IMLebanon

لماذا تخلّت روسيا عن “الحزب” في مجلس الأمن؟

كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:

فوجئت قيادة «حزب الله» بالقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31 آب 2022 والقاضي بالتمديد سنة جديدة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بعد أن تبنّى القرار 2650 (2022) الذي يطلب فيه المجلس من القوات المسلحة اللبنانية والأمين العام للأمم المتحدة تحديد معايير محددة وجداول زمنية للنشر الفعّال والدائم للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان وفي المياه الإقليمية للبلاد.

كما يشجع المجلس بقوة الحكومة اللبنانية على الإسراع بنشر فوج نموذجي من القوات المسلحة اللبنانية في منطقة العمليات. وهذا يدعم هدفا طويل الأمد للبعثة يتمثل في تسليم جميع مهامها ومسؤولياتها إلى السلطات اللبنانية في نهاية المطاف.

ويحثّ مجلس الأمن في القرار الأطراف على تسريع الجهود لتحديد الخط الأزرق بشكل واضح والمضي قدما في حلّ النقاط الخلافية.

وكرّر المجلس أن اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل. ويدعو الأطراف إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها.

وأدان المجلس مضايقة وترهيب أفراد اليونيفيل، وكذلك استخدام حملات التضليل الإعلامي ضدّ حفظة السلام. كما يطلب من البعثة اتخاذ تدابير لرصد المعلومات المضللة ومكافحتها.

كما أعرب المجلس في القرار عن قلقه إزاء بعض التطورات على طول الخط الأزرق. ويشير إلى التركيب الأخير للحاويات التي تقيّد وصول حفظة السلام إلى أجزاء من الخط أو قدرتهم على رؤيته. كما يدين وجود أسلحة غير مصرّح بها تسيطر عليها جماعات مسلحة في منطقة عمليات اليونيفيل.

خلفيّات القرار

جاء قرار مجلس الأمن الدولي بناءً على شكوى إسرائيلية وثّقت ما تعتبره تلّ أبيب «انتهاكات» و«استفزازات» يقوم بها «حزب الله» في النطاق الحدودي المباشر مخالِفاً بذلك القرار 1701، وقد أوردت الإعلام الإسرائيلي أهمها:

– القيام باستعراضات لعناصره على مقربة من الشريط الشائك.

– انتهاكات على الشريط الحدودي وتخريبه.

– الاستمرار في حفر الأنفاق.

إنذار إسرائيلي

تلقى حزب الله إنذاراً بأنّ إسرائيل لن تكتفي بتسكير الأنفاق التي جرى حفرها في المناطق الحدودية، بل ستلجأ إلى قصف كلّ الأنفاق والمراكز القائمة على الحدود.

كما تضمّن الإنذار أنّ إسرائيل لن تقبل باستمرار حالة القلق على الحدود واضطرارها إلى إطلاق عشرات القنابل المضيئة يومياً لضمان عدم تسلّل أي مجموعة إلى الداخل الإسرائيلي.

وجاء في الإنذار أيضاً أنّ دور اليونيفيل لا يمكن أن يبقى في إطار التفرّج على حفر الأنفاق تحت أقدام عناصرها، وإنشاء المراكز العسكرية على بُعد أمتار من الحدود، في انتهاك واضح للقرار 1701.

واقع الحال في الجنوب

تمكّن «حزب الله» خلال السنوات التي تلت حرب العام 2006 من وضع يده على مناطق واسعة في الجنوب، وحوّلها إلى مناطق محرّمة على الأجهزة الأمنية اللبنانية وعلى اليونيفيل، والأخطر أنّه أصبح منتشراً بشكلٍ مباشر على الحدود، وهذا ما بات أعضاء مجلس الأمن الدولي على إلمامٍ دقيق به، وجاءت الاستعراضات الأخيرة لعناصره، وقبل ذلك استقبال زعماء الميليشيات الإيرانية والعراقية واليمينة في النقاط الحدودية مع الظهور المسلح، لتدفع المجتمع الدولي، متأخِّراً، إلى الانتباه إلى أنّ القرار 1701 أصبح في خبر كان.

خيارات «حزب الله» المحدودة

لا شكّ أنّ موقف «حزب الله» دقيق وحسّاس، فهو يقف أمام خيارين أحلاهما مُـرّ:

– إمّا أن يتراجع عن الحدود، ويخلي مواقعه ومراكزه المتقدمة، ولا نعتقد أنّه بعد كل هذه الجهود التي بذلها للوصول إلى ما وصل إليه، سيقوم بالتراجع عن النقاط الحدودية التي يسيطر.

– وإمّا أن يصطدم بقرار مجلس الأمن وهذا له مخاطر كبرى يعرف الجميع أبعادها.

من المتوقع أن ينتظر الحزب ويراقب مدى جدّية تنفيذ القرار الدولي: بالنظر إلى تجارب سابقة، تمكّن الحزب من تنفيس زخم القرارات المتعلقة بالوضع الميداني من خلال دفع السلطات اللبنانية للتدخل والدبلوماسية الإيرانية للضغط بالإضافة إلى التهديد بالتصعيد الميداني.

سيكون الخيار الأكثر فعالية وجهوزية هو استنفار الأهالي في مناطق الجنوب ووضعهم في حالة الاصطدام التدريجي بالقوات الدولية في لحظة بدء تنفيذها للإجراءات الجديدة.

الملاحَظ في هذا السياق انضمام حركة أمل إلى الموقف المعروف لـ«حزب الله» من خلال بيانها المعترض على أيّ تعديلات في عمل قوات الطوارئ الدولية، وهذا مؤشِّرٌ إلى أنّ التصعيد سيكون واسعاً في وجه القوات الدولية.

خلاصة الموقف الدولي

لم يكن خافياً أنّ قرار مجلس الأمن صدر بإجماع أعضائه، وبدون أيّ تحفّظ روسيّ ولا صيني، وهذا شكّل صدمة لقيادة «حزب الله» تدفعها لإمعان النظر في أبعاد هذا القرار وتوقيته الإقليمي والدولي، وماذا يعني عدم تدخّل موسكو لحماية الحزب وكيف سينعكس ذلك على علاقتها بالحزب في سوريا، حيث لا تتوقف الغارات الإسرائيلية في ما يشبه «الرعاية» الروسية لها.

في المقاربة الأولية اعتبر قياديون في الحزب أنّ هدف التوجه الدولي الجديد هو إيقاع الصدام بين الحزب والجيش اللبناني، المكلّف مواكبة اليونيفيل في دورياتها وفي تنفيذ ما يُطلب منها من مجلس الأمن، بينما يبدو أنّ الهدف الأساس للقرار الدولي الجديد هو حضور الدولة اللبنانية وفرض سيطرتها على الحدود، ممثلة بجيشها، مقابل الدولة الإسرائيلية، وإبعاد «حزب الله» عن الحدود، وبالتالي انتهاء مرحلة أن تأخذ قوات اليونيفيل دور الفصل بين الحزب والجيش الإسرائيلي.