IMLebanon

أخطر ما قاله نصرالله

كتب أمين عيسى في “الجمهورية”:

الأولى ربطه النزاع اللبناني الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحريّة بالصراع الإقليمي لا بل العالمي الحالي، مهدّداً في حال لم يحصل لبنان على حقوقه بحرب إقليميّة، وأبعد منها بالمواجهة مع داعم إسرائيل الأوّل أي الولايات المتحدة. يُعتبر هذا الأمر دليلًا على ضعف لبنان الذي انخرط أفرقاؤه في صراعات لا علاقة لبلدنا بها، باحثين عن عرّاب لأهدافهم السلطويّة الداخليّة.

أنْ يدافع لبنان عن حقوقه وبكل الوسائل المتاحة هو أمر بديهي. لكن، وهنا نصل إلى النقطة الثانية، أي ازدواجية السلطة في لبنان بين الدولة و»حزب الله»، ولا سيّما لجهة حيازة السلاح واستعماله.

فكلّ المبرّرات لهذه الازدواجية سقطت منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان الذي كان يتحكّم بالقرار السياسي، وهو ما أكّده نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم.

أكتفي بهذا القدر عن هاتين النقطتين اللتين طاف الحديث فيهما. أما المسألة الثالثة فهي برأيي أكثر خطورة لأنّها توصّف حقيقة «حزب الله» وقناعته وهي لسان حال شركائه في السلطة. يقول السيّد نصرالله إنّ لا خلاص للبنان إلا باستخراج النفط والغاز، وهذا التصريح إن دلّ على شيء فهو على ضعف لبنان السياسي في تكوين السلطة وممارستها. لم يتناول السيّد ضرورة الإصلاحات الداخليّة للخروج من فساد السلطة الطائفيّة القائم على نظامها التحاصصي والزبائني ونهب المال العام وتقييد القضاء وأجهزة الرقابة. إنّ مليارات البترول والغاز ولو أفضت، على المدى القصير، إلى إنعاش الاقتصاد وسدّ جزء من الدين وتغطية خسائر المودعين، لن يدوم مفعولها وسيعود الانهيار عاجلاً أم آجلاً في ظل هكذا نظام يكرّس ضعف لبنان.

قال سيّد الشهداء الإمام الحسين قبل استشهاده «خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي» من فساد دولة معاوية. ولم يكن يبحث عن سلطة وهو المتأكد أنّه كان سيُهزم عسكريًا. أما «حزب الله»، وهو في الطليعة لأنّه الأقوى بين شركائه من أحزاب الطوائف، فلا يريد ولا هم يريدون الإصلاح إنّما فقط السلطة. ومليارات النفط والغاز هي الوسيلة لترميم سلطتهم التي اهتزّت.

ويقول السيّد نصرالله إنّ محور المقاومة أصبح أقوى من السابق وإنّ نجم الولايات المتحدة يخفت.

قال ذلك في وقت تُعلن الولايات المتحدة عن أوّل صور التقطها «تليسكوب» جايمس ويب، الذي قرّب المسافات مليارات السنين الضوئيّة بينما السلطة في لبنان وعلى رأسها «حزب الله» ليس باستطاعتها تقصير المسافة في طوابير الذلّ أمام الأفران.

أخطر ما قاله السيّد نصرالله في الثامن من آذار عام 2005 لم يكن « شكراً سوريا»، فهذا من السياسة والتحالفات والظروف الاقليميّة التي تتبدّل. إنّ أخطر ما قاله، وهذه قناعته، إنّ لبنان ليس جورجيا أو أوكرانيا اللتين في حينه عرفتا انتفاضتين أطاحتا بمنظومتين فاسدتين.

لكنّ لبنان تبدّل، وفيه جيل اكتسب وعياً سياسياً رافضاً لنظامنا وتجلّى ذلك في 17 تشرين.

وعلى الرغم من الصعوبات والقمع والتهويل واللعب على الوتر الطائفي وبعض إخفاقات قوى المعارضة، فإنّ هذا التغيير ترسّخ في العقول، وسنحقّق، مهما طال الزمن، ما حقّقته جورجيا وأوكرانيا وما هو أبعد من جورجيا وأوكرانيا.