IMLebanon

الخيارات الرئاسية بين التوافق والتعطيل (بقلم رولا حداد)

انطلقت المعركة الرئاسية في لبنان بشكل واضح وإن لم يبدأ بعد استعمال الأسلحة الثقيلة واقتصرت البداية على “جسّ النبض” المتبادل، وخصوصاً بعد تسريبات من جهة محور الممانعة بتبني ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في مقابل تأكيد رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع أنه مرشح طبيعي مع عدم ممانعته لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، وكرّر اسم قائد الجيش في أكثر من مقابلة وتصريح.

لكن الموقف اللافت كان للحزب التقدمي الاشتراكي عبر مصادره إذا أكد أنه “قبل الحديث عم تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية من عدمه فلنسعَ للتوصل إلى اسم رئيس توافقي، وإن لم يكن منتمياً إلى “14 آذار” فلنحرص على الأقل على ألا يكون منضوياً تحت “8 آذار”.

موقف الاشتراكي إنما يعكس تلويحاً بسلاح تعطيل النصاب في حال لم يتم التوافق مسبقاً على اسم الرئيس الجديد، وذلك منعاً لأي محاولة من “حزب الله” وفريقه لفرض رئيس من صفوفهم.

وفي الحسابات الفعلية فإن فريق 8 آذار تمكن بشق النفس من الحصول على 65 صوتاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري، كان من ضمنهم نواب “اللقاء الديمقراطي” غير المنتمين لهذا الفريق. كما حصل على 65 صوتاً لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من دون “اللقاء الديمقراطي” إنما مع بعض أصوات المستقلين. وبطبيعة الحال فإن الـ65 صوتاً ليست مضمونة لمرشح من 8 آذار لرئاسة الجمهورية، سواء كان هذا الاسم جبران باسيل الذي لا يمكن أن يصل إلى نصف الـ65 صوتاً ولا حتى لفرنجية الذي لن يحصل على أصوات مستقلين ولا على كامل أصوات تكتل “لبنان القوي”.

في المقابل فإن أي مرشح من فريق 14 آذار سابقاً مثل الدكتور جعجع لن يتمكن من الوصول إلى 65 صوتاً مهما فعل، مثله مثل أي مرشح 14 آذاري آخر.

ماذا تعني هذه المعادلة؟ تعني بكل بساطة أن الانتخابات الرئاسية في لبنان ستكون محكومة بعامل من اثنين: إما التوافق على اسم الرئيس المقبل لكي يحظى بالأكثرية المطلوبة لانتخابه ومن ضمنها أكثرية الثلثين لتأمين النصاب، وإما التعطيل المتبادل للجلسات بانتظار التوافق.

وعندما نتحدث عن التوافق يتبادر إلى الأذهان أولاً اسم قائد الجيش الذي يحظى باحترام داخلي وخارجي كبيرين، من دون أن يعني ذلك أنه “المرشح التوافقي” الوحيد الممكن، لأن الأسماء التي يمكن أن تسقط بـ”باراشوت” التوافق جاهزة في أي لحظة. لكن الأساس في التوافق يبقى الاتفاق الخارجي نتيجة تسوية ما أو معادلات ما وتنعكس على الداخل اللبناني، وخصوصاً في ظل عجز أي فريق داخلي عن الحسم وتأمين النصاب والأكثرية المطلوبين إيصال أي رئيس إلى قصر بعبدا.

في الخلاصة، وانطلاقاً من كل ما تقدّم يصبح الاعتقاد بدخولنا في فراغ رئاسي طويل أكثر ترجيحاً ما لم تحدث أعجوبة إقليمية ما. والفراغ الرئاسي ينسحب على الفراغ الحكومي في ظل تحلّل الدولة وانهيار المؤسسات، وهذا ما قد يقود إلى فوضى شاملة تدخلنا في المجهول فتصبح الانتخابات الرئاسية تفصيلاً صغيراً في معادلة أكبر وأكثر تعقيداً تتعلق بإعادة بناء نظام جديد وفق معادلات جديدة غير واضحة وقد لا تتضح في المدى المنظور. أعان الله اللبنانيين على تخطي هذه المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ لبنان!