IMLebanon

الأبيض: لن نُغلق البلد إكراماً لمن امتنعوا عن تلقّي اللقاح

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:

ليس فقط في لبنان، بل خلف البحار أيضاً. هي أعداد الإصابات بفيروس كورونا تعاود ارتفاعها بشكل ملحوظ في غير دولة مؤخّراً، طارحة أسئلة حول إمكانية حدوث موجة وبائية جديدة. منظمة الصحة العالمية لحظت، بدورها، في تقريرها الصادر في الحادي عشر من الشهر الحالي هذا الارتفاع. BA.4 وBA.5 هما أحدث ما أنجبه الفيروس من متحوّرات، وكلام المدير العام للمنظمة جاء ليؤكّد منذ أيام أن «الوباء لم ينتهِ، وسنواصل إطلاق تحذيراتنا إلى أن ينتهي فعلاً». نحن هنا انتقلنا من أقل من 40 إصابة يومية الشهر الماضي إلى حوالى 500 في الأيام الأخيرة. المنطق يفرض علينا أخذ التحذيرات على محمل الجد.

آمال كبيرة معقودة على صيف لبنان السياحي. لكن أي انتعاش وبائي، إن صحّ القول وفي حال حدوثه، سيضع لبنان مجدداً أمام تحدّ كبير. فالمستشفيات لم تعد قادرة على تحمّل المزيد من الضغوطات والأعباء في ظل نقص حادّ في كوادرها وشحّ في الموارد وانهيار العملة. أغلب الآراء المتخصّصة تُجمع على أن أسوأ أيام الفيروس أصبحت خلفنا. لكن هل ما زال يخبّئ لنا شيئاً ما في جعبته؟ وهل، تلافياً للمحظور، نصل إلى نقطة يكون فيها الحديث عن إعادة فرض القيود، كارتداء قناع الوجه والحدّ من التجمّعات وإجراء فحوصات الـPCR وإلزامية تلقّي جرعات تعزيزية من اللقاح، مشروعاً؟ أسئلة كثيرة عادت لتفرض نفسها بقوّة خلال الأيام الأخيرة نشارك بطرحها على أصحاب الاختصاص.

“كورونا”… من وباء إلى طفرة سنوية

BA.4 وBA.5 هما المتحوّران الجديدان اللذان يسيطران على المشهد عالمياً. عن تفسيرات ذلك وأسباب ظهورهما، يقول رئيس اللجنة التنفيذية للقاح كورونا وطبيب الأمراض المعدية، الدكتور عيد عازار، لـ»نداء الوطن» إن فيروس كورونا لم ينتهِ أصلاً كي يبدأ من جديد، كما أنه لن ينتهي قريباً، لأن انتشار الفيروس يعتمد عادة وبشكل أساسي على قدرته على العدوى أو إحداث مرضٍ متقدِّم. بالنسبة لعازار، السؤال الأبرز الذي يجب طرحه يتمحور حول ما إذا كان كورونا تحوّل من وباء إلى طفرة سنوية غير موسمية شبيهة بالإنفلونزا سنشهدها في أشهر مختلفة من السنة، على عكس الأخيرة التي تظهر بين شهري تشرين الأول وشباط من كل عام.

المتحوّران الجديدان هما «الأوميكرون مرفقاً بمتغيّرات طفيفة، حيث نتكلم عما يُسمّى Drift، أي تغيّر جزئي في الحمض النووي للفيروس، وليس عن Shift، ما يعني تغيّراً جذرياً في الحمض النووي»، يشرح عازار. بيولوجياً، تقوم هذه التعديلات الحمضية بإحداث تغيير في ديناميكية الفيروس، مع التأكيد على أن السبب في ارتفاع أعداد الإصابات حول العالم كما في لبنان ليس فقط ظهور متحوّر جديد أو أكثر وإنما تدنّي المناعة الجماعية وضعف الجدار المناعي. نعود إلى أرقام منظمة الصحة العالمية التي تدلّ على تراجع ملحوظ في نسبة الملقّحين التي لم تتخطَّ 40% في 68 دولة حول العالم رغم توفّر اللقاحات. فما فائدة اللقاح إذاً؟ سبق واتّفق المختصون على أن الأخير لا يحمي من الإصابة وإنما من المرض المتقدّم وقد بدت فاعليته الأساسية عند كبار السنّ بشكل خاص. من ناحية أخرى، لا تأثير لارتفاع درجات الحرارة أو لأي عامل مناخي آخر على مستوى تفشّي الفيروس، كما يشاع من قِبَل البعض، بحسب عازار. فالتفاوت في أعداد الإصابات سيستمرّ على ما هو عليه إلى أن يتحوّل كورونا إلى فيروس «أليف» لا يتسبّب بقتل حامله.

