما أكثر.

• أما المسألة الثالثة التي تجعل «حزب الله» يُلاقي الاستحقاق الحكومي، بدءاً من خميس التكليف، وفق أولويات كبرى تتجاوز حسابات حليفه «التيار الحر» الذي يحصر مقاربته بكون الحكومة «منصة» للانتخابات الرئاسية (31 أكتوبر كحد أقصى) و«وراثة» صلاحيات الرئاسة الأولى بعد الشغور المرجّح عقب انتهاء ولاية عون وتعزيز موقع رئيس التيار جبران باسيل في السباق الرئاسي، فتتمثل في أن ثمة حاجة لضبط هذا الملف، وبمعزل عما إذا كان التكليف سيُفضي إلى تأليف أم لا، وفق مقتضيات تتيح إبقاء «تتماته» تحت سقف حكومةٍ بتوازناتٍ تحفظ القدرة على التحكم بمآل قضية الترسيم البحري مع اسرائيل، رغم عدم التفاؤل باختراق وشيك ستفضي إليه المهمة المتجددة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي سيعود بعد أيام بجواب تل أبيب على المقترح الذي قدّمه لبنان حول منطقة النزاع البحري ومرتكزات إيجاد حلّ لها.

في موازاة ذلك، يَمْضي اللبنانيون في يومياتهم الزاخرة بالأزمات القديمة – الجديدة، وليس آخرها مشهد طوابير البنزين التي عادت فجأة، وسط «فزعة» من إمكان رفع الدعم الكامل عن هذه المادة عبر تحرير سعرها من «منصة صيرفة» ليصبح وفق سعر دولار السوق، علماً أن لبنان هو من بين أغلى الدول العربية في سعر الليتر وقد يكون الأغلى في العالم لجهة تكلفة الصفيحة قياساً للحد الأدنى للأجور.

وإذا كانت التسريباتُ عن خطة طوارئ لوزارة الطاقة تقترح استبدالَ دولاراتِ البنزين من «صيرفة» لتمويل شراء الفيول عبرها لزيادة ساعات التغذية هي التي غذّت الاشاعات وأحيت طوابير الذل، فإن أزمة فقدان الطحين المدعوم لم يهدئها تبادُل الاتهامات بين المعنيين حول سببها، وتحديداً بين اتحاد نقابات الأفران ووزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام الذي يؤكد أنه «دخل لبنان قمح يكفي حاجة البلد لأكثر من شهر والاعتمادات مازالت مفتوحة»، معتبراً «ان وضع تجار ومفتعلي الأزمات خلف القضبان هو الحل الوحيد. سرقة المال العام وضرب الأمن الغذائي وسرقة خبز الناس يشكل زعزعة للأمن القومي».

وترافق ذلك مع تأكيد تجمع موزعي مادة الطحين في الجنوب «اننا دخلنا أسبوعنا الثالث ونحن متوقفون عن العمل بسبب توقف المطاحن التي نتعامل معها عن تزويدنا بالطحين، لعدم وجود القمح مرفوع الدعم»، لافتا الى أن «الطحين الموجود في السوق مقسوم الى قسمين: قسم مدعوم مخصص للخبز العربي يباع في السوق السوداء وتم تهريبه من بعض المطاحن والأفران، وقسم آخر فاسد جرى تخزينه منذ أكثر من خمسة أشهر».
https://www.alraimedia.com/article/1594955/خارجيات/المسار-الحكومي-في-لبنان-أمام-الخميس-الغامض