IMLebanon

سابقة في تاريخ لبنان

كتبت جويل رياشي في “الراي”:

تنتهي الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول المقبل. وهو الموعد المفترض ان يتسلم فيه رئيس جديد منتخب سلطاته الدستورية، بالانتقال الى القصر الجمهوري في بعبدا ليستهل ولاية محددة بست سنوات.

الا ان انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال يبدو متعذرا، في ضوء الوضع السياسي المتأزم الذي تعيشه البلاد. وهذا ربما يعني مغادرة الرئيس القصر الجمهوري دون تسليم مقاليد الحكم الى خلف منتخب، للمرة الثالثة تواليا بعد انتهاء ولايتي الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان في 2007 و2014 على التوالي.

قبل ذلك، وقبل إقرار الدستور الجديد في الطائف، سلم الرئيس امين الجميل مقاليد الحكم الى حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون في 1988.

وقبلها أيضا غادر الرئيس بشارة الخوري القصر الرئاسي في القنطاري مستقيلا من ولايته المجددة ومسلما السلطة الى قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب في 18 ايلول 1952، وقد انتخب مجلس النواب في 23 منه كميل شمعون رئيسا للجمهورية.

الترقب الحالي يتمحور حول الإجراء الذي قد يتخذه الرئيس عون قبل مغادرته قصر بعبدا، وهذا ما ألمح اليه صراحة في حديث الى صحيفة «الأخبار» اللبنانية نشر في 13 ايلول ، بالقول انه لن يقف مكتوف اليدين «أمام مؤامرة الدقيقة الأخيرة».

ليس سرا ان رئيس الجمهورية يعترض على انتقال سلطاته الدستورية الى حكومة تصريف أعمال مستقيلة حكما، بعد انتخاب مجلس نيابي جديد في مايو الماضي. وليس سرا ان عون يرفض مجاراة أفرقاء عدة في طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي ومعهما أفرقاء عدة بينهم حزب «القوات اللبنانية»، لجهة مغادرة الرئيس القصر وتولي حكومة ميقاتي المستقيلة سلطات رئيس الجمهورية.

تتعدد التحليلات والتفسيرات لنصوص الدستور اللبناني، ولعدم وجود صلاحيات بعد دستور الطائف الذي أقر في 1989، تمكن رئيس الجمهورية من تسمية رئيس للحكومة دون المرور باستشارات نيابية ملزمة.

وقد جرد الطائف رئيس الجمهورية من صلاحيات واسعة كانت معطاة له في ميثاق 1943، وهي التي استند اليها كل من الرئيسين كميل شمعون ثم أمين الجميل وقت تسليم السلطة الى حكومتين عسكريتين. كانت الصلاحيات تتيح لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب، وهي التي استخدمها رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون، في 4 تشرين الثاني 1989، ليلة انتقال النواب من الطائف الى قاعدة القليعات الجوية في شمال لبنان، لانتخاب النائب رينيه معوض رئيسا للجمهورية.

المتاح للرئيس عون حاليا ليس البقاء في القصر، بل اتخاذ اجراءات، سواء للضغط على معارضيه ودفعهم الى القبول بتأليف حكومة جديدة، او الوصول في الحد الأقصى الى قبول استقالة حكومة ميقاتي بمرسوم، لا يرتبط كما جرت العادة بعد الطائف بالإعلان عن تسمية رئيس مكلف بمرسوم يليه في الرقم، الى مرسوم ثالث يتضمن تشكيل الحكومة ممهور بتوقيع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.

وتجدر الاشارة الى ان قبول عون استقالة حكومة ميقاتي بمرسوم ينشر رسميا، يعني نزع الصفة عن الوزراء، وتاليا عدم تمكينهم من القيام بتصريف الأعمال بالحد الأدنى المنصوص عليه.

ويعني ذلك ايضا تكريس الفراغ الشامل والدخول في نزاعات دستورية، قد تنجم عنها فوضى على صعيد ممارسة الحكم في الفترة التي تلي نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وتنكيس العلم في القصر الجمهوري وإطفاء مواسير نافورة المياه في باحة القصر، التي تشير الى وجود رئيس للجمهورية في المقر الرسمي.

الثابت ان الرئيس عون سيغادر القصر الجمهوري مع انتهاء ولايته الدستورية، وسينتقل الى منزله الجديد في منطقة الرابية التي أقام فيها بعد عودته من المنفى في مايو 2005. لكن النزاع الداخلي سيتفاقم، من دون معرفة السقف الذي قد يبلغه.

«روح النص والإيجابية يجب ان تطغى على تفسير الدستور اللبناني». الكلام للمستشار في القانون والإدارة المحامي نبيل نحاس ردا على سؤال عما هو متاح، وما قد يؤدي الى كباش او حتى نزاع دستوري.

يختصر نحاس المرحلة بالقول انه «في كل النقاط الواردة في الدساتير المعمول بها في العالم، تبقى هناك أمور غير واضحة وغير ملحوظة وغير منصوص عنها.

وفي غياب هذه النصوص، لابد من البحث عن الروحية الخاصة بها، ذلك ان روحية النص تعتبر أهم من النص. والمعروف ان الدستور يكره الفراغ. لذا هناك مبدأ عام يجيز كل المحظورات والأشياء غير الواردة في نصوص الدستور، لجهة استمرارية عمل المؤسسات.

والمؤسسات هنا ليست شركة خاصة، بل مرفق عام لا يجوز وقف العمل فيه. لذا تتخذ قرارات غير واردة ومنصوص عليها في القانون، بحجة تأمين استمرارية عمل المرفق العام. وهنا السؤال: كيف الحال في المنصب الأهم في البلد، منصب رئيس الجمهورية؟» ويصل نحاس الى استنتاج مفاده عدم القبول بالفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، منعا لتوقف العمل في المؤسسة الأهم والأعلى في البلد، مؤسسة رئاسة الجمهورية.

وبالانتقال الى وضعنا الداخلي في لبنان، وخصوصا بعد تطبيق دستور الطائف، نجد أننا «أمام واقعة غير مسبوقة لجهة وجود حكومة مستقيلة حكما بعد انتخاب مجلس نيابي جديد. ونصل الى نقطة تكليف رئيس الحكومة المستقيلة نفسه بتأليف حكومة جديدة اثر استشارات نيابية ملزمة. لذا نحن أمام سابقة في حصول الفراغ الرئاسي في وضع كهذا. ولابد هنا من الأخذ بروحية النص، اذا أردنا مقاربة الموضوع من الناحية العلمية والقانونية.

ونذكر ان من وضع الدستور اللبناني وغيره من الدساتير، لم يرد في باله الوصول الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، لذا لم يلحظها. وهنا يجب تفسير الدستور بحسن نية وليس بسوء نية، من أجل تأمين انتخاب رئيس جديد للبلاد وحسن سير المرافق العامة.

علما ان الدستور اللبناني يوقف العمل بأي شيء في جلسات مجلس النواب التي قد تعقد قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد انتهاء ولاية الرئيس المحددة بست سنوات. وفي ذلك تشديد على أهمية انتخاب الرئيس حصرا. نحن لا نعاني أزمة دستور او أزمة قوانين، بل نعاني أزمة أشخاص».

ويختم نحاس بدعوة القيمين على أمور البلاد الى الاجتماع والعمل من أجل تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

بين القانون والتفسيرات والاجتهادات، ترقب لـ«الدقيقة الأخيرة» بحسب تصريح رئيس الجمهورية. وحتى ذلك الحين، سيرد الكثير من التحليلات، وستجري رياحها في الوجهة التي لا تحتاجها أشرعة السفن المفترض ان تسير وفقها البلاد.