IMLebanon

جولة على المتورّطين بنسف التحقيق في انفجار المرفأ

كتب فارس خشّان في “الحرة”:

وجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، في الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، مضطرًّا إلى أن يترافع دفاعًا عن نفسه، سواء في صفحته على موقع “تويتر” أو في مقابلة خصّصها لصحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية، الناطقة باللغة الفرنسية.

دفاع ماكرون عن نفسه لم يأتِ نتيجة “وخز الضمير” بل ردًّا على حملة قادتها الصحافة الفرنسية بالتعاون مع مجموعات لبنانية، حمّلته فيها مسؤولية تعويم الطبقة السياسية اللبنانية التي عادت وتورّطت، بوقاحة ظاهرة، في عرقلة التحقيقات في ملف انفجار المرفأ ونسفها.

وكان ماكرون، عندما زار لبنان إثر هذا الإنفجار الذي أودى بحياة 224 شخصًا وجرح الآلاف ودمّر نصف العاصمة اللبنانية، ومن أجل تمرير مبادرته التي وصفها ب”الإنقاذية”، قد وافق، بسرعة لافتة، على مطلب “حزب الله”، بوجوب إزالة بند طلب إجراء تحقيق دولي يهدف إلى كشف خلفيات هذا الإنفجار والمتورّطين فيه مهما كانت مواقعهم السياسية أو الإدارية أو الأمنية.

وقد وجّه كثيرون، في وقت لاحق، الى الرئيس ماكرون تهمة عقد صفقة مع “حزب الله”، لقاء موافقته على حماية مصالح عدّة لفرنسا في البلاد، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، إقدام وزارة النقل اللبنانية التي يحمل حقيبتها وزير سمّاه “حزب الله”، على إعطاء امتياز إعادة إعمار مرفأ بيروت، إلى شركة فرنسية.

وبعد سنتين من وقوع الإنفجار ونجاح الطبقة الحاكمة في تجميد الملف الذي يتولّاه القضاء اللبناني، بات كثير من اللبنانيين، بدعم من منظّمات دولية حقوقية مرموقة، على قناعة تامة بأنّ عدم انتقال التحقيقيات إلى عهدة لجنة دولية خاصة من شأنه أن يطمس الحقيقة إلى الأبد، وتاليًا على الرئيس الفرنسي أن يُساهم في تصحيح “الخطأ” الذي ارتكبه، باسم إنقاذ لم يحصل وبحجّة مبادرة لم تنجح، عندما وافق، بلمحة بصر، على مطلب “حزب الله”.

وعلى مدى سنتين من عمر ملف انفجار مرفأ بيروت، لعب “حزب الله” دورًا رياديًا في نسف التحقيقات التي تولّاها القضاء اللبناني، وعاونه في ذلك جميع شركائه في السلطة الذين توزّعوا المهام، سواء من خلال عرقلة التشكيلات القضائية، أو من خلال منع تنفيذ التبليغات القضائية، أو إعطاء أدوار رياديّة لمطلوبين الى التحقيق، أو ترشيح مطلوبين آخرين الى الانتخابات النيابية.

ووجّه “حزب الله” تهديدات مباشرة الى المحقق العدلي في الملف طارق البيطار الذي وجد نفسه، في وقت لاحق، غير قادر على الاستمرار في التحقيقات، بعدما جرى “كف يده”، كما كاد “حزب الله” بالإشتراك مع “حركة أمل”، أي ما يُسمّى ب”الثنائي الشيعي”، ومن أجل التصدّي للمسار التحقيقي الذي يعتمده البيطار، أن يتسبّب بحرب أهلية، عندما حاول مسلّحوه الذين تستّروا بقناع المتظاهرين اقتحام الأحياء السكنية في منطقة عين الرمانة ذات الأكثرية المسيحية، فكان ما سمّي ب”موقعة الطيّونة”.

ولم تكن هذه المرّة الأولى التي يُلوّح فيها “حزب الله” بإحياء شبح الحرب الأهلية في لبنان، إذ إنّه سبق له أن حاول أن يواجه التحقيقات في ملف اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، بهذا السيناريو الذي نجح جزئيًا، ولكنّه لم يحل دون وصول التحقيقات والمحاكمات الى خواتيمها-ولو بنتائج مجتزأة-بسبب وضع هذا الملف بعهدة لجنة تحقيق دولية، بداية وبعهدة محكمة ذات طابع دولي، لاحقًا.

وفي الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، لم يبقَ طرف لبناني متورّط بنسف التحقيقات إلّا وأدلى بدلوه في التعبير عن رغبة لفظية في الوصول الى الحقيقة، ولكن مع تذكيره بالضوابط التي تحول دون أيّ مسّ بفريقه.

وعلى الرغم من إصرار هؤلاء على التمسّك بالحصانات الدستورية التي يعتقدون أنّها تمنع القضاء من وضع يده على عدد من السياسيين، إلّا أنّهم لم يفعلوا شيئًا لإحالة هؤلاء إلى المراجع التي يعتبرونها صالحة لمحاكمتهم، كتطبيق القانون الخاص بمحاكمة الرؤساء والوزراء، على رئيس الحكومة السابق حسّان دياب وعدد من الوزراء السابقين الذين أصدر المحقق العدلي مذكرات توقيف بحقهم، رفضت الأجهزة الأمنية تنفيذها.

وقد كان لافتًا للإنتباه أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وقبل أيّام قليلة من حلول الذكرى السنوية الثانية لانفجار المرفأ، نصّب نفسه قاضيًا، فأعلن “براءة” مطلوبَين من كتلته النيابية، هما علي حسن خليل وغازي زعيتر.

ولم يتوانَ وزير الداخلية والبلديات بسّام، المسؤول عن رفض منح أذونات ملاحقة لعدد من القيادات الأمنية وعن الإمتناع عن تبليغ المذكرات القضائية من القول إنّ جريمة انفجار مرفأ بيروت ” يجب ألّا تمر من دون محاكمة ومحاسبة جدية”.

ولم يتردّد المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، الممتنع عن التوجّه الى التحقيق، بناء على مذكرة قضائية، من إرسال وفد ليضع، باسمه، إكليلًا من الزهر على النصب التذكاري الذي شيد لهم في حرم مرفأ بيروت.

وتوّج الأمين العام ل”حزب الله” هذا المنحى المضحك-المبكي عندما ألقى مسؤولية تعطيل التحقيق على عاتق المحقق العدلي طارق البيطار “الذي لا يقبل بالتنحّي بعد دخوله في دائرة الشبهة”.

بالنسبة لنصرالله المسألة واضحة: إمّا يتم توجيه التحقيق وفق مصلحته أو يذهب المحقق الى منزله.

وهذا السيناريو سبق أن اعتمده الفريق المعرقل للتحقيق، عندما نجح في كفّ يد المحقق العدلي الأوّل في الملف فادي صوّان، لأنّه كان قد اكتشف ما عاد وثبت لدى المحقق البيطار.

إنّ التقارير الدولية والمستندات المتوافرة تُظهر أنّ المشتبه بهم بانفجار المرفأ ليسوا فقط مجموعة من المهملين بل هم أيضًا مجموعة من المتواطئين لمصلحة قوة مرعبة.

إنّ إمكان الوصول الى هؤلاء، في ظلّ تحكّم الطبقة السياسية التي ينتمون إليها بالبلاد، من خلال القضاء اللبناني هو حلم ليلة صيف، إلّا إذا حصلت “المعجزة” وحوّل الشعب أيّام المتورّطين وحماتهم الى جحيم لا يُطاق.

لقد تمكّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل سنتين، من احتواء الثورة الشعبية التي شهدها لبنان، من خلال وعده بوضع خطّة إنقاذية مبنية على مطالبهم المحقة، ولكنّه وجد نفسه أنّه تحوّل إلى طوق نجاة لطبقة سياسية هجاها بأقسى الكلمات التي يحتويها القاموس الفرنسي.

هذه الطبقة السياسية متورّطة، حاليًا، باقتراف جرائم كثيرة ومن بينها طمس الحقيقة في جريمة انفجار المرفأ.

إنّ تجاوز ما تسبّب به ماكرون ممكن، ولكن على قاعدة أن يعود الشارع اللبناني الى ما كان عليه، قبل انتقال ماكرون على عجل الى لبنان، قبل سنتين.

في هذه الحال، ماكرون لن يُكرّر خطأه والشعب…كذلك.

إنّ المدخل الوحيد الى الحقيقة لا يكمن في استجدائها، بل في انتزاعها.