ديناميكية فيروسية جديدة على الأبواب؟

هو احتمال ضئيل، لكن فرضية ظهور متحوّر جديد يعادل أو يفوق بشراسته متحوّر دلتا هي دوماً قائمة. ففي عالم الفيروسات، كما يقول الخبراء، كل شيء ممكن. أما عن القيود، وإمكانية إعادة فرضها من جديد، يلفت عازار: «وقت يلّي كان لازم نتشدّد ما تشدّدنا… فبما أن العالم بمعظمه اتّجه نحو التساهل في تطبيق الإجراءات، ليس الوقت مناسباً للتشدّد».

ماذا عن احتمال إعلان حالة طوارئ صحية في لبنان؟ يجيب عازار أنه أمر متوقَّع دوماً لكن ليس على المدى المنظور، إذ من السابق لأوانه معرفة ما سيستجدّ بعد أسبوعين أو أكثر. التخوّف الأكبر هو أن لجنة كورونا لم تعد موجودة داخل السراي الحكومي كما أنه لم يُعمل على تحويلها إلى مؤسسة هدفها المتابعة وتشكيل فريق متخصص لمواجهة أي وباء يمكن أن يهدد البلد. فالاتّكال، على ما يبدو، هو على وزارة الصحة وحسب. ثم يجب ألّا نسقط الأزمة المالية من الحسبان، فهي الأخرى عقبة لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار: «في الموجة السابقة، كان سعر صرف الدولار يقارب خمسة آلاف ليرة، أما اليوم فتكلفة علاج المريض ستتخطى مبلغ 300 مليون ليرة… ما العمل إذاً في حال اضطُررنا لإدخال مئات المرضى إلى المستشفيات؟»، يعقّب عازار متسائلاً. الطوابق المخصّصة في المستشفيات ما زالت موجودة والتجهيزات مؤمنة، لكن ما هو موضع شكّ هو قدرة المواطن على دخولها. الإرشاد الأنجع يبقى لكبار السن، لا سيّما مَن يعانون مِن مشاكل صحية أو مضى على تلقّيهم اللقاح أكثر من 6 أشهر، في أن يتوجّهوا بأسرع وقت ممكن للحصول على جرعة جديدة منه. «الوضع ما زال غير واضح المعالم لكنه ينذر بوجود ديناميكية فيروسية جديدة على الأبواب»، يختم عازار محذّراً.

لا للقلق… نعم للتنبّه

لا يختلف تقييم رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا، النائب الدكتور عبد الرحمن البزري، للتطوّرات. فقد أشار في حديث لـ»نداء الوطن» أن ما شهدناه مؤخّراً من انخفاض شديد في أعداد الإصابات لا يعني أن الجائحة قد انتهت. وقد عزا أسباب ارتفاع الأعداد مجدداً إلى عوامل ثلاثة: أولها، تخلّي المواطن عن كافة البروتوكولات والإجراءات المعتمدة من أجل الحماية الشخصية أو العامة؛ ثانيها، انطلاق الموسم السياحي وما ينتج عنه من احتكاك وتجمّعات في المطاعم والملاهي وكافة الأماكن العامة؛ وثالثها، الارتفاع العالمي في عدّاد الإصابات الناتج عن ظهور تحوّر جزئي داخل أوميكرون نشأ عنه متحوّرا BA.4 وBA.5 اللذان من المحتمل أن يكونا قد دخلا الأراضي اللبنانية رغم عدم رصدهما بشكل مؤكّد.

من الصعب التنبّؤ بموعد انتهاء الطفرات بشكل جذري، على حدّ تعبير البزري، لكن «من الواضح أن فيروس كورونا طفيلي وقد وجد في الإنسان مضيفاً جيّداً له، لذا نراه يبذل ما بوسعه للبقاء في السلسلة البشرية. ولتحقيق هدفه هذا، يقوم بإدخال بعض التعديلات على نفسه، من طفرات ومتحوّرات، كي يستمرّ في مهاجمة الإنسان لكن بإصابات أقل شدّة».

الالتزام بالقيود ربطه البزري بقدرة الدولة على تطبيقها وهو أمر شبه مستحيل بعد انهيار المؤسسات كما الجهات الموكلة تنفيذ التوصيات. وهو أيضاً توجّه إلى اللبنانيين بضرورة تلقّي اللقاح خاصة أنه متوفّر بكثرة في لبنان، وذلك في محاولة لإكمال السلسلة اللقاحية من خلال عرض الجرعتين الثالثة والرابعة على المواطنين.

لا خطط استباقية حتى الساعة، إذ تقتصر المناشدة على دعوة المواطن لتحمّل مسؤولياته لا سيما وأن القطاع الصحي والاستشفائي في خطر شديد، هذا إضافة إلى الإصرار على المحافظة على الموسم السياحي لما له من دور فاعل في إنعاش العجلة الاقتصادية. لكن أين هي اللجنة اليوم؟ يجيب البزري: «اللجنة ذات طابع استشاري تقوم بإعطاء التوصيات ويبقى على الوزارات وإداراتها كما لجانها الاهتمام بالتنفيذ. توصياتنا ما زالت قائمة ونعمل على متابعة التطوّرات العلمية وميزة كل توصية وتعديلاتها كما أننا على تنسيق دائم مع وزارة الصحة». معظم الحالات تقتصر حتى الآن على إصابات خفيفة تتشابه في أعراضها مع الرشح العادي: ألم في البلعوم وفقدان حاستي الشم والذوق. وذلك يعود إلى كون الفيروس بمتحوّراته الجديدة يتمركز في الجهاز التنفّسي العلوي دون أن يصيب الرئتين والجهاز التنفّسي السفلي. مع التأكيد على أن الوضع مستقرّ بشكل عام، يعتبر البزري في نهاية حديثه أن «المتحوّرين أقل شدّة وأكثر اعتدالاً لكن هذا لا يعني التوقف عن المتابعة والترصّد لأن احتمال الإصابات الشديدة يبقى قائماً بطبيعة الحال… لا داعي للخوف والقلق لكن ثمة حاجة ماسة للتنبّه».

قرار واضح ومسؤولية مضاعفة

ما يشهده لبنان وأجزاء مختلفة من العالم هو نتيجة طفرة جديدة من الفيروس تتجدد كل ستة أشهر، وفق وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور فراس الأبيض. ففي حديث لـ»نداء الوطن»، اشار إلى أن الرسوم البيانية تؤكّد على ذلك مع فارق جوهري بما يتعلّق بانخفاض أرقام الإصابات مقارنة مع الطفرات السابقة، مثل ألفا ودلتا خصوصاً تلك التي تستدعي دخول المستشفى. سبب ذلك مردّه إلى اللقاح الذي «غيّر مفاهيم اللعبة لكنه ليس كافياً، إذ إن المسؤولية التي تقع على المصابين في عزل أنفسهم حماية للآخرين، هي أيضاً أحد العوامل المساعدة».

«لن نغلق البلد إكراماً لمن امتنعوا عن تلقّي اللقاح»، بهذه الكلمات حسم الأبيض الموقف حيث أن لا اتجاه إلى الإغلاق العام. فهل يكون البديل، والحال كذلك، التشدّد في تلقّي اللقاح؟ «عدم التشدّد لا يعني التساهل. نحن نقوم بدورنا كوزارة، لذا فتحنا المجال لمن يرغب الحصول على الجرعة الرابعة، كما سهّلنا عملية التلقيح بعد إلغاء إجراءات التسجيل على المنصة، لكن لا يمكننا في المقابل إجبار المواطن على القيام بما لا يريد. قرارنا واضح… اللقاح ليس إلزامياً في لبنان».

نسأل عن أسباب تدنّي نسبة الإقبال على اللقاح، فيعزوها الأبيض إلى تردّد بعض المجموعات لما قد ينتج عن ذلك من آثار سلبية، إضافة إلى عدم ثقة الكثيرين بالنتائج بعد تعرّضهم للإصابة مجدداً. أما عن دور الوزارة في التصدي للطفرة الحالية، نوّه الأبيض بالاستمرار في عمليات الترصّد الوبائي والقيام بكافة الفحوصات كما الإعلان عن أعداد الإصابات والوفيات بشفافية، إضافة إلى متابعة الأرقام العالمية بهدف وضع الخطط المستقبلية والإجراءات المناسبة. وأضاف: «علينا دراسة القرارات بشكل مُحكم آخذين بعين الاعتبار الموسم السياحي الذي ينتظر لبنان، إذ لا نيّة لدينا بالتأثير عليه».

نصيحة ختامية من وزير الصحة للبنانيين، ألا وهي دراسة نسبة الخطر الشخصي على كل مواطن على حدة، وتحديداً كبار السن والفئات الأكثر عرضة كمن يعانون من أمراض مزمنة وغيرها. هذا ناهيك بمواصلة الالتزام بالإجراءات الاحترازية الشخصية والحذر من الاختلاط في الأماكن المغلقة والمكتظّة. وهو بالطبع ما لا جدال حوله، كما علّمتنا قسوة تجربة السنوات الثلاث الماضية. تجربة نأمل ألّا تتكرّر بأي شكل من الأشكال.