IMLebanon

عروبة لبنان على المحك!

كتب رامي الرّيس في “نداء الوطن”:

غالباً ما يربط عدد من المحللين (وما أكثرهم في بلادنا يملأون الشاشات دون كلل أو ملل) تدهور العلاقات اللبنانيّة- العربيّة بالانعكاسات الاقتصاديّة السلبيّة على الإقتصاد الوطني الضعيف والمنهار، ويشرحون تفصيليّاً المصاعب الجمّة للنهوض دون دعم عربي كما كان يحصل في الحقبات السابقة.

لا يمكن إنكار أهميّة الإلتفاف العربي حول لبنان لإنجاح أي خطة نهوض إقتصادي تبدو الحاجة ملحة لإطلاقها أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن بطبيعة الحال إلا التقدير عالياً للاحتضان العربي لمئات الآلاف من اللبنانيين الذين يكدون ويعملون في الدول العربيّة، لا سيّما الخليجيّة منها، وقد أصبحوا جزءاً فاعلاً من نسيجها الإجتماعي.

لقد وقف العرب إلى جانب لبنان في أقسى المحن، بعد الإعتداءات الإسرائيليّة المتكررة، وعند كل منعطف مالي أو نقدي أو إقتصادي. الكويت، مثلاً، ساهمت في بناء معظم المستشفيات الحكوميّة المنتشرة على مختلف الأراضي اللبنانيّة، والسعوديّة لم تقصّر يوماً في دعم العملة الوطنيّة وفي المشاركة الفاعلة في مؤتمرات باريس 1 و 2 و3 ولاحقاً مؤتمر «سيدر»، ولو لم يُنفّذ من مقرراته أي بند بسبب المناكفات المحليّة في إفشال الخطط الإصلاحيّة المنتظرة. الإمارات العربيّة المتحدة دعمت لبنان أيضاً في مجالات عديدة، والأمر ينطبق على دول عربيّة أخرى.

حتى إتفاق الطائف الذي يُرجم من كارهيه ورافضيه كان برعاية عربيّة، وسعوديّة تحديداً، وهو الذي أسكت المدفع بعد نحو 15 سنة من الاقتتال الداخلي الدامي. وهو لا يزال الإتفاق الناظم للحياة السياسيّة ولو أنه تعرّض ويتعرّض لتشوهات كبرى في التطبيق نتيجة سياسات محور الممانعة وأزلامه المحليين.

ولكن، ثمّة جانب أكثر أهميّة في مسألة العلاقات اللبنانيّة-العربيّة غالباً ما يتم إغفاله من قبل كبار «المنظّرين» الاستراتيجيين، وهو يتصل بمدى تضرّر لبنان سياسيّاً (إضافة إلى الجانب الإقتصادي) من تدهور علاقاته العربيّة. لقد كان لبنان عضواً مؤسساً في جامعة الدول العربيّة سنة 1945، وموقعه الطبيعي يكمن في هذا الاطار العربي.

بمعنى آخر، عندما يكون لبنان منضوياً في الإطار العربي العام، فهو لا يكون في إطار محور معيّن، بل يكون في موقعه الطبيعي. ولكن، عندما يدور في فلك المحاور الأخرى المعادية للمحور العربي، فهو عندئذٍ يكون خارج موقعه الطبيعي!

إن الممارسات التي يقودها محور الممانعة الهادفة إلى سلخ لبنان عن محيطه العربي لا بد أن تواجه بمزيد من العمل الحثيث لمنع هذا الانسحاق التام. إذا كان لبنان بعيداً عن حاضنته العربيّة، فهذا يعني ملء الفراغ بحاضنة أخرى. الحاضنة الأخرى الحاضرة حالياً هويتها غير عربيّة وتتناقض تاريخيّاً مع المسار العربي.

صحيحٌ أن الواقع العربي العام يشوبه الكثير من الإشكاليّات السياسيّة والانقسامات العموديّة، وأن ما يُسمّى مسارات العمل العربي المشترك لم تحقق قفزات نوعيّة لا في السياسة ولا في الإقتصاد ولا في النقد. التجربة الأوروبيّة المشتركة إنطلقت بعد إنشاء الجامعة العربيّة بنحو عشر سنوات وقد وصلت إلى ما وصلت إليه.

وصحيحٌ أيضاً أن فشل المشروع القومي العربي وإنكساره أمام العديد من المسارات الأخرى يجعل إعادة تقويمه وفق معطيات الزمن الجديد مسألة ضروريّة لا تحتمل التأجيل؛ ولكن في ما يخص لبنان، في واقعه ومرتجاه، فإن إبتعاده وسلخه عن محيطه العربي أكبر من قدرته على الإحتمال.

ليس المطلوب إرتهان لبنان لأي جهة خارجيّة، حتى ولو كانت عربيّة، بل المطلوب أن تنتظم الفكرة اللبنانيّة مجدداً في إطار التحديد الدقيق للعلاقات الخارجيّة وفق مقتضيات المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة العليا دون أي إعتبارات أخرى، وإلا فعلى لبنان السلام.