IMLebanon

أدوية قاتلة في لبنان!

كتبت إقبال زين في “الأخبار”:

منذ رفع الدعم عن السلع الطبية وفقدان الكثير منها، غرقت مواقع التواصل الاجتماعي بصور أدوية في ظل عرض وطلب جنونيين في السوق السوداء. تواصل نقابة الصيادلة في لبنان حملتها التحذيرية من الأدوية المزورة والتالفة التي تنتشر بطريقة غير شرعية واصفة إياها بـ«القاتلة». فيما يتحدث بعض تجار السوق السوداء عن دوافع «نبيلة» لخدمة المرضى. مع ازدواجية المشهد، هناك أسئلة تجدر الاجابة عليها: هل هناك مبالغة في التحذيرات من انتشار الدواء الفاسد؟ ما هو حجم الأدوية المهربة؟ كيف يحدد الدواء الشرعي؟ وكيف يمكن التعرف على الأدوية المزورة؟

يخضع تسجيل الأدوية في لبنان لتسلسل إداري يراعي معايير اللجنة الفنية للأدوية في وزارة الصحة التي أنشئت بموجب القرار 476/1. لذلك، يتوجب على جميع المنتجات الصيدلانية، سواء كانت محلية الصنع أو مستوردة، أن تكون مسجّلة في وزارة الصحة. وبالتالي، فإن أي دواء يدخل الأراضي اللبنانية ويوزع فيها من دون الموافقة عليه يعتبر غير شرعي.

ويصف القانون اللبناني تزوير الأدوية أو تهريبها بالجريمة، ويشدد تعديل المادة (92) من القانون رقم 367 الذي نشر سنة 1994 العقوبات على كل فعل يتناول الأدوية المهربة، المنتهية الصلاحية وغير المسجلة أو الممنوع التداول بها، بحيث يعاقب الشخص بالاعتقال المؤقت وبالغرامة. إلا أن الأزمة بحسب المعنيين في الجسم الصحي تخطت مشكلة الضوابط الجمركية. «ليست لدينا مشكلة مع المواطنين الذين يجلبون الدواء للاستعمال الشخصي طالما أنهم يأتون به من أماكن مرخصة في الخارج»، يقول رئيس نقابة الصيادلة جو سلوم لـ”القوس”، لكن «الخطورة تكمن في وصول كميات كبيرة من المنتجات التالفة والمزورة إلى الأسواق اللبنانية». فما أثرها؟

الشائع أن الأدوية المزورة لا تحتوي على أي منتج فعال. إذ غالبًا ما تحتوي على نشا الذرة، البطاطس، الطباشير، أو المياه، لكنها يمكن أن تشتمل على منتجات قاتلة وسامة، أو حتى ملوثة بفعل الظروف السيئة التي تنتج أو تخزن فيها كما تشرح منظمة الصحة العالمية في تقريرها عن الأدوية المزورة الذي نشر سنة 2018. ويصعب على المواطنين التأكد من نوعية الأدوية قبل شرائها، ربما لعدم المعرفة أو قصور الانتباه، خصوصًا إذا ما كان هناك اضطرار لها كتأمين دواء السرطان مثلًا. غير أنه، خلافًا لما قد يظنه البعض، لا يقتصر التزوير على أدوية السرطان الباهظة الثمن. فبعض الأدوية التي تباع، قد تكون على بساطتها مزورة، مثل البنادول وأدوية الالتهابات ومهدئات الأعصاب وأدوية الضغط وغيرها، كما توجد أدوية بالغة الحساسية لجهة سرعة التلف، لأنها تحتاج أن تحفظ في ظروف خاصة كإبر الانسولين، وغيرها من الأدوية التي تحتاج إلى التبريد أو تعطى عن طريق الحقن.

السوق السوداء: تهم بين وزارة الصحة والتجار

أحد تجار السوق السوداء، وهو ممرض يعمل في أحد مستشفيات بيروت، يؤكد لـ«القوس» أن هناك مبالغة في التحذير من «اجتياح» الأدوية المزورة والفاسدة، مشدداً على أن «أكبر راس بالسوق السودا بكون عنده كرتونة أو تنين من الدوا ليوزعهن… نحنا عم نساعد العالم، اللي عم يصير بالدولة هو السوق السودا».
يستنكر سلوم الكلام، لكن الأخير لديه شكوكه وعلامات استفهامه الخاصة حول هذا الموضوع في المؤسسات الصحية. «فماذا عن الكميات الضخمة من الدواء المدعوم الذي هرب إلى الخارج وعاد الآن ليباع في الأسواق من قبل المواطنين بالدولار؟»، يسأل النقيب، ويشدد على أنه «آن الأوان لفتح تحقيقات في هذا الملف».

أحد أقارب مريضة سرطان يدلي بشهادته حول الفوضى والمحسوبيات في وزارة الصحة التي «تواصلنا معها منذ فترة لتأمين دواء لسرطان الثدي ، فكان الرد أنه مقطوع. حاولنا الحصول عليه من تركيا، لكن سعره في الصيدليات هناك وصل إلى 1000 دولار، فلم نستطع شراءه. عدنا وقمنا باتصالاتنا الخاصة للتوسط في الوزارة، فتم تأمين بديل عنه بعدما دفعنا مبلغاً كبيراً من المال».

إلى حد «التواطؤ» مع السوق السوداء للأدوية، يرى البعض علاقة الوزارة مع ما يحصل. إذ يشدد رئيس الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية – الصحة حق وكرامة، الدكتور اسماعيل سكرية، على وجوب فتح تحقيقات في ملف تهريب الأدوية من وزارة الصحة، لافتًا إلى أن الأمر يجري « بالتواطؤ مع موظفين في الوزارة» وهو أمر «مثبت بالوثائق منذ زمن».

نقابة الصيادلة: لا إحصاء..مواقع التواصل فقط

لا تمتلك نقابة الصيادلة أي إحصاء حول عدد الأدوية الفاسدة أو المزورة التي تدخل إلى السوق اللبنانية بشكل دائم، إلا ما يصل إلى النقابة عبر مواقع التواصل الإجتماعي وصور لـ«بسطات» ودكاكين تبيع الدواء في الشارع. حاولت «القوس» تتبع منشورات إلكترونية تحمل عبارة «كيسكالي 200»، وهو دواء مضاد لسرطان الثدي مقطوع في الصيدليات اللبنانية منذ زمن، ويتم تداوله في السوق السوداء، فأظهرت النتائج أن هناك 17 تغريدة على تويتر تحمل إسم هذا الدواء في آخر 5 ساعات من إجراء البحث. ربما يكون غياب فريق يتتبع مصدر الدواء أحد أهم الأسباب التي تعيق المعنيين بردع تفشي الأدوية المزورة.

وفق تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، فإن تتبع مصدر الأدوية المزيفة غالبًا ما يكون صعبًا لكنه ليس مستحيلًا، إذ أنه بحاجة إلى تنوع مصادر المعلومات التي تشمل تقارير من السلطة الوطنية المسؤولة عن تنظيم الأدوية، وكالات إنفاذ القانون، شركات الأدوية، المنظمات غير الحكومية، ودراسات تجرى على نطاق جغرافي، بالإضافة إلى إجراء دراسات على مجموعة عينات علاجية.

يصف القانون اللبناني تزوير الأدوية أو تهريبها بالجريمة، ويشدد تعديل المادة (92) من القانون رقم 367 الذي نشر بتاريخ 1/8/1994 العقوبات على كل فعل يتناول الأدوية المهربة، منتهية الصلاحية وغير المسجلة أو ممنوع التداول بها بحيث يعاقب الشخص بالاعتقال المؤقت وبالغرامة.