IMLebanon

سابقة جريئة في المدارس تنتظر التنفيذ!

كتبت ملاك حمية في “الأخبار”:

استغلّت المدارس الخاصة الأزمة الماليّة والفوضى في البلد، فحدّد بعضها كامل أقساطه بالدولار النقدي ضارباً عرض الحائط أحكام القانون 515 بتاريخ 6/6/1996، فيما تحايل البعض الآخر على القانون بفرض مبلغ نقدي بالدّولار على كلّ تلميذ، من خارج المُوازنة المدرسيّة، تحت مسميّات مُختلفة (مساهمة اختيارية، مساهمة إلزامية، صندوق دعم…) تحت طائلة رفض التسجيل للعام الدراسي 2022/2023، إضافة إلى الأقساط باللّيرة اللبنانية التي يرعى تحديدها القانون، والتي ازدادت بشكل عشوائيّ، خلافاً للقانون، ومن دون الأخذ في الحسبان الصّعوبات الماديّة والظروف المالية الّتي يعاني منها الأهالي.

ولوضع حدّ لهذا التّفلت، ولتذكير المدارس برسالتها التربوية والأخلاقية، وتطبيقاً لأحكام القانون 515 وقانون النقد والتسليف الذي يُعاقب كلّ من يرفض الإيفاء بالليرة اللبنانية، أصدر وزير التربية، عباس الحلبي، أخيراً، التعميـــم الرقــــم 33/م/2022، المتعلق بعدم جواز فرض المدارس الخاصة غير المجانية على الأهالي، أي مبالغ، أياً كانت تسميتها أو قيمتها، خارج الموازنة المدرسية، أي خارج إطار القسط المدرسي.

يأتي هذا التعميم ليُؤكّد وجوب تطبيق أحكام القانون 515/96، التي لم تكن المدارس الخاصة تلتزم بها، وليُفسّر بعضاً منها، وليمنـع «البدع» التي لجأ إليها أصحاب المدارس من أجل تغطية نفقاتها التشغيلية التي تتأثر بسعر صرف الدولار، وليحسم الكثير من المسائل التي كانت موْضع مطالبات ومناقشات وإشكاليّات بين مُكوّنات الأسرة التربويّة، وليضع أسساً وضوابط لتحديد الأقساط المدرسيّة تتماشى مع الظروف الاستثنائيّة والأزمات الاقتصاديّة.

فمن جهة أولى، جاء التعميم ليُذكّر المدارس بوجود القانون وبوجوب تطبيقه، إذ إنّ مُقدّمته تضمّنت عرضاً للأحكام القانونيّة التي ترعى تعريف القسط المدرسي وكيفيّة تحديده بموجب القانون، كما تلك المُتعلقة بإيرادات المدرسة، والتي تنصّ على أنها تتكوّن من مجموع الأقساط المدرسيّة الموازي لمجموع عناصر باب النفقات، وبأنّ رسوم التسجيل أو الانتساب إلى المدرسة يجب أن تدخل في باب الإيرادات من الموازنة وبأنها لا يجب أن تتعدّى 10% من قيمة قسط السنة السابقة، كما تضمّنت تأكيداً على نص المادة الأولى من القانون المذكور لجهة أنّ تنظيم الموازنة المدرسيّة يكون وفقاً للنموذج المرفق بالقانون والذي يفرض أن تُقدّر وتُحدّد النفقات والإيرادات في هذه الموازنة بالليرة اللبنانية حصراً، وبالتالي إنّ القسط الذي يتوجب عن كلّ تلميذ يجب أن يكون بالليرة اللبنانية، وبأن اعتماد أي عملة أخرى يكون مُخالفاً للقانون.

ومن جهة ثانية، جاء هذا التعميم ليُذكّر المدارس بأنها مُؤسسات غير ربحية ومعفاة من دفع الضرائب، وبأنّ إسداءها لخدمة التعليم يدخل في إطار الخدمة العامة، وفي نطاق الأنشطة التي لا تتوخى الربح، وبأنّ تأديتها لهذه الخدمة يستدعي أن تستمر في القيام بها .
ثم انطلاقاً من هذه القواعد ومن الواقع الخانق، وضع التعميم المذكور ضوابط وأسُس لتنظيم الموازنة وتحديد الأقساط للعام الدراسي 2022/2023.
وقد امتاز هذا التعميم بالجرأة والعدالة، إذ،

– وضع حداً للفوضى والتفلّت المُمارسيْن من المدارس بفرضها مبالغ على الأهالي بالدولار من خارج الموازنة والقسط، فمنعهـا:
– من اعتماد أيّ عُملة أجنبيّة لتقدير نفقاتها، وألزمها باعتماد الليرة اللبنانية حصراً لتقديرها ولتحديد القسط المدرسي. (البند أولاً من التعميم)
– من إلزام الأهالي بدفع أي مبالغ تحت مُسمى «مساهمات»، وخصوصاً إذا فرضتها بشكل إلزامي وبالدولار. (الفقرة الأخيرة من مُقدمة التعميم)
– من إنشاء صناديق خاصة لتلقّي أي مبالغ خارج الموازنة، حتى ولو كانت المساهمة فيه بالاختيار، واعتبار ذلك كله مُخالفاً للقانون، ويُرتّب المسؤولية عليها ويحمل وزارة التربية على اتخاذ التدابير التي تجيز لها القوانين والأنظمة اتخاذها بحقها. (الفقرة الأخيرة من مُقدمة التعميم ، والبند سابعاً منه)
– من استيفاء أي مبالـغ خارج إطار الموازنة، ولأي نفقة مُقدّر توجبها، أياً كان نوعها وقيمتها، عادية كانت أو استثنائية، وسواء تتعلق بديمومة العمل أو بمُساعدة ودعم رواتب أفراد الهيئة التعليمية وأجور العاملين، ووجوب إدراجها في عداد عناصر باب النفقات في الموازنة المدرسيّة، في حدود الحصر والعصر. (الفقرة الأخيرة من مُقدمة التعميم، والبند ثانياً منه)

2- نظّم التعميم، ضمن قواعد وأسُس وضوابط قانونيّة، عادلة ومُنصفة، تنظيم المُوازنة المدرسيّة وتحديد الأقساط والزيادات بشكل يُراعي واقع حال كلّ مُكوّنات العائلة التربوية في الظروف الاستثنائية، إذ:
– أوجب على المدارس اعتماد موازنات تقشفية، وحصر الإنفاق بالعناصر التي يرتبط سير العمليّة التعليميّة بها ارتباطاً مباشراً على النحو الذي تتوقف معه في حال عدم توفير الاعتماد اللازم لها، وعصر مقدار هذا الاعتماد إلى حده الأدنى الذي لا يمكن النزول إلى ما دونه .(الفقرة الرابعة من المقدمة)

– أجاز مُساعدة ودعم رواتب أفراد الهيئة التعليمية وأجور العاملين في المدارس ، شرط إدراج المبالغ المُقدّرة لها بالليرة اللبنانية في عداد عناصر باب النفقات من الموازنة. (البند ثانياً من التعميم)
– أجاز للمدارس الخاصة زيادة نفقاتها التشغيليّة وتجاوز نسبة الـ 35% المُحدّدة لها في الموازنة، وذلك ضمن عدة ضوابط وشروط أهمها :
– إدراج هذا التجاوز في ملحق للموازنة الأساسيّة يتضمّن النفقات الاستثنائية التي اضطرّت فيه إلى تجاوز نسبة الـ 35%، مرفقاً بتقرير خبير محاسبة محلّف يُبرّر فيه صحة تقدير هذه النفقات.
– إقرار هذا المُلحق مع المُوازنة الأساسيّة ووفقاً للقواعد القانونية ذاتها المنصوص عنها في القانون 515/96، أي يجب أولاً أن يُعرض هذا المُلحق مع الموازنة على مندوبيْ لجنة الأهل في الهيئة الماليّة للتدقيق بهما، ثم وضع تقرير بكل منهما وعرضهما على لجنة الأهل التي لها أن تتخذ القرار المناسب إما بالتوقيع بالموافقة عليهما أو الامتناع عن ذلك، وما يستتبع ذلك من نتائج قانونية لكلا الحالتيْن .
– في حال عدم مُوافقة لجنة الأهل على هذا المُلحق ، يتم الفصل في أي خلاف حوله في حال نشوئه وفقاً للأسس القانونية نفسها المعتمدة للبت في أي خلاف ينشأ حول الموازنة. (الفقرة السادسة من مقدمة التعميم، والبند رابعاً منه).
-في المقابـل، ألزم التعميم المدارس، بوجوب إدخال وإدراج كلّ المبالغ التي تتلقاها أو تستحصل عليها من مساهمات وهبات ومنح وتبرعات ورسوم انتساب وتسجيل وغيرها، في باب الإيرادات من موازنتها، وذلك أياً كان مقدارها، وأياً كانت عملتها، بعد تحويلها إلى العملة الوطنية بسعر صرفها الفعلي حين إدراجها، كما ألزمها بتنزيل قيمتها من باب نفقاتها، قبل تحديد القسط المدرسي (الفقرة الثانية من مقدمة التعميم، والبند ثالثاً منه).

وتأتي هذه الموجبات انسجاماً مع مبدأ عدم جواز استيفاء المدرسة لأيّ أرباح، كونها تدخل ضمن فئة المُؤسسات غير الربحيّة، كما انسجاماً مع استشارة هيئة التشريع والاستشارات الرقم 75 بتاريخ 27/1/2015، إضافة للأسباب الموجبة لوضع القانون رقم 515/96 ، والمُتمثّلة في «تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، والإبقاء على الرقابة الماليّة على قيودها كافة».
– ومن ناحية أخيرة، أكد التعميم دور لجنة الأهل في الرقابة والمُوافقة المُسبقة على المُوازنة الأساسيّة ومُلحقاتها .(الفقرة السادسة من مقدمة التعميم، والبند خامساً منه).

3- كذلك يتميّز التعميم بتضمّنه ضوابط تحدّ من العشوائية في فرض الزيادات المُسبقة غير المُبررة على الأقساط، واعتماد مبدأ التدرّج في ذلك في حال توجّبها، من خلال السماح بتقديم مُلحق ثانٍ «للمُوازنة المدرسية» خلال العام الدراسي «يتضمن النفقات الاستثنائيّة التي تتجاوز الاعتمادات الملحوظة لها في الموازنة الأساسيّة والتي تطرأ أثناء العام الدراسي، وذلك ضمن ضوابط أهمّها:

– أن يكون الملحق المذكور مرفقاً بتقرير خبير محاسبة محلّف، يُبرّر فيه صحة تقدير هذه النفقات الاستثنائية التي تتجاوز الاعتمادات الملحوظة لها في الموازنة الأساسيّة.
– إقرار هذا المُلحق وفقاً للقواعد القانونية ذاتها التي ترعى إقرار الموازنة الأساسيّة، (أي عرضه على مندوبيْ لجنة الأهل في الهيئة الماليّة للتدقيق به، ووضع تقريرهما وعرضه على لجنة الأهل التي تتخذ القرار المناسب بهذا الشأن).

– استيفاء الزيادة على القسط المدرسي خلال السنة الدراسية في ضوء ما يترتب على الإقرار المذكور. (البند خامساً من التعميم)

– إلى ذلك، ألزم المدارس بتنظيم ملحق بالإيرادات الاستثنائية في حال حصولها وورودها «خلال العام الدراسي»، وتحديد انعكاسها الإيجابي على القسط المدرسي، وخفضه بما يوازي قيمة هذا الانعكاس. (البند سادساً من التعميم) .

التعميم يُشكل سابقة جريئة، تضع حداً للفوضى والعشوائية والتفلت من أحكام القانون والتحايل عليه، وسيؤدي، في حال تطبيقه، إلى إرساء قواعد عادلة في تحديد الأقساط المدرسيّة في هذه الظروف الاستثنائية، ما يضمن سير العام الدراسي بشكل هادئ، ويضمن الحدّ الأدنى من حقوق الأسرة التربوية بمُكوّناتها الثلاثة